أحمد يحيى الديلمي —-

إينما ذهبت في أي دولة من دول العالم عندما تشتري سلعة من السلع تجد القيمة مكتوبة عليها مضافاً إليها الربح المفترض ومصاريف التشغيل والإهلاك و(9ريال) مقدار الضريبة المستحقة للدولة ، هذا المبلغ يكون التاجر قد أحتسبه بأمانة على السلعة المباعة وهي صورة واضحة تنفي تماماً أهم المبررات التي استند إليها القطاع التجاري في بلادنا أثناء المماحكات والسجالات التي رافقت رفض قانون ضريبة المبيعات ووصلت فيها المواجهة إلى أروقة المحاكم ، فالتجار حاولوا إثارة حفيظة المواطنين وجرهم إلى متارس المواجهة بدعوى أن القانون يضاعف الأعباء على المستهلك ويلقي الضريبة على كاهله ، مع أن العملية غير ذلك فالقانون وما يتصل به يمثل منظومة متكاملة تحدد أطراف العملية وتوزع الأعباء عليهم ، وهو قانون سائد في معظم دول العالم ومثل نقله نوعية في النظام الضريبي وآليات الجبايه المتقدمة المجسدة للعدل والمساواة وفي هذا دلاله واضحة على أن القطاع الخاص لجأ إلى هذا الأسلوب في فترة المواجهة لاستغفال العامة وشدهم إلى خندق الرفض حيث استخدم بعض خطباء المساجد الذين أشاعوا المخاوف وأدخلوا الفكرة إلى حلبة المؤامرة الموجهة إلى جموع المستهلكين ، مما أجبر الدولة على التراجع وإيقاف العمل بهذا القانون وعندما نعود بالذاكرة إلى نفس الفترة ونستقرئ دوافع ومبررات الرفض سنضطر إلى الاستدلال بما ورد على لسان بعض التجار لمعرفة طبيعة التحولات التي طرأت على الواقع ونتساءل الآن وفي ظل هذه الأوضاع الغير السوية ، هل توفرت الظروف الملائمة للتعاطي الإيجابي مع نفس القانوني ؟

عندما صدر قانون ضريبة المبيعات بداية القرن الحالي تصدى له رجال الأعمال بالرفض وعدم القبول وهددوا بالويل والثبور وعظائم الأمور إن تمادت الدولة وصممت على تطبيقه في أرض الواقع ، وقد اختلفت دوافع ومبررات الرفض حينها سألت رئيس غرفة أمانة العاصمة آنذاك رجل الأعمال المعروف المرحوم الشيخ / محفوظ سالم شماخ ، أجاب وهو يضحك ( هذا القانون سيكشف عورات التجار ويحدد حجم حركة التجارية في السوق اليمنية ونسبة الضريبة المستحقة للدولة والتجار في بلادنا مساكين لا يستندون في أعمالهم إلى حسابات دقيقة ، بل أنهم في كثير من الأحيان مجبرين على دفع اتاوات غير منظورة لا علاقة لها بإيرادات خزينة الدولة لضمان السلامة وعدم التعرض للمضايقات .. قطع الكلام قائلاً .. أرجوك ما قلته ليس للنشر ولكنها معلومة خاصة لك ) تجار آخرين استندوا في الرفض إلى فتاوى علماء دين قالوا بأن الضريبة عبارة عن أتاوه تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وهذه النقطة بالذات لها أبعاد كثيرة وسنتطرق إليها مستقبلاً إنشاء الله فيما يتعلق بالضريبة ونظرة الإسلام إليها.

أما الطرف الآخر فأعتبر أن الدولة لا تستحق الزكاة ولا الضرائب ولا حتى الرسوم الجمركية لأنها ليست الدولة المأمولة المجسدة للشرعية الإسلامية وقد تستخدم هذه الإيرادات في أشياء غير مشروعة ، هذه النظرة دفعت علماء آخرين إلى إقرار التهريب واعتباره فعل مشروع لا يخالف الدين كونه تمرد على حكومة غير شرعية ، كل هذه الفتاوى وما رافقها من إرهاصات كان الهدف منها حث التُجار على العصيان والتمرد غير المنظور من جانب ، ومن جانب أخر ضمان تدفق المساعدات للجمعيات والأفراد التي تعمل في هذا الاتجاه تحت يافطات ومسميات مختلفة ، فكانت النتيجة أن الدولة تراجعت عن تطبيق القانون وأمرت باستمرار العمل بالقوانين السائدة وإعادة القانون الجديد إلى إدراج الإهمال ، الصورة ذاتها ماثلة اليوم إذ لا يزال كل شيء خاضع للتقديرات الشخصية والاجتهادات الخاطئة وما يرافق العملية من مساومات وإجراءات تعسفية تمس الأعراض والكرامات وتشوه سمعة المكلف عندما يقتحم محله مجموعة مسلحين يقتادونه إلى مكتب الضرائب ، وهناك تمارس عليه حالات ابتزاز مريعة وقد يتم إيداعه في سجن يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة ، أي أن العملية عشوائية لا تكون مسبوقة بأخطار أولي وفقاً لنصوص القانون ، في أخر مشهد عشت تفاصيله حدث في مكتب من المكاتب استغربت كثيراً وأنا أشاهد مظاهر العسكره وحالة الضبط والربط وهي تسير بأسلوب مقزز متخلف يتعارض مع كرامة الإنسان وحقوق المواطنة ، سألت أحد المكلفين وهو في قبضة الجنود .. لماذا لا تتقدم بإقرارات حقيقة وتجنب نفسك هذه الانتهاكات ؟ غرابة الإجابة جعلتني أحتفظ بها لنفسي وأستدل من خلالها على أن المكلفين شركاء فعليين في بقاء المشهد كما هو عليه ، رغم أن المكلف يخضع لابتزاز الفاحص ونزواته ، وأحياناً يضطر إلى أن يدفع له أضعاف أضعاف الضريبة المستحقة للدولة ويكتشف في الأخير أن هذا الفاحص مارس عليه الابتزاز دون أن يفيده بشيء ، هذه الخلفية تؤكد أن المسئولية مشتركة وأن هناك عوامل تجعل المكلف يلجأ إلى التحايل والرشوة بحجة أن تجار آخرين لهم نفوذ وأصحاب سطوة لا يخضعون لنفس الإجراءات ويقدرون استحقاقات الدولة وفق أمزجتهم فيدفعون الفتات ، وهناك من يعتقد أن الضرائب التي يدفعها لا تذهب إلى خزينة الدولة وإنما إلى جيوب خاصة ، أياً كانت حقيقة هذه الهواجس لماذا لا تفكر قيادة مصلحة الضرائب الآن برئاسة الدكتور / هاشم الشامي الرجل المعروف بأنه تربى في حقل الضرائب ، فلماذا لا يسعى إلى إحياء فكرة العمل بقانون ضريبة المبيعات ؟! كونه المدخل الوحيد لإشاعة العدل والمساواة بين العاملين في هذا القطاع وضمان استحقاق الدولة وإيصالها إلى مكانها الطبيعي لأن التقديرات ستكون صحيحة بنسبة 70% على الأقل ، كونها قائمة على إثباتات حقيقة مصدرها مستندات البيع اليومي وهي كفيلة بوضع المكلفين أمام معيار واحد بعيداً عن التجاوزات أو حالات الإحساس بالغبن ، لا شك أن أمام قيادة المصلحة أعباء ومسئوليات كبيرة في الظروف الراهنة بفعل العدوان الهمجي والحصار الاقتصادي الجائر واحتياجات الدولة الماسة لكل إيراد يُمكنها من القيام بالأعباء والمسئوليات الكبيرة الملقاة على عاتقها ، وهذا يجعل قيادة المصلحة ومكاتبها أمام مسئولية أكبر تُحتم عليهم تعميق الوعي لدى الموظف والمكلف للارتقاء بذهنيات الجميع إلى مستوى فهم طبيعة الضريبة وأنها التزام على كل مواطن حيث ما كان موقعه تتطلب نزاهة الموظف والتزام المكلف لتمثل تجسيد عملي لثقافة المواطنة وروح الانتماء الصادق للوطن وهو دوراً هاماً لا يقل شأناً عن موقف المقاتلين الأبطال في خنادق الدفاع عن الوطن ، فهل لا فكرت رئاسة المصلحة ملياً في إيجاد البدائل العملية والوصول إلى الغاية المثلى لتخطي مظاهر الفساد والإفساد وضمان رفد خزينة الدولة بإيرادات فعلية تستند إلى معيار المواطنة المتساوي وتتجاوز تراكمات الماضي السلبية .

ما أسلفت عبارة عن اجتهاد شخصي استناداً إلى بعض المعطيات ولقيادة المصلحة أن تُخضعها للدراسة والتقييم ، وبالتالي تعمل على إيجاد بدائل أخرى للإصلاح الحقيقي وتنقل الفكرة من مجرد كلام إلى أولويات الفعل والتطبيق والترجمة العملية ، حتماً الأمر بحاجة إلى جدية في التعاطي والارتقاء بالمهمة إلى مصاف الواجب الوطني كأساس لترجمة ثقافة المواطنة وتحويلها إلى سلوك والتزامات ذاتية ، لا شك أن الموضوع يُمثل تحدياً كبيراً والمطلوب الإقدام عليه بشجاعة كما يقول المثل المعروف (نصف الطريق معقم الباب ) والمهم البداية ، وأن تتوفر النوايا الصادقة لإصلاح الاختلالات وتجاوز العثرات وهذا هو المعقم الذي يجب أن يتخطاه الجميع بشجاعة معبرين عن روح الانتماء الصادق للوطن وثقافة المواطنة التي حددها ديننا الإسلامي الحنيف ..

ولنا كما أسلفت عودة إلى الحديث عن الموضوع نفسه فيما يتعلق بعلاقة الإسلام بالضرائب وهل هي مشروعة أم لا ؟! .. إنشاء الله سيكون هذا في موضوعنا القادم .. والله من وراء القصد ..