تنامي اليأس لدى المملكة العربية السعودية قد يكون البداية لنهاية الحرب في اليمن
وجدت الرياض نفسها عرضة للخطر على صعيد غير مسبوق, فكل ما يمكن أن تفعله الآن هو التوقف عن قصف الحوثيين وتعجيل المحادثات حول مستقبل التكامل السياسي.
بقلم: أحمد أبو دوح
(صحيفة “الاندبندنت” البريطانية، ترجمة: نجاة نور- سبأ)
يبدو أن حرب اليمن على وشك الانتهاء، حيث صرح مسؤول سعودي هذا الأسبوع أنه ولأول مرة منذ عام 2016 تجري الرياض محادثات مع الحوثيين، إذ تم الكشف عن هذه المحادثات على الرغم من أن الحوثيين هم المسيطرون حالياً على العاصمة صنعاء والأجزاء الأخرى الأكثر اكتظاظاً بالسكان في شمال اليمن، مما يدل على أن السعوديه قد بدأت بالتأقلم مع الوضع الراهن.
لقد تم التخلي عن النهج في أن الحل هو الطرد النهائي للحوثيين من الشمال, حيث تسلك الرياض الان نهج جديد تتقبل فيه أن الحوثيين اصبحوا كجزء من الواقع الجديد بعد الحرب في اليمن، ومن جهة أخرى، قد اصبحوا أكثر تطورا.
يبدو أن الرياض في الوقت الراهن اصبحت أكثر انفتاحاً على نوع من التعايش مع الحوثيين في شمال اليمن من خلال اقناع الحوثيين على ضرورة قطع علاقتهم مع إيران بعد توقيع اتفاقية الرياض لتقاسم السلطة بين المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي والحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في عدن.
يبدو أن السعودية والإمارات على استعداد للانتقال إلى المرحلة التالية من حربهما الروتينية في اليمن وبدلاً من القتال الذي لا نهاية له، تحاول السعودية إقناع الحوثيين بقطع العلاقات مع منافستها الإقليمية إيران, وفي نهاية المطاف جل ما يريده الحوثيون هو شرعية موقفهم الاستراتيجي الجديد في اليمن.
وهذا في رأيهم، يجب ذكره في اتفاقية مماثلة لتقاسم السلطة تضمن حصتهم في نظام جديد يشبه الاتحاد يضم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والانفصاليين في الجنوب.
نعتقد هنا أن السعودية محقه في تبني هذا التحول الاستراتيجي في سياستهم بعد ما يقرب من خمس سنوات من الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من 100000 شخص، وتسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وألحقت أضرارا بصور البلد على الساحة العالمية، أي انه اصبح هناك حاجة ماسة إلى احداث تغيير, ولكن هذه ليست هي الدوافع الوحيدة وراء هذا التغيير.
كان الهجوم على منشآت أرامكو السعودية للنفط في سبتمبر الماضي، والذي تسبب في توقف نصف إنتاج المملكة بمثابة نقطة تحول، فقد أطلقت أرامكو هذا الأسبوع عرضاً عاماً أولياً لإدراجها ضمن البورصة المحلية، متخلياً بذلك عن خطة محمد بن سلمان الأصلية لإدراجها في الأسواق الخارجية, وبدى أن التصعيد مع إيران اصبح له تأثير مباشر على الاقتصاد السعودي.
علاوة على ذلك، فإن حرب اليمن تاريخية حيث كشفت عن مواطن الضعف القومية والجيوسياسية للمملكة, إلى جانب الثغرات الكبيرة في استراتيجيتها الدفاعية، حيث وجدت السعودية نفسها معرضة للخطر على مستوى غير مسبوق, فعلى مدى العامين الأخيرين (خاصة بعد أن بدا بشار الأسد يتجه نحو نصر حاسم على خصومه في سوريا) كانت إيران تحكم قبضتها على العراق وسوريا واليمن, وهذا يعني فعلياً أنها تحيط بالمملكة من الشمال والجنوب.
إن تداخل الخطوط الإستراتيجية في المنطقة الممتدة بين البحر الأحمر والخليج الفارسي والبحر الأبيض المتوسط في الشمال وخليج عدن في الجنوب، يرسم هرماً مقلوباً, حيث تقع القاعدة في “الممر الاستراتيجي” لإيران بين طهران وبيروت، ويقع رأسه في العاصمة اليمنية صنعاء.
أصبحت السعودية (ومعظم دول الخليج الأخرى) رهينة في هذه المعركة, ومن الإنصاف القول إن السعوديين وحلفائهم في الإمارات قد تركوا وحدهم تماماً لمواجهة نفوذ إيران المتزايد، حيث يشعر المسؤولون في البلدين بالخطر الشديد بسبب فشل ترامب في تأكيد أي ضمانات أمنية قوية من الولايات المتحدة, كما يبدو أن المجتمع العربي جميعاً بعيد عن المشهد، وليس لدى دول كمصر على سبيل المثال أي رغبه لطرح ثقلهم ومسانده بعض الأخوة العرب ضد “الهيمنة الفارسية” كما يحب الكثيرون في الخليج أن يسمونها.
النتائج تبدو قاتمة, حيث يعود بنا البؤس الذي يعيشه العالم العربي تحت القيادة السعودية الافتراضية، بالفترة التي لقبت فيها الإمبراطورية العثمانية برجل أوروبا المريض.
سلسلة من الانتفاضات الشعبية والحروب الأهلية استنزفت المنطقة وأعطت إيران تذكرة مجانية لمواجهة خصومها السنة بوتيرة ونطاق غير مسبوقين, ولكن الموجة الثانية المستمرة من هذه الانتفاضات هي وحدها التي يمكن أن تمهد الطريق لخروج الرياض من حاله اليأس التي تعيشها.
وفي الوقت الذي تبدو فيه إيران مشغولة بمحاولة إيجاد طريقة لقمع الاحتجاجات التي لا هوادة فيها والتي تشكل تهديداً مباشراً لنفوذها المستمر منذ فترة طويلة في كل من العراق ولبنان، إلا أن قبضتها على الحوثيين بدأت في التراجع.
إن العقوبات الأمريكية القاصمة التي فرضها ترامب على إيران العام الماضي بعد انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية، لا تترك مجالاً لآيات الله للتدخل في خطة لدعم حلفائهم الشيعة في اليمن أو لبنان أو العراق (طالما لا تستطيع إيران ان تقوم بغزو عسكري لسحق الانتفاضة في بغداد والمدن الأخرى في الجنوب التي لا تزال تغلي على صفيحاُ ساخن).
من ناحية أخرى فإن السعودية لا تزال تحتفظ بنفوذ اقتصادي كبير من خلال حزمة اقتصادية سخية (على غرار الحوافز الاقتصادية في الجنوب كجزء من اتفاقية الرياض)، ويجب عليهم الاسراع في اتخاذ خطوة قبل الإيرانيين وقبل إجراء محادثات مع إيران من خلال رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أو مبادرات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
في نهاية الامر لطالما كان إجراء محادثات مباشرة مع الحوثيين هو الطريقة الوحيدة للولايات المتحدة لإيقاف الحرب.
مهما بدت هذه المنهجية فطنه أي (تعتمد بدرجة كبيرة على ما إذا كان سيؤتي ثماره فعلياً)، السعوديون يسبحون وحدهم في مياه عميقة في اليمن بعد سحب الإمارات قواتها في وقت سابق من هذا العام.
في حين أن الواقع لا يقدم للمسؤولين السعوديين الكثير من الآمال إلا أن كل ما يمكنهم فعله الآن هو التوقف عن قصف الحوثيين والإسراع للدخول معهم في المحادثات بشأن التكامل السياسي في المستقبل – وكذلك التخلي عن أسلحتهم الثقيلة وأمن الحدود – مع تمنياتهم من أن تظل الانتفاضات في العراق ولبنان محافظة على زخمها.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.