أحمد يحيى الديلمي

كان حمزة أبن الأعوام الثمانية أول من عرف عن نية المدرسة، تنظيم رحلة صباح اليوم التالي أفرد الخيال الجامح أجنحته حلق به في سماء الأمل المفعم بالفرح، استغل خروج والده أخذ التلفون؛ هاتف زملائه أخبرهم بالمفاجئة، تلاقت أروح الأطفال شاخصة الأبصار صوب الساعات تستعجل الزمن.

الوقت يمر ببطىء بصعوبة بالغة أشرقت شمس صباح اليوم التالي فقلص سطوع الشمس واختفت خلف غيمة عابرة الطائرات تصدر أصوات مريبة وهي تمخر أبواب السماء قال حمزة: لم نعد نخف مثل هذه الأصوات تعودنا أزيز أصوات طائرات التحالف المشبوه لا تفارق سماء هذه القرى، كل القرى لم تعد تهتم كثيرا بالقذرات مع أنها تحيط بنا من كل جانب، قوة الإيمان بالله تجعلنا نتمسك بالأمل.

نظر إليه الأستاذ منصور بإعجاب وسأله ما شاء الله من أين استقيت هذا الكلام؟

رد حمزة بنفس الثقة: من أخي الشهيد عبد الرحمن قدس الله روحه في عليين كان يقول (الحياة تستحق إن تعاش وإن جعلها الأعداء تعيسة فإن الشهادة للبسطاء المحرومين أمثالنا طوق النجاة فهي مفتاح النعيم الأبدي والسعادة في جنه الخلد إن شاء الله)

ساد الصمت للحظات نظرات الأطفال تتلفت يمينا ويسارا تشاهد الجبال الشامخة والحقول المهدومة والأشجار الممزقة والقرى المدمرة، قطع عبد الله الجالس إلى جوار حمزة تفكيره سأله بلهفة أين استشهد أخاك؟؟

رد حمزة على الفور: في جبل الدود أثناء الحرب السادسة أطلق آهات حزينة وأضاف بمرارة: أخي حسين شأت الأقدار إن يسقط شهيدا قبل عام لكنه بلا ضريح صب عليهم الاعداء جام عضبهم تم استهدفه مع اثنين من زملائه بصواريخ مدمرة حولت الأجسام إلى أشلاء تطايرت ما فاقم الفاجعة إن الاعداء حالوا دون وصول المجاهدين إلى تلك الأشلاء وظلت ملقاة في العراء وبات من الصعب العثور على قطعة منها تجهم وجه حمزة واغرورقت عيناه بالدموع وهو يقول أخي حسين دفن بلا ضريح هو وزملائه تقددت أجسامهم في الصحراء أشفق عليه عبد الله اخذ يربت على كتفه.

وقال: آه آه من حقك إن تفخر بإخوانك قدموا أرواحهم رخيصة من أجل الوطن فنالوا الشهادة كيف بي أنا أخي عمر قاتل مع المرتزقة ومات في صفوفهم بصعوبة بالغة دلنا أحدهم على قبره دفنوه سرا في جنح الظلام.

قالت والدتي عندما وقفت على قبره: آه يا أبني  كنت سألثم تراب قبرك واقفة عليه شامخة فخورة بك لو أنك سقطت وأنت تدافع عن الوطن لكني أبكي على المصير المظلم الذي قدت نفسك إليه بفعلك هذا الشنيع مرغت شرف الأسرة وسمعتها في الوحل.

ارتفع صوت الأستاذ منصور عبر مكبر الصوت قطع الهمس قائلا: استعدوا بتنا على مقربة من مدينة ضحيان هذه المدينة الزاخرة بالعلم والعلماء وتضم أضرحة الكثير من ألائمة الأعلام سنقوم بزيارتهم إن شاء الله.

تسأل الحمزة مع نفسه: قد يستغرقنا الوقت لماذا لا نبدأ بصعدة ونسعد بزيارة ضريح أخي الشهيد ونفوز بزيارة مقام الإمام الهادي إلى الحق يحيى أبن الحسين عليهم السلام قبل أن ينقل الرغبة إلى مشرف الرحلة حدثت الفاجعة!!

تعالى صوت ضجيج صاخب أفزع الأطفال الصغار قال حمزة: لا تخافوا هذا صوت أف 16 أمريكية فتح قائدها الخبيث حاجز الصوت.

يقاطع آخر: هذه صوت طائرة تورنيدو بريطانية أضاف ثالث: لا إنها الميراج الفرنسية الجدل لم يلفت انتباه الأطفال الصغار أصفرت الوجوه وارتجفت الأجسام المنظر أفزع المشرف وقف يطمئن الأطفال قائلا: لا تخافوا هذه زخات رعدية قوية يعقبها المطر إن شاء الله.

هدأت النفوس وقال الأطفال بصوت واحد: إن شاء الله.

في لحظة غادرة سقط صاروخ مدمر على الحافلة حولها إلى حطام مزق الأجسام النحيلة وحولها إلى أشلاء تطايرت في كل الاتجاهات.

منظر أجرمي غاية في البشاعة أشلاء الأطفال الصغار حلقت في السماء تورمت القلوب واحترقت النفوس تدافع أبناء المدينة إلى مكان الحادث قال احدهم:

هكذا أفعال الجبناء أصحاب النفوس القاحلة والبطولات الزائفة شخصت الأبصار صوب امرأ تبدو في العقد الخامس توثبت بأسلوب لافت الواقعة عكست روح التحدي والإرادة الفولاذية لسانها تلهج بالشكر والثناء وعبارات مبهجة دلت على الرضا فجأة جف ريقها وزوجها يقدم لها رأس الحمزة مفصولا عن الجسد انتزعت نهدة عميقة أعقبتها بصوت استوحش له الكون وتساقطت أوراق الشجر قالت: الاعداء واهمين لن يثبطوا هممنا ولن يضعفوا روحنا المعنوية نحن بعنا من الله الحمد لله هذا هوا لشهيد الثالث.

تقدمت آمنه خطوات تبحث عن إى شيء تجده من أشلاء الحمزة … مررت نظرت إعجاب إلى وجوه المسعفين المتحلفين حول الحافلة أطلقت ابتسامة عريضة اضاءت وجهها الشاحب وقالت:

نفوس أبيه لم تنغمس في أوحال الخطيئة ولم تنزلق إلى مهاوي الخيانة تحركت غادرت المكان في انفة وكبرياء وهج الحشود لا يفارق خيالها في يوم التشييع حشود كبيرة تحف بها علامات المهابة والوقار تسير بخطى كلها ثقة..

في روضة الشهداء المعدة للدفن احتار المشيعين رؤؤس بلا أجسام وأجسام بلا رأس كفوف بل أصابع وأقدام تداخلت مع حديد الحافلة الأشلاء مثخنة بالجراح الدماء تقطر منها قال أحد الأباء: كم شهود سنضع على الحفرة التي ستحوي هذه الأسئلة قال أخر: لسنا بحاجة إلى شهود لتطل مجهولة تقبح الزمن وتلعن المعتدين !!؟