اليمن واتفاق الرياض .. الغام سياسية
الدكتور حسن مرهج ——
بالنظر إلى المعادلات والوقائع التي فرضها أنصار الله في اليمن، يبدو واضحاً أن أي اتفاق لا يرتكز على معادلة الانتصار التي هندسها الحوثيين، لن يُكتب له النجاح، وإنما يُمكن تأطيره حُكماً في معادلة تقسيم اليمن، وتكريس النفوذ السعودي على الجنوب اليمني. من هنا فإن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة يتمحور حول مدى نجاح أي اتفاق تكون السعودية عرابته، خاصة أن الامم المتحدة ذات القرارات المُصادرة أمريكياً، لا تسعى إلى إنهاء الحرب على اليمنين، رغم كل المؤتمرات التي ترعاها، سواء في مسقط، أو الرياض، أو عمان. فحين يتم تغييب طرف يمني بارز وذو انتصارات استراتيجية عن أي اتفاق، فهذا ضرب من الجنون الأممي والسعودي والإماراتي، وفي ظل هذا يمكننا التساؤل كمتابعين، كيف ستؤثر التطورات العسكرية التي حققها الحوثيين على أي مناخ تفاوضي؟.
وعليه، فالواضح من اتفاق الرياض، هي الرغبة السعودية لشرعنة دولة يمنية برئاسة عبد ربه منصور هادي، بُغية تمثيل هذه الدولة في المحافل الدولية، والموافقة على القرارات الأممية ذات الصلة بالشأن اليمني، إضافة إلى طلب رسمي يمني من القوى الدولية للتدخل عسكرياً في اليمن، والقضاء على أنصار الله، وهذا يُعد أيضاً في جُزئياته مطلباً اسرائيلياً، إضافة إلى أن اتفاق الرياض وبصرف النظر عن غاياته التقسيمية، فإنه يؤسس لحرب أهلية بين اليمنيين والمرتزقة لكن بغطاء يمني وليس سعودي، وبطبيعة الحال سيكون الدعم المادي سعودياً، يُضاف إليه طلب شرعي من حكومة هادي ليتم تشريع التدخل السعودي في المحافل الدولية.
في أول موقف لجماعة أنصار الله من اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، اعتبر القيادي محمد علي الحوثي، الاتفاق لا يعني الشعب اليمني.
وأشار الحوثي إلى أن هناك خلاف سعودي إماراتي وصل مستوى القتال بين مليشياتهم المستأجرة من اليمن، ولأجله بدأ الأول بالضغط على الثاني للخروج من اليمن وبالفعل تغلب، وشكر الإماراتي على الخدمة وقام السعودي بالتموضع بدلا عن عناصر الإمارات وقواتها وقد أخر السعودي الاتفاق 60 يوما تقريبا أشبه بالفترة الانتقالية الديمقراطية.
واختتم بالقول بعد إتمام كل شيء قاموا بفرض التوقيع على الاتفاق مع من لا إرادة له واعتبروه إنجازا لوقف حربهم باليمن، لو كان الاتفاق من أجل مصلحة اليمن وليس نتيجة الخلاف لتم الاقتناع به وإعلانها بدون حرب وبدون إعادة تموضع للقوات ولما تواجد بن زايد بمسرحية التوقيع للاعتراف بالواقع أمام مليشياته.
الواضح من كلام الحوثي، أن هذا الاتفاق مليء بالألغام التي وضعتها كلا من السعودية والإمارات، بهدف تحقيق الغاية الأساسية ألا وهي تقسيم اليمن، ويبدو أن الأمم المتحدة الأمريكية غير معترضة على المخطط القادم، وعلى هذا الأساس توصلت الأطراف المتحاربة في جنوب اليمن إلى اتفاق أُطلق عليه “اتفاق الرياض”.
الرياض ومن خلال التعمق في تفاصيل الاتفاق، تحاول إضفاء شرعية على الانقلابيين، عبر منحهم 12 مقعداً وزارياً ضمن حكومة هادي، لكن المفارقة تكمن في طبيعة هذا الاتفاق، فإذا كانت الرياض وأبو ظبي حريصتان على تحقيق مصلحة اليمن واليمنيين، لماذا لم يتم هندسة اتفاق مع كل الاطياف اليمنية، ولماذا لم تظهرا هذا الحرص مع أنصار الله، الذين يمثلون الشارع اليمني أفضل تمثيل، والذين يرفعون لواء اليمن الواحد، لا كما ينادي المجلس الانتقالي الجنوبي جهاراً نهاراً أنه يهدف إلى فصل الجنوب عن الشمال؟.
حرب اليمن بكل تفاصيلها خلال سنوات الحرب، تؤكد حقيقة واحدة، وهي أن السعودية والإمارات دخلتا اليمن بُغية تقسيمه وشرذمة مكونات وأطياف الشعب اليمني، خاصة أن السعودية ترى في اليمن حديقتها الخلفية، ولا تستسيغ رؤية اليمن واحداً موحداً، وكذا الإمارات، التي تعتقد أن ابقاء اليمن ضعيفاً، يصب مباشرة في مصلحة أمن واستقرار دول الخليج. من هنا فإن كافة المُعطيات التي رافقت توقيع اتفاق الرياض، تؤكد بأن مضمون الاتفاق يذهب باتجاه تقسيم اليمن، وإضفاء الشرعية السعودية والإماراتية على الجنوب اليمني، فضلا عن صبغة استعمارية تتمثل في الموقف الذي اتخذته السعودية من دعم الإمارات الصارخ للانفصاليين الجنوبيين، حتى انتهى بها الأمر أن طردت هادي وحكومته من عدن، وهو موقف أكثر من كونه متفرجاً، وقد بانت حقيقة هذا الموقف وبشكل لا لبس فيه، عندما شرعنت السعودية بمساعدة إماراتية تقسيم اليمن، وجعلت حكومة هادي تحت رحمة الانفصاليين، الذين كان على السعودية محاربتهم ونزع أسلحتهم، فإذا بها تقدّم لهم الجنوب على طبق من ذهب.
اليمنين بمُجملهم لا يعنيهم هذا الاتفاق، ولا تعنيهم تقاسم السلطات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بهدف إنهاء الصراع على السلطة في جنوب اليمن، لأن اساس أي اتفاق يتم نظمه لإنهاء الحرب في اليمن، يجب أن يكون مباشرة مع كل الأطياف اليمنية، لا سيما انصار الله، حيث أن الانتصارات العسكرية يجب ان تتوافق مع أي انجاز سياسي، وبذلك فقط يكون اليمن موحداً وبعيداً عن أي اجندة تقسيمية سعودية أو إماراتية، وبصرف النظر عن بنود الاتفاق، فالسعودية كانت تُريد القضاء على الحوثيين لإعادة الشرعية على اليمن بحسب رؤيتها، فطالما أن هدف الرياض هو إعادة الشرعية، كيف بإمكانها أن تقوم بشرعنة الانقلاب والانقلابين الجنوبيين.
ضمن ذلك ستكون الأيام القادمة حُبلى بالتطورات التي سيفاجئ بها انصار الله السعودية والإمارات والانقلابين الجنوبيين، ولعل عملية “نصر من الله”، ستمتد لإعادة الشرعية إلى اليمن، وطرد الرياض والامارات ومرتزقتهم من اليمن. والايام ستؤكد ذلك.
كاتب فلسطيني
رأي اليوم