كشفت ألمانيا مؤخراً عن قرارٍ يقض تمديد مدة الحظر المفروض على صفقات بيع السلاح إلى المملكة العربية السعودية في سبتمبر الماضي، ومع ذلك فقد سمحت الحكومة في الوقت ذاته للشركات المصنعة بالتحايل على الحظر والالتفاف من خلال استخدام الشركات التابعة المتواجدة خارج البلد, وبالرغم من أن هذه الاستراتيجية سوف تمكن ألمانيا من إعادة تحديد موقعها في هذا القطاع كلاعب رئيس، إلا أن الأمر لا يخلو من التبعات والمخاطر التي قد تنعكس سلباً لتتسبب في إفشال تلك الاستراتيجية وحدوث ما لا يحمد عقباه.

 

بقلم: تيموثي لوبيز

(صحيفة “لو سوار” السويسرية الناطقة بالفرنسية – ترجمة: محمد السياري –سبأ)

شهدت مبيعات الأسلحة في المجمل نمواً كبيراً تجاوز كل المقاييس في أوروبا؛ وتبقى تلك الحال حصراً على العديد من الدول في حين ضلت ألمانيا من العام 2013 وحتى العام 2017 على خلاف ذلك؛ وتعود الاسباب الرئيسة في ذلك إلى السلوك النشط الذي أتبعته فرنسا أبان تلك الفترة مستفيدة من الانخفاض الكبير في المبيعات الالمانية والذي ابتدأ ب 7.86 مليار يورو في العام 2015 ووصل حتى 6,85 مليار يورو في العام 2016, ومع ذلك، فقد كانت الاستراتيجية المعتمدة من قبل ألمانيا الخطوة الناجحة التي سمحت لها برفع سقف المنافسة في أوروبا وزيادة حجم مبيعاتها لتتمكن بذلك من كبح جماح منافسيها.

 

 حققت الصادرات الألمانية زيادة ابتداء من يناير وحتى سبتمبر 2019 قدرها 75٪ عن العام السابق بمعدل 6.35 مليار يورو، الأمر الذي يجعلها تقترب من تسجيل رقم قياسي جديد.

 

السيطرة القسرية على الصادرات الأوروبية:

 

حتى تتمكن من استعادة وضعها ومكانتها السابقة على رقعة الشطرنج في إطار إجراء وقائي لمواجهة انخفاض صادراتها وإن كان ذلك ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي في فرنسا، عمدت برلين إلى الاستفادة من قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي – الذي تم اغتياله على يد الاستخبارات العسكرية السرية التابعة لحكومة بلده لتفرض حظر شاملاً على كافة صفقات الأسلحة المبرمة مع الرياض، بما في ذلك الاسلحة الأجنبية التي قد تحتوي على مكونات المانية الصنع.

 

وتبعاً لتلك الخطوة الجريئة والغير مسبوقة، تبرر ألمانيا ذلك القرار بالاستناد إلى الموقف المشترك الذي تبناه الاتحاد الأوروبي في العام 2008 بشأن مبيعات الأسلحة ومعاهدة الاتجار بالسلاح المتفق عليها في العام 2014 والتي تستلزم ضرورة حظر عمليات نقل السلاح إلى المناطق التي من المحتمل أن تستخدم فيها هذه الأسلحة لانتهاك القواعد والقوانين الدولية التي تضمن حقوق الإنسان.

 

وفي هذا السياق تستهدف ألمانيا الوضع القائم في اليمن حيث جرت إدانة كافة الانتهاكات المرتكبة من قبل قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.

 

في السياق ذاته، لم تكن العديد من الشركات الأوروبية البارزة في مجال الصناعات العسكرية والفضاء في منأى من التبعات الكارثية التي ترتبت على القرار الالماني الذي يحظر التراخيص اللازمة لاستكمال صفقات تصدير الأسلحة على غرار “أم بي دي أيه”*1، “آركوس”*2، “نكستر”*3 و”إيرباص”*4.

 

ووفقاً للتصريحات التي قدمتها مجموعة إيرباص العملاقة، فقد بلغت الخسائر السنوية التي منيت بها في أبريل 2019 ما قيمته 190 مليون يورو من أجمالي الأرباح قبل الفوائد والضرائب وإهلاك الدين.

 

فضلاً عن ذلك، كان لفرنسا نصيب الاسد من التبعات بعد ان كانت حققت نمواً غير مسبوق في الارباح بقيمة 9 مليار يورو في العام 2018 محتلة الترتيب الثالث على الدول المصدرة للسلاح في العالم؛ وفي حين اصبحت باريس الهدف الرئيس للمنظمات الغير حكومية التي لا تكل ولا تمل عن مراقبة أداءها الحكومي ومناهضة صفقاتها العسكرية مع الرياض.

 

تلعب برلين دور الطالب المثالي الملتزم بالأخلاق الانسانية وحقوق الإنسان, وفي ظل النمو والانتعاش الملفت في صادرات الاسلحة الألمانية تعاني الدول المنافسة من التباطؤ السريع في عجلتها التجارية ولاسيما على أثر المناورات المشبوهة التي تمارسها الصناعة الألمانية للالتفاف على قرار الحظر الألماني.

 

شركات الأسلحة الألمانية والتحايل على الحصار:

 

لم يكن قرار الحظر الألماني ذاك الأنموذج الأول في مسيرة المحاولات الالمانية لفرض السيطرة على صادرات الأسلحة الأوروبية:

 

في العام 2012، وقعت شركة “مرسيدس” الألمانية لبيع السيارات تحت طائلة قرار يحظر عليها بيع هياكل العربات العسكرية من أنتاج شركة”نكستر” المتجهة إلى الرياض.

وفي العام 2014، وجدت كلاً من شركة “أم بي دي أيه” وشركة “آركوس” وشركة “إيرباص” نفسها في دائرة الحظر على أثر مكونات ألمانية الصنع كانت في طريقها نحو الخليج العربي وأوزبكستان.

وفي العام 2018، تم حظر شركة “آركوس” مرة أخرى بسبب صادراتها العسكرية إلى السعودية ومصر وإندونيسيا والهند.

 

وبالرغم من كل ما سبق، فإن ألمانيا لا تحظر بالضرورة على مصانع الأسلحة الخاصة بها التراخيص اللازمة لاستكمال اجراءات النقل إلى الدول ذاتها, ومن ذلك أن شركة “آركوس” لا تستطيع التصدير إلى الهند على سبيل المثال في حين تتمتع الشركات الألمانية بالحرية الكاملة في تصدير بعضاً من الأسلحة الثقيلة كالفرقاطات والغواصات إلى الدولة عينها.

 

وفي العام 2017، سمحت ألمانيا بتصدير مجموعة كبيرة من الدبابات إلى المملكة العربية السعودية بموجب عدد من التراخيص الخاصة؛ وقد بلغت قيمة الرخص الممنوحة لتلك الدولة 477 مليون يورو في فترة لا تتجاوز العام ذاته.

 

وعلى نحو مماثل كانت الصفقات تتوالى مع إندونيسيا بينما تعجز “آركوس” عن إتمام ولو مجرد صفقة واحدة, وبالرغم من حقيقة أن ذلك القرار الألماني قد أثر سلباً على عددٍ من الشركات الألمانية، إلا أن الحكومة لم تغض الطرف وسرعان ما قامت بإعداد مجموعة كبيرة من المناقصات الدسمة كتعويض عما لحق بها من خسائر.

 

وفضلاً عن ذلك، قامت الشركات الألمانية المصنعة بتطوير مجموعة من الإجراءات والأدوات كي تتمكن من التحايل والالتفاف على تلك القيود الكامنة, ومن ذلك التلاعب الذي تمارسه شركة “راينميتال” الألمانية(5) – التي كان يديرها في السابق الرئيس التنفيذي في الشركة السعودية للصناعات العسكرية المعروفة اختصاراً باسم “سامي”–، حيث تعمل على توظيف الفروع التابعة لها في جنوب إفريقيا لإتمام عمليات التصدير إلى السعودية.

 

وبعبارة أخرى أكثر سهولة، يمكننا القول بأنه إذا كانت الدوافع التي أفضت إلى اتخاذ المانيا تلك القرارات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوضع القائم على الاراضي اليمنية، فهي في النقيض من ذلك لا تتخذ أي إجراءات مماثلة لوقف صادراتها العسكرية التي تتجه نحو مصر أو الإمارات العربية المتحدة في حين أن هذه الدول من الأطراف المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية.

 

مخاطر صادرات الأسلحة الألمانية:

 

على نحو مخالف لما تدعيه الحكومة الألمانية بإسناد قراراتها تلك إلى الموقف الأوروبي المشترك الذي اتفقت عليه الدول الأوروبية في العام 2008 وكذلك معاهدة الاتجار بالسلاح المبرمة في العام 2014، تأخذ صادراتها العسكرية منحى لا يتفق بأي حال من الاحوال وتلك الصكوك القانونية؛ ولتتضح الصورة لا بد من التطرق إلى بنود تلك الصكوك:

 

يتم حظر كافة عمليات نقل الأسلحة إذا ما توافرت إمكانية استخدامها لارتكاب انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان, وفي اتجاه مخالفٍ لذلك عمدت ألمانيا في العام 2017 إلى السماح بالتصدير إلى المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى عدد من الأعضاء الآخرين في التحالف؛ وجرى ذلك من خلال الشركات التابعة لصناعاتها في الدول الأجنبية، حيث تم تصدير المواد الحربية التي من المحتمل أن تستخدم في هذا الصراع القائم في اليمن. ومن الواضح أن ذلك الموقف الأوروبي المشترك لعام 2008 لا يتوقف عند انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب بل أيضاً يأخذ في الاعتبار عمليات القمع الداخلية وكذلك الاستقرار الإقليمي للبلد.

يتحتم على الدول المصدرة أيضاً التحقق من أن الأسلحة المصدرة إلى دولة ما لا يمكن أن تمر بعد ذلك إلى منطقة ترتكب فيها هذه الانتهاكات, ومع ذلك تستخدم برلين الشركات الفرعية الأجنبية أو حتى الشركات المتواطئة لنقل المواد الحربية بشكل غير مباشر إلى الرياض ودول التحالف.

 

 وكما هو الحال في المملكة المتحدة وفرنسا، تشكل الصادرات الألمانية تحدياً كبيراً أمام السلطة القضائية العليا, ومع ذلك، تبقى معاهدة الاتجار بالسلاح خارج نطاق صلاحيات واختصاص محكمة العدل الدولية التي من غير الممكن ان تتناول قضايا مماثلة سوى بموافقة الدول المعنية بالأمر قضائياً، أو في حالة التعاون المتبادل بينها والتحكيم.

 

ووفقاً لمبادئ التوافق بين البلدان وصلاحياتها، يمكننا الجزم هنا بأنه من غير الوارد أن يتم تفعيل مثل هذه الآليات, ومن هذا المنطلق علينا أن ندرك بأن الاتفاق الأوروبي المشترك لعام 2008، وكذلك قرارات البرلمان الأوروبي التي تدين الصادرات العسكرية التي تتجه نحو السعودية، لا تعدو كونها إجراءات سياسية وخطوات شكلية, وتبقى الفرصة الوحيدة التي من الممكن أن تحفز المجتمع الأوروبي على اتخاذ إجراءات صارمة وعقوبات رادعة مقصورة على الانتهاكات والتجاوزات لقواعد الاستخدام المزدوج للسلع العسكرية والتي تم الاتفاق عليها في العام 2009.

 

وفي حال غياب الآليات الدولية، يصبح من الممكن تفعيل الإجراءات والآليات الداخلية, ففي فرنسا، تم تقديم التماسين إلى المحكمة الإدارية ومن المؤسف أن النتائج لم تكن ذات طابع إيجابي.

 

في إطار القوانين المحلية والإجراءات الداخلية للمملكة المتحدة، على سبيل المثال، تم اعتبار الصادرات العسكرية التي تنقل إلى السعودية غير قانونية, أما في ألمانيا، فإن نظام مراقبة الصادرات لا يأخذ سوى التوصيف البرلماني وبشكل أساسي, ومنذ العام 2018، كانت الجلسات البرلمانية المتناولة لهكذا قضايا في غاية الأهمية بل وعملت على تركيز الشكوك نحو استراتيجية التصدير المتبعة من قبل الحكومة الألمانية؛ ولا ننسى هنا أن حلفائها السياسيين لن يكونوا بعيدين عن ممارس الضغوط السياسية اللازمة للخروج من هكذا موقف، الأمر الذي يؤكد ضرورة وجود بعض الاستثناءات ولاسيما تحت طائلة التهديدات التي تطلقها بعض الأطراف الحليفة للحكومة الألمانية.

 

وبناءاً على ما سبق، لا شك أن تلك الصكوك القانونية سوف تخضع تحت طائلة الضغوط المستمرة للتعديل والتعتيم بما يتناسب مع حركة تجارة السلاح.

 

وفي السياق ذاته، سوف تخضع كذلك لمتطلبات المشاريع المشتركة بين الشركة السعودية للصناعات العسكرية وشركات الدفاع الألمانية لتجنب القيود والضوابط المحلية.

 

وفضلاً عن تلك المخاطر القانونية، يبدو أن مخاطر السمعة تحمل من التأثير ما يتجاوز حدود سابقاتها, وعلى إثر حملة من الاستنكار والتنديد بعمليات التصدير البريطانية نحو المملكة العربية السعودية من قبل المنظمات غير الحكومية في العام 2016، تم إطلاق عدداً من الإجراءات الداخلية بغية حظر تلك الصادرات وتضييق نطاق صلاحيات نظام الرقابة في البلد.

 

واعتباراً من تلك اللحظة تم تخفيض تلك الإجراءات بشدة، قبل أن يتم إيقافها عقب قرار المحكمة المذكور سابقاً, ومع ذلك، لم تواجه الحكومة الألمانية الضغوط الكبيرة من قبل المجتمع المدني خلافاً لما يجري على الساحة الفرنسية.

 

الخلاصة:

 

من الواضح أن الموقف الأخلاقي المتبنى من قبل ألمانيا وكذلك الحصار المفروض من قبلها يشكل جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية القوة والنفوذ في سياق تعزيز الشراكات الأوروبية في مجال صناعة الأسلحة, ومن المؤكد أن تلك القرارات الألمانية لم تكن تهدف إلى فرض الالتزام بتلك الصكوك الدولية والقانونية كون صناعاتها الخاصة لا ترتبط بتلك القيود وتتحايل عليها باستمرار, وبالرغم من المخاطر التي تحف تلك الاستراتيجية، إلا أنها تؤتي ثمارها في الوقت الحاضر من خلال الاستفادة من صعوبات تفعيل الآليات الدولية.

 

ومع ذلك إذا كانت الاطراف المنافسة، على غرار شركة إيرباص، تؤكد على استعدادها وجاهزيتها للرد على القرار الألماني بالتخلي عن الصناعات الألمانية، فإن قادة الدول الأوروبية الأخرى لا يتحلون بتلك المقدرة في انتقاد تلك الإجراءات الألمانية لصالح بناء “منظومة الدفاع الأوروبية”.

 

ورغم التعريج الذي قام به الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في خطابه في تولوز في 16 أكتوبر الماضي على عمليات النقل الألمانية التي تتم عن طريق الأطراف الحليفة وبصورة غير مباشرة، إلا أنه قد تم تحديد الأولوية لتعزيز الشراكة الفرنسية الألمانية في مجال الدفاع بدلاً من المنافسة.

 

*1 – شركة أوروبية تعنى بتصنيع الصواريخ وتطوير الأنظمة الصاروخية وتتكون من مجموعة شركات كبرى في مجال الصواريخ والشؤون الفضائية.

 

*2 – شركة فرنسية تابعة لمجموعة فولفو وتختص بالصناعات الدفاعية كالعربات العسكرية والمصفحات والمدرعات.

 

*3 – شركة صناعات عسكرية مملوكة من قبل الحكومة الفرنسية تابعة لمجموعة فولفو وتختص بالصناعات الدفاعية كالعربات القتالية والمصفحات والمدرعات والدبابات.

 

*4 – شركة صناعة طائرات عملاقة تابعة لشركة “يادس” الأوروبية للصناعات الجوية والعسكرية.

 

*5 – شركة ألمانية للصناعات الدفاعية مقرها في دوسلدورف غربي ألمانيا.