تقرير :

لازالت الخلافات بين الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة قائمة وعميقة، وذلك بالرغم من سلسلة اللقاءات والمشاورات فيما بينها في إطار محاولة تقريب وجهات النظر، ورغبة الجانب المصري في “التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحقق التنسيق بين سد النهضة والسد العالي.

 

ومساء الثلاثاء اختتمت أعمال الاجتماع الثاني الذي عقد بالقاهرة خلال اليومين الماضيين في إطار سلسلة الاجتماعات الأربعة على مستوى وزراء الموارد المائية والوفود الفنية من الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان بمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين، بشأن سد النهضة.

 

وذكرت وزارة الموارد المائية والري المصرية عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن ذلك الاجتماع جاء “في ضوء مخرجات اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 6 (تشرين ثان) نوفمبر 2019”.

 

وأضافت: “تم استكمال مناقشات مخرجات الاجتماع الأول الذي عقد في إثيوبيا يومي 15 و16 نوفمبر الماضي في إطار محاولة تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاثة للوصول إلى توافق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة وذلك في إطار رغبة الجانب المصري في “التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحقق التنسيق بين سد النهضة والسد العالي، وذلك في إطار أهمية التوافق على آلية للتشغيل التنسيقي بين السدود وهى آلية دولية متعارف عليها في إدارة أحواض الأنهار المشتركة”.

 

والاجتماع الثاني من أصل أربعة اجتماعات على مستوى وزاري، يهدف إلى الوصول إلى اتفاق لحلّ أزمة سد النهضة بحلول 15 يناير 2020، حسب مخرجات اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث بواشنطن، الذي عُقد الشهر الماضي، ومن المقرَّر أن يناقش المقترحات الفنية التي بدأت في أديس أبابا قبل أسبوعين ضمن خارطة الطريق التي اتُّفق عليها هناك.

 

ومن المقرر أن يعقد اجتماع وزاري في واشنطن في 9 ديسمبر الجاري لتقييم نتائج الاجتماعين الأول والثاني وما تم إحرازه في المفاوضات بين الدول الثلاثة، بحسب الوزارة.

 

كما اختتمت الاجتماعات، مساء الثلاثاء بالاتفاق على استمرار المشاورات والمناقشات الفنية حول المسائل الخلافية كافة خلال الاجتماع الثالث المقرر عقده في الخرطوم يومي 21 و22 ديسمبر.

 

وتضمَّن المقترح المصري الإدارة والتشغيل المشترك للسدود المقامة على نهر النيل حسب المتبع عالميّاً والذي تخضع له الأنهار الدولية كافة، وهو الأمر المعمول به حاليّاً بين مصر والسودان لإدارة السدود في البلدين، حسب تصريحات الوزير.

 

وتمثل مياه النيل مسألة حياة لأكثر من مئة مليون من الشعب المصري، وللوصول إلى اتفاق بين الدول الثلاث قاعدة ثابتة حتى يناير المقبل.

 

وتطالب مصر أن تمتد فترة ملء السد إلى عشرة سنوات مع الأخذ في الاعتبار سنوات الجفاف، بينما تتمسك إثيوبيا بأربع إلى سبع سنوات وذلك بدلاً من سنتين إلى ثلاث، حسب مصادر حكومية إثيوبية.

 

وتقدمت مصر في الأول من أغسطس الماضي بمقترح قالت إنه لتجنب الجفاف يجب ألا تبدأ إثيوبيا بملء السد دون موافقة مصر، وهو ما رفضته إثيوبيا.

 

وأوضحت إثيوبيا إن هذا المقترح يعكس قوانين الحقبة الاستعمارية التي لا تأخذ في الحسبان حقوق دول المنشأ بالنسبة للأنهارالعابرة للحدود.

 

وقالت وزارة الخارجية الاثيوبية في مذكرة دبلوماسية نشرتها رويترز “تلبية هذا الطلب تعد بمثابة موافقة اثيوبيا على جعل ملء سد النهضة الاثيوبي خاضعا لموافقة مصر في أي مرحلة”.

 

وتسعي مصر في الآونة الأخيرة للضغط علي إثيوبيا للقبول بتفعيل المادة العاشرة من اتفاق المبادئ بدخول طرف دولي رابع له خبره في مجال الأنهار العابرة للحدود لفك التعثر في المفاوضات.

 

وقال رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي خلال افتتاحة لأسبوع المياه بالقاهرة في    23 أكتوبر 2019 إن الوصول إلى اتفاق عادل بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الأثيوبي يواجه “تحديات جمة”.

 

وأضاف مدبولي “إن الدول الثلاث جلست حول مائدة المفاوضات، منذ إعلان المبادئ الموقع من جانب القادة في 23 مارس 2015 بالخرطوم، ولم نستطع التوصل إلى اتفاق، الأمر الذي دفع مصر إلى المطالبة بتفعيل المادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ، والمطالبة بتدخل طرف رابع في المشاورات”.

 

وفي هذا الإطار، قالت وكالة “رويترز” إنها اطلعت في23 اكتوبر الماضي  على مذكرة وزعتها وزارة الخارجية المصرية على الدبلوماسيين ، تكشف عن “خلافات أساسية بشأن سد النهضة، حول التدفق السنوي للمياه التي ينبغي أن تحصل عليها مصر وكيفية إدارة عمليات التدفق أثناء فترات الجفاف”.

 

وذكرت الوكالة أن مصر قالت في المذكرة إن إثيوبيا “رفضت دون نقاش” خطتها المتعلقة بجوانب رئيسية في تشغيل سد “النهضة” العملاق الذي تبنيه أديس أبابا على نهر النيل، كما رفضت القاهرة في الوقت نفسه مقترح إثيوبيا واعتبرته “مجحفا وغير منصف”.

 

وحسب الوكالة كانت مذكرة وزعت على الدبلوماسيين الأسبوع الماضي تظهر التعليقات فيها “فجوة” بين البلدين حول سد “النهضة”.

 

وفي المذكرة تظهر “خلافات أساسية حول التدفق السنوي للمياه التي ينبغي أن تحصل عليها مصر وكيفية إدارة عمليات التدفق أثناء فترات الجفاف”.

 

وقالت مذكرة الحكومة المصرية “للأسف، رفضت إثيوبيا دون نقاش اقتراح مصر وامتنعت عن حضور الاجتماع السداسي”.

 

وأضافت المذكرة “أن إثيوبيا اقترحت بدلا من ذلك اجتماعا لوزراء المياه لمناقشة وثيقة تضمنت مقترحا لها من عام 2018”.

 

وكشفت المذكرة أن المقترحين على أن المرحلة الأولى من المراحل الخمس لملء السد ستستغرق عامين، وفي نهاية المطاف سيتم ملء خزان السد في إثيوبيا إلى 595 مترا وستصبح جميع توربينات الطاقة الكهرومائية في السد جاهزة للعمل.

 

لكن الاقتراح المصري يقول إنه إذا تزامنت هذه المرحلة الأولى مع فترة جفاف شديد في النيل الأزرق في إثيوبيا، على غرار ما حدث في 1979 و1980، فيجب تمديد فترة العامين للحفاظ على منسوب المياه في السد العالي بأسوان من التراجع إلى أقل من 165 مترا.

 

وحملت المذكرة مفاجآت بشأن التوقعات المصرية لمشكلات قد تحدث للبلاد نتجية قيام إثيوبيا بملء السد، فهي ستكون “عرضة لفقد أكثر من مليون وظيفة و1.8 مليار دولار من الناتج الاقتصادي سنويا، كما ستفقد كهرباء بقيمة 300 مليون دولار”.

 

وبعد المرحلة الأولى من التعبئة، يتطلب اقتراح مصر تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنويا، بينما تقترح إثيوبيا 35 مليار متر مكعب، وفقا للمذكرة المصرية.

 

وتنسب المذكرة التى اطلعت عليها “الوكالة” إلى إثيوبيا قولها الشهر الماضي إن الاقتراح المصري “يضع عملية ملء السد في وضع مستحيل”، وهو أمر تنفيه مصر.

 

وتقول المذكرة “المقترح الإثيوبي… ينحاز بقوة لإثيوبيا ومجحف بشدة بمصالح دول المصب”.

 

وأُعلن عن سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي تبلغ تكلفته أربعة مليارات دولار في عام 2011، وتم تصميمه ليكون حجر الزاوية في مساعي إثيوبيا لتصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا من خلال توليد أكثر من 6000 ميجاوات.

 

وفي يناير الماضي، قال وزير المياه والطاقة في إثيوبيا إنه بعد تأخر البناء، سيبدأ السد بالإنتاج بحلول نهاية عام 2020 وسيبدأ تشغيله بالكامل بحلول عام 2022.

 

ويحمل السد منافع اقتصادية لإثيوبيا والسودان، لكن مصر تخشى أن يقيد الإمدادات المحدودة بالفعل من نهر النيل، والتي تستخدم مياهه في الشرب والزراعة والصناعة.

 

وحذر تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية هذا العام من أن مصر وإثيوبيا والسودان يمكن “أن تقع في أزمة إذا لم تبرم صفقة قبل بدء عملية تشغيل السد”.

 

وتقول مصر إنها طرحت اقتراحها لملء وتشغيل السد على إثيوبيا والسودان في 31 يوليو والأول من أغسطس، ودعت البلدين لحضور اجتماع لوزراء الخارجية والمياه.

 

وتعثرت جولة من المفاوضات الثلاثية لبحث ملف سدّ النهضة، ووصلت إلى طريق مسدود نتيجة ما وصفته القاهرة بـ”تشدُّد الجانب الإثيوبي” عقب انتهاء اجتماع ثلاثي استمر يومين لوزراء الموارد المائية والري في مصر والسودان وإثيوبيا بالعاصمة الخرطوم، في أوائل أوكتوبر من العام الجاري.

 

وفي وقتها طالبت القاهرة بوسيط دولي، واستنكرت موقف إثيوبيا التي “قدمت خلال جولة المفاوضات التي جرت في الخرطوم وكذلك خلال الاجتماع الوزاري الذي تلاها، مقترحاً جديداً يعد ردّةً عن كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية الملء والتشغيل، حسب تصريح المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصري محمد السباعي.

 

ورفضت إثيوبيا مقترَحاً قدّمَته مصر بشأن عملية ملء خزان السد، وقال وزير الري الإثيوبي في تصريحات سابقة، إن بلاده “رفضت الاقتراح لأنه ينتهك الاتفاقية الموقَّعة بين الدول الثلاث حول الاستخدام العادل والمعقول لمياه نهر النيل”.

 

وبعد مرور أيام ازداد ملفّ سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان تعقُّداً، بخاصة بعد تحذيرات رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد خلال جلسة للبرلمان، باستعداد بلاده لحشد ملايين الأشخاص وخوض حرب، وشدّد رئيس الوزراء الإثيوبي على مواصلة بلاده بناء سدّ النهضة، بغضّ النظر عن المخاوف التي لا أساس لها، والتهديدات المصرية، على حد تعبيره.

 

وكانت قمة “روسيا-إفريقيا” برئاسة مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي، تشكّل أملاً كبيراً لحل النزاع الذي أصبح يمثّل حجر عثرة في طريق تعاون الدول الإفريقية، وعدم استقرار المنطقة، إلا أنها لم خرجت دون أي نتيجة.