سلسلة تقارير خاصة عن أهمية مضيق هرمز الاستراتيجي
“الجزء الرابع”
مضيق هرمز، مضيق جغرافي للاقتصاد العالمي
بقلم/ إيميلي بوفيه
(موقع “- les cles du moyen orient لوكليه دو موين اغيونت” الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش- سبأ)
ما برحت الحوادث تتضاعف في الخليج الفارسي، خصوصا في محيط مضيق هرمز منذ شهر مايو الماضي , طائرة أميركية بدون طيار أسقطتها أنظمة الدفاع الإيرانية، كذلك تدمير ناقلات النفط وإطلاق الصواريخ على منشآت النفط الأمريكية في العراق.
ولم تتأخر ردود فعل المجتمع الدولي، عما حدث في مياه الخليج ومحيطه العربي: ففي 20 من يونيو وعد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير فيما يخص بالتهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق بأنها “سوف تولد ردة فعل قوية وقوية للغاية”, وفي 22 من يونيو، قال الممثل الخاص الأميركي لدى إيران، برايان هوك، إن الهجمات التي وقعت في مضيق هرمز تتطلب “استجابة دولية فورية, وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، وفي 25 من يوليو، شرح المتحدث باسم الحكومة البريطانية جيمس سلاك أن السفن الحربية التابعة للبحرية الملكية “نافي” أرسلت إلى الخليج الفارسي “لحماية حرية الملاحة والتجارة”، وأن البحرية البريطانية ” ستفعل أي شيء للدفاع عنها”.
لماذا يعد مضيق هرمز هاماً للغاية، في حين وجود منافذ استراتيجية هامة أخرى للاقتصاد العالمي تتعرض لمخاطر أمنية جسيمة ؟ لماذا هذا الممر البحري يمثل قضية استراتيجية للعالم؟ سيحاول هذا المقال أن يوضح الطابع الجغرافي الخاص جدا لهذا المضيق، فقد اكتسب هذا الأخير خلال القرن 20 أهمية استراتيجية ثم حيوية للاقتصاد العالمي، فقد استغلت القوى العظمى تلك المنافذ الهامة لمصلحتها اكثر من الدول النامية.
أولا – مضيق هرمز: مضيق جيواقتصادي:
بعرض 3.7 كلم: هذا هو الحد الأقصى من هامش المناورة الذي تعرضه إحدى الشاشات المستخدمة في السفن التي تعبر مضيق هرمز، فهو أحد أكثر القنوات التجارية الحيوية في العالم.
والواقع أن مضيق هرمز الذي يطلق عليه وصف الجزيرة الإيرانية نسبة لتواجد الأراضي الإيرانية بجانبه، يتسم بأنه ضيق وليس بالعميق, فطول المضيق 45 كيلومترا، في حين العبور لا يتعدى عن 38 كيلومترا في أضيق مكان.
إن مياه المضيق والخليج عموما سطحية، مما يجبر السفن على العبور عبر قنوات ضيقة جدا ومحددة بدقة, حيث يكون العمق كافيا لعبور الناقلات؛ ويتراوح عرضها بين ميلين و 3 أميال بحرية (من 3,7 إلى 5,5 كيلومترات(.
تعمل هذه القنوات البحرية في طرفي المضيق: واحد للدخول إلى الخليج الفارسي، والآخر للخروج منه, وتفصل مسافة ميلين بحرياً بين كل طرف.
وبضيق هذه الممرات البحرية، لم يكن التنقل سهلا: فقد اضطرت السفن إلى العبور بين عدة جزر عمانية من قوين ورأس دوبة، ثم تلك الموجودة في طنب الكبرى وطنب الصغرى اللتان تتبعان إمارة رأس الخيمة، وأبو موسى التابعة لإمارة الشارقة المحتلة من قبل إيران رغم احتجاجات الإمارات العربية المتحدة التي تطالب بعودتها للسيادة الإماراتية، وبالإضافة إلى هذا الممر الصعب والوعر، هناك عدد من قوارب الصيد والنقل الصغيرة التي يصعب رؤيتها من خلال الضباب الحراري الكثيف تقريباً على سطح مياه الخليج.
وعلى الرغم من التضاريس الجغرافية البحرية الوعرة، فإن مضيق هرمز يعتبر حاليا أسرع وأرخص طريق لصهاريج النفط المحملة بالهيدروكربونات التي تنتجها مختلف بلدان الخليج, وبالتالي فإن هذا المضيق لا غنى عنه لصهاريج النفط، الأمر الذي يجعل من هذا المعبر ذو أهمية الاستراتيجية في وقتنا الحاضر، وأيضا كان له أهمية بالغة خلال عدد من الحقب التاريخية.
في الحقيقة، قبل النصف الثاني من القرن العشرين، كان مضيق هرمز غير معروف نسبيا, وبعد اكتشاف أكبر حقل نفط في العالم في عام 1951، “حَقلُ الغَوَّار” هو حقل نفط يقع بمحافظة الأحساء، بالمنطقة الشرقية، في السعوديه حيث يبلغ اتساعه 280 في 30 كلم، وهو أكبر حقل نفط معروف في العالم، الذي يزود إنتاج نصف كمية البترول التراكمية في السعودية, وهذا ما جعل المضيق ذو أهمية استراتيجية، حيث أنه نقطة العبور الأكثر جدوى وتزيد تكلفة عبور ناقلات النفط بسبب الصهاريج.
كانت حرب كيبور ((حرب أكتوبر “حرب العاشر من رمضان” كما تعرف في مصر أو حرب تشرين التحريرية كما تعرف في سوريا أو حرب يوم الغفران (بالعبرية: מלחמת יום כיפור، ميلخمت يوم كيبور ) كما تعرف في إسرائيل))، حيث تواجه فيها تحالف عربي ضد إسرائيل في العام 1973، وتسببت هذه الحرب بأول أزمة نفطية تتلخص بادراك المجتمع الدولي باعتماده على نفط الخليج وعلى الأهمية الاستراتيجية لمضيق هرمز.
كان لمضيق هرمز الاستراتيجي أهمية بالغة خلال الحرب بين العراق وجمهورية إيران الإسلامية، في الفترة من 1980 إلى 1988, حيث سعى نظام صدّام حسين إلى خنق الاقتصاد الإيراني، والذي يعتمد إلى حد كبير على صادراته من المواد الهيدروكربونية، وقد تطرق المؤرخ الإسرائيلي إفراييم كارش (2002) ما حدث خلال تلك الفترة وخاصة في 1984 بأنها كانت “حرب ناقلات النفط”.
قام سلاح الجو العراقي باستهداف ناقلات النفط الإيرانية في مياه الخليج وردت إيران بنفس الطريقة, وفي نهاية المطاف، ستتعرض نحو 500 سفينة للضرر أو الغرق في المياه في الاربع سنوات خلال الاشتباكات في مياه الخليج.
ولتجنب تلك الكارثة، تسعى القوى الضالعة في الأزمة أن تتجنب بأي ثمن ألا يتكرر مثل تلك الكارثة، خاصة وأن الإيرانيين هددوا مراراً وتكراراً في وقت سابق بإغلاق المضيق، وفي شهر مايو الماضي رد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه إذا تم إغلاق المضيق من قبل إيران فإن المضيق “لن يظل مغلقاً لفترة طويلة”، وهو ما يعني ضمناً التحرك من قِبَل قوات الولايات المتحدة.
وهكذا فإن المضيق يركز انتباه المجتمع الدولي ومخاوفه بسبب طابعه الجغرافي الفريد الذي يضفي طابعا استراتيجيا للغاية؛ وهذا الطابع الاستراتيجي يتضاعف وهو الاهمية الاقتصادية الحيوية لهذه البوابة إلى الاقتصاد العالمي.
ثانياً: عائق حيوي بالغ الأهمية للاقتصاد العالمي:
أصبح مضيق هرمز الذي يقع في مركز الخصومات الجغرافية السياسية الإقليمية والعالمية أكثر إثارة للقلق مع اعتماد اقتصاديات القوى الكبرى والبلدان النامية على استقرارها.
ففي العام 2012، قال سايروس فانس، وزير الخارجية الأميركي السابق، أن المضيق كان “بمثابة الوريد الحيوي للغرب”.
حقيقةً، ما يقرب من خُمس إنتاج النفط على مستوى العالم، أي 21 مليون برميل يومياً، يمر عبر مضيق هرمز، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة، التي تمثل ما يقارب من 21% من استهلاك العالم للمبيعات النفطية، وهو أكثر مصادر النفط والبضائع النفطية ازدحاماً على مستوى العالم في الخليج الفارسي.
وهكذا فإن مياه الخليج الفارسي هي أكثر مياه العالم من حيث الحمولة الهيدروكربونية، ولاسيما النفط.
وبالمقارنة، فإن مضيق ملقا، ممر مائي يقع في جنوب شرق آسيا بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الأندونيسية، يصل بين بحر أمدان في المحيط الهندي من جهة الشمال الغربي، وبين بحر الصين من جهة الجنوب الشرقي، حيث يمر من خلاله 16 مليون برميل في اليوم, في حين يمر 4,6 في قناة السويس, و 3,8 في مضيق باب المندب.
تم نقل ثلث إجمالي الهيدروكربونات التي تم نقلها عبر البحر حول العالم عبر مضيق هرمز في العام 2018.
والواقع أن مضيق هرمز يشكل ضرورة بالنسبة للقوى الخليجية، التي تمثل صادراتها من النفط حصة كبيرة من الدخل: 90% من عائدات النفط في الكويت على سبيل المثال؛ 19% من العائدات في البحرين, وفي حالة العراق، تغطي عائدات النفط ما يقرب من 95% من الإنفاق الحكومي .
وهناك توجد خمسة من أكبر عشرة منتجين للنفط في أرجاء العالم في منطقة الخليج, على سبيل المثال، في مايو 2019، صدَّرت المملكة العربية السعودية في المتوسط 9,8 مليون برميل يومياً عبر المضيق، في حين صدَّرت العراق أكثر من 3,4 مليون برميل، كما صدَّرت الإمارات العربية المتحدة ما يقرب من 2,7 مليون برميل، كما صدَّرت الكويت نحو مليوني برميل يومياً, وقطر، أكبر دولة منتجة للغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم، تصدر معظم الغاز تقريباً عبر مضيق هرمز.
وبعيداً عن مصدري النفط، فقد أصبح المضيق نقطة عبور استراتيجي خلال السنوات الأخيرة بالنسبة للقوى الآسيوية الكبرى بشكل خاص.
والواقع أن أغلب النفط الذي عبر مضيق هرمز في العام 2018 كان موجها إلى الصين (91% من وارداتها من النفط تمر عبر المضيق)، واليابان (62% من وارداتها من النفط)، وكوريا الجنوبية والهند.
ووفقاً لجمعية الصناعات الإلكترونية (EIA)، فإن ما يقرب من 76% من أحجام النفط الخام التي تمر عبر مضيق هرمز في العام 2018 كانت موجهة إلى الأسواق الآسيوية.
وعلى الرغم من الأهمية المتنامية للقوى الآسيوية في تصدير المواد الهيدروكربونية من الخليج، فإن الدول الغربية تظل أيضاً معتمدة إلى حد كبير على استقرار مضيق هرمز.
على سبيل المثال، استوردت الولايات المتحدة ما يقرب من 1,4 مليون برميل يوميا في العام 2018، وهو ما يمثل 1/15 من إجمالي العبور عبر المضيق, ولكن الأميركيون يحاولون تكثيف صادراتهم من خلال زيادة إنتاجهم المحلي: ففي العام الماضي ارتفع إنتاج النفط بنسبة 17% نتيجة لذلك.
تأثر فرنسا بشكل مباشر أيضاً جراء الاضطرابات المحتملة في مضيق هرمز: فمنذ العام 2013، أصبحت المملكة العربية السعودية أكبر مورد للنفط لديها، وهو ما يمثل 18. 6% من الواردات الفرنسية في العام 2018, في حين يمثل العراق 4.9% من الواردات الفرنسية, وبالتالي فإن واردات النفط من الخليج الفارسي تشكل ما يقرب من ربع الاحتياجات الفرنسية.
الخلاصة:
وعلى ضوء ما سبق، فإن مضيق هرمز لما له اهمية بالنسبة للاقتصاد العالمي: فالاقتصاد العالمي، الذي يعتمد كليا على الطاقة النفطية، يجب عليه تامين استقرار مضيق هرمز ذا الملاحة الصعبة.
فاندلاع المنازعات في مياه الخليج بشكل عام وفي مضيق هرمز بصفة خاصة المحتمل حدوثها سيضعف الاقتصاد العالمي, وبوسعنا أن نفسر الأصوات المنادية بالهدوء والاستقرار والعزوف شبه العالمي عن مواجهة الولايات المتحدة وإيران بالضرر الاقتصادي الكبير الذي قد ينتج عن عدم الاستقرار الأمني القوي في المضيق.
ومع إدراكها لهذا الاعتماد على المضيق والتوترات المحتملة مع إيران، بدأت القوى النفطية في الخليج منذ الحرب بين إيران والعراق في التفكير في احتمالات تجاوز مضيق هرمز, ورغم أن بعض المشاريع الناجمة عن هذا التفكير بدأت تظهر في السنوات الأخيرة، وخاصة مع بناء خطوط أنابيب تربط الخليج الفارسي مباشرة بخليج عمان أو البحر الأحمر، فإن زيادة التوترات مع إيران سوف تعمل بكل تأكيد على التعجيل بتطوير هذه المشاريع.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.
الجزء الاول :
الجزء الثاني :
الجزء الثالث :