عملية سبتمبر العسكرية تسرع تصفية شركة أرامكو النفطية
السياسية – تقرير عبد العزيز الحزي:
عجلت عملية 14 سبتمبر العسكرية من قبل الجيش واللجان الشعبية في تصفية شركة “أرامكو” النفطية السعودية, وطرحها للاكتتاب العام، بقيمة أقل من القيمة المعلنة بـ 2 تريليون دولار، وهي خطوة تثير تساؤلات عديدة بشأن أسباب التصفية.
ويرجع خبراء اقتصاديون أسباب عملية الطرح الأخيرة لنسبة من أسهم الشركة في بورصة الرياض الى العملية العسكرية الجريئة التي شنها الجيش اليمني واللجان الشعبية في 14 سبتمبر بالطيران المسير والتي أخرجت الشركة عن نصف إنتاجها من النفط وهو ما يتعارض مع ما طرحه محمد بن سلمان في عام 2016 بشأن الشركة.
ويرى الخبراء أن العملية العسكرية سلطت الضوء على نقاط الضعف الكامنة لدى الشركة، وتسببت بخسارة أكثر من نصف انتاج البلاد من النفط، وانخفضت بذلك أسعار النفط على نحو غير المتوقع.
وتعتبر “وكالة بلومبيرغ” الأمريكية في تقرير نشرته مؤخرا عن مصير الشركة في ظل التطورات الأخيرة أن “ما يمكن أن يكون متاحًا قليلًا هو اهتمام مديري الأموال في العالم، الذين يرون أسبابًا تثير مخاوفهم، وتأتي تلك الاسباب متمثله في: سوق نفط ضعيف، ومخاوف بشأن قوة الاقتصاد العالمي، وهجوم الشهر الماضي على أهم مصنع لتجهيز النفط الخام في أرامكو”.
وقالت الوكالة في التقرير إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “فاجأ مجتمع الأعمال العالمي في أوائل عام 2016 من خلال وعده ببيع أسهم في شركة النفط العربية السعودية أرامكو”.
وتضيف الوكالة في تقريرها الذي ترجمته “عربي21”- “الآن، بعد عدة بدايات خاطئة، فإن العرض العام الأولي لجوهرة التاج في السعودية (أرامكو)، التي تضخ 10 بالمئة من إمدادات النفط الخام العالمية عبرما تملكه من حقول وفيرة تحت صحراء المملكة، يمضي قدمًا إلى النهاية”.
وتتابع: “بينما لم يتم الإعلان عن تفاصيل العرض، يقول مشاركون في الصفقة أن حوالي 2 بالمئة من أرامكو قد يتم بيعها بسعر يقدر قيمة الشركة بالكامل بحوالي 2 تريليون دولار، وجمع 40 مليار دولار ليتجاوز بذلك مبلغ 25 مليار دولار الذي تم جمعه في عام 2014 بواسطة الصينية العملاقة التجارة الإلكترونية علي بابا المجموعة القابضة المحدودة”.
وتنقل الوكالة عن لرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، أمين ناصر، قوله الشهر الماضي، “أرامكو مستعدة للإدراج كلما اتخذ المساهم قرارًا بالإدراج. سيكون قريبا جدا”.
وفي ظل هذه الضجة، تضيف الوكالة: “لم يكن البيع هو أداة تحرير السوق الحرة الذي اقترحها الأمير أولاً، وذلك لسبب واحد، حيث لا توجد خطة للإدراج في مركز مالي عالمي مثل لندن أو نيويورك أو هونج كونج، ولكن في الوقت الحالي، سيتم تداول الأسهم فقط في بورصة الرياض”.
وترى بلومبيرغ أن “الإدراج المحلي وإن كان يتم تسويقه للمستثمرين الدوليين أيضًا، سيمنح الحكومة مدخلات مهمة في تحديد من يشتري الأسهم، حيث تمت دعوة أغنى العائلات في المملكة، بما في ذلك بعض الأشخاص الذين احتجزوا في فندق الريتز كارلتون في الرياض خلال حملة الأمير محمد على الفساد في عام 2017، ليصبحوا مساهمين رئيسيين، إنه عرض قد يجدون صعوبة في رفضه”.
وتشير إلى أنه “سيتم أيضًا طرح هذا العرض على المواطنين السعوديين من خلال حملة إعلانية على مستوى البلاد، مع تشجيع البنوك على إقراض المال حتى يتمكن مستثمرو التجزئة من المشاركة، وفقًا لأشخاص مطلعين على الخطط التي طلبوا عدم ذكر أسمائهم قبل الإعلان عن التفاصيل، علاوة على ذلك ، تتدخل السلطات السعودية بشكل تقليدي في الأسابيع التي تلت عملية بيع الأسهم لدعم السعر وضمان نجاح العرض”.
وتلفت إلى أنه “خارج السعودية، يركز المصرفيون على عرض للمستثمرين السياديين في آسيا والشرق الأوسط، الذين قد يكون لديهم أسباب اقتصادية وسياسية طويلة الأجل لتعزيز العلاقات القوية مع الرياض”.
وتنوي أرامكو وفق بيان صادر عنها من طرح الاكتتاب على شريحتين: إحداهما للمستثمرين من المؤسسات والآخر للمستثمرين الأفراد.
وبحسب بيان الشركة فإن النسبة المئوية للأسهم التي ستباع وسعر الشراء سيتحددان بعد فترة بناء سجل أوامر الاكتتاب.
ولم تضع أرامكو إطارا زمنيا أو تحدد كم ستبيع، لكن مصادر ذكرت لوكالة رويترز أنه من المنتظر طرح ما بين واحد واثنين بالمئة من الأسهم بالبورصة المحلية لتجمع ما بين 20 و40 مليار دولار.
وحدد محمد بن سلمان مطلع 2016 تقييما للشركة يصل إلى تريليوني دولار، لكن مصرفيين ومسؤولين داخل أرامكو يقولون إن قيمة أرامكو أقرب إلى 1.5 تريليون دولار. بينما ذكرت وكالة “بلومبيرغ” أن السعودية باتت منفتحة على تقييم أقل لضمان نجاح المرحلة الأولى من الاكتتاب.
وتظهر بيانات رفينيتيف أن الطرح سيضع أرامكو في المرتبة الحادية عشرة لأكبر طرح أولي على الإطلاق. في المقابل، سيجعل بيع اثنين بالمئة من أسهم أرامكو مع تقييمها عند 1.5 تريليون دولار، صاحبة أكبر طرح أولي على الإطلاق، متفوقة على علي بابا.
ودفع تنامي حركة مكافحة تغير المناخ واستخدام تقنيات جديدة تراعي البيئة، بعض مديري الصناديق، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، للابتعاد عن قطاعي النفط والغاز.
وتحطمت آمال في إدراج دولي ناجح لنحو خمسة بالمئة من أسهم الشركة عند وقف البيع العام الماضي وسط جدل بشأن مكان إدراج أرامكو في الخارج.
يقول دانيلو أونورينو، الذي يدير مدير الصندوق دوجما كابيتال في سويسرا واستثمر في سندات أرامكو، إن “هناك مشاكل تتشكل في تكلفة رأس المال في السعودية مرتفعة نسبيًا ، وسعر النفط ليس الذي تريده أن يكون عليه، وهناك مشاكل تتعلق بالشفافية”.
وبحسب الوكالة فإن “المستثمربن قلقون بشأن حوكمة الشركات، كذلك لن يجلب الاكتتاب العام الاستقلال عن السعودية التي لم تقترح بيع أكثر من 5 بالمئة من الشركة، بالإضافة إلى أنه ستبقى مدفوعات وأرباح الضرائب من أرامكو أكبر مصدر للدخل الحكومي، و السعودية هي أهم عضو في منظمة أوبك، لذا إن سياسة إنتاج النفط ستبقى قرارًا سياسيًا”.
وعن القيمة الحقيقية للشركة تقول الوكالة إنه “لطالما أصر ولي العهد أن أرامكو تبلغ قيمتها أكثر من 2 تريليون دولار، أي ضعف القيمة السوقية لشركة Microsoft Corp و Apple Inc.، وهما أكثر الشركات قيمة في العالم اليوم”.
وتضيف: “إن الحديث عن قيمة الشركة تبلغ 2 تريليون دولار يبدو مبالغا فيه إذا ما قورن مع المنتجين الرئيسيين الآخرين للنفط”.
ومع ذلك -تتابع الوكالة- “عند تقدير 2 تريليون دولار، فإن عائد أرباح أرامكو لن يعادل 3.75 بالمئة فقط، ويبدو ذلك عائدًا صحيًا في عالم يسوده معدل فائدة صفر، لكنه أقل من حاملي سندات الشركة التي تبلغ مدتها 30 عامًا”.
واليوم، يبلغ عائد أرباح شركة إكسون حوالي 5 بالمئة، كما إن رقم شركة Shell، الشركة التي لم تخفض مدفوعاتها من الأرباح منذ الحرب العالمية الثانية، يبلغ أكثر من 6 بالمئة، وبالتالي لكي تضاهي أرامكو عائدات إكسون، يجب أن تكون قيمتها السوقية قريبة من 1.5 تريليون دولار.
وتتحدث بلومبيرغ عن “مصدر قلق آخر للمستثمرين المحتملين هو توقعات الطلب. بنيت أرامكو في عصر كان فيه الطلب على النفط يرتفع بشكل موثوق عامًا بعد عام، اشترى مئات الملايين السيارات وتوجهوا إلى الطريق، ولكن لقد بدأ التغيير، حيث تستثمر شركات صناعة السيارات العالمية مثل فولكس واجن إيه جي المليارات في السيارات الكهربائية، ويتوقع بعض المحللين أن يصل الطلب على البنزين إلى الذروة خلال العقد المقبل”.
وتوضح: “يواجه سوق النفط تحديات أكثر إلحاحًا أيضًا، أدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى إضعاف آفاق الطلب على الطاقة، والمخزونات الوفيرة، وترى الوكالة الدولية للطاقة عدم توافق محتمل بين العرض والطلب في أوائل العام المقبل بأكثر من مليون برميل يوميًا”.
وأرامكو، والمعروفة سابقاً بشركة النفط العربية السعودية، هي شركة سعودية عملاقة للنفط والغاز الطبيعي، وتدير حقول النفط والغاز في أنحاء المملكة وخارجها.
وتشرف الشركة على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، وخلال السنوات السابقة قامت بضخ حوالي 10 ملايين برميل يومياً، مما جعلها أحد أكبر الشركات في العالم، وتم تقدير إيراداتها عام 2018 بـ 388 مليار دولار (352 مليار يورو)، بمتوسط مليار دولار يومياً. صافي دخل الشركة المقدر بـ 111 مليار دولار أعلى من أرباح منافساتها: إيكسون موبايل وشيل وبي بي وتوتال وشيفرون مجتمعة، وتوظف 70 ألف شخص حول العالم.
وحتى هذه اللحظة، تعود ملكية الشركة بشكل كامل إلى الحكومة السعودية، ويقوم بالإشراف عليها وزير الطاقة السعودي، وهو الأمير عبد العزيز بن سلمان. خلال السنوات الصارمة، سيطرت الشركة بمدخولها المرتفع على المجتمع والاقتصاد، ولكن حديثاً بدأ حكام السعودية يرون ضرورة تنويع مصادر اقتصاد المملكة من أجل القدرة على مواجهة تحديات المستقبل.
ويرى مراقبون أن الحديث عن الانفتاح على السياحة والاستثمارات في مجال البنية التحتية، في السعودية الذي يندرج ضمن ما يسمى بـ “رؤية 2030″، وهي خطة تم وضعها في عام 2016 من قبل بن سلمان، وذلك لتقليل اعتماد المملكة على النفط ،وما يدور عن اعتزام بن سلمان بيع جزء من حصص شركة أرامكو لتمويل هذه الخطة هو لمجرد الدعاية لا غير وأبعاد جمهور الناس عن تصفية الشركة والسيطرة على السلطة والعرش في السعودية.