بقلم: مصطفى ناجي

(موقع” orientxxi-اوريان 21″ الفرنسي, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

بعد مرور خمس سنوات على اندلاع الصراع في اليمن، لا يزال ميزان القوى بين الأطراف المتحاربة متناقضاً، ليس فقط فيما يخص من ستكون الجهة الرابحة في المواجهات المسلحة، ولكن أيضا فيما يتعلق بالمسؤولية التي تقع على عاتق القوى الخارجية, ومن المهم عدم إغفال الذكر عن أن هذا الصراع بدء بالفعل قبل أن يتم الإعلان عن بدء عمليات التدخل العسكري لدول التحالف العربي الذي أنشئ أواخر مارس من العام 2015 بقيادة المملكة العربية السعودية.

فهذه النقطة هي مربط الفرس للعديد من القضايا المتعلقة بالصراع على السلطة بين اليمنيين الذين هم منبع هذه المأساة.

أصبح الوضع الإنساني في اليمن كارثي، بيد أن المنظمات غير الحكومية ووسائل الاعلام قد طورت خطابا بعيدا عن الواقع الذي يعيشه البلد، حيث وصفت اليمن بأنها “أكبر أزمة انسانية في العالم”، مستشهدا بشكل خاص بخطر المجاعة الوشيكة على الرغم من أنه لم يتم التعرف على جيوبها في البلد.

بالتأكيد، تم تطوير الخطاب الدقيق في بعض التقارير الصادرة عن تلك المنظمات، كذلك الذي نشرته منظمة “أطباء بلا حدود” في يونيو المنصرم، مما أثار العديد من  التساؤلات حول حقيقة المستفيدين من المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى الأداء الوظيفي للخطاب الكارثي، فضلا عن النُدب السوداء في ملفات تقييم الاحتياجات.

ومن جانبها, اعترفت وكالات الأمم المتحدة العاملة في هذا المجال بوجود انتهاكات خطيرة وحالات فساد, لاسيما في القطاع الصحي.

وبالرغم من ذلك، فان وسائل الاعلام الدولية لديها القدرة علي تعبئة الرأي العام بسهولة حول بعض الشعارات التبسيطية من خلال نشر صور مثيرة للشفقة لأشخاص الذين فتك بهم مرض سوء التغذية, ولكن هذا القالب الكرتوني لا يبدو انه يحبذ التوصل إلى تسوية سلمية.

فهل  أسفرت هذه الحرب عن سقوط  10 ألف أو 20 ألف أو 70 ألف أم ربما أكثر من 100 ألف قتيل.

لا يبدو أن لهذه النقاشات حول الأرقام الحقيقية لعدد الضحايا المدنيين نهاية، بالإضافة إلى أولئك الذين قتلوا جراء العمليات القتالية وعدد الوفيات الناجمة عن الصعوبات التي تواجه العمل الإنساني، وكذلك فشل الأمم المتحدة في تقديم تقييم عادل ومنسق، فجميعها أسباب ساعدت جميع الأطراف المتحاربة على طرح معلومات مظللة.

ليس هناك شك في أن الإحصائيات المتداولة غير واضحة، لاسيما بسبب انهيار القطاع الصحي.

وفي مثل هذه الحالة، فان التحقق من الرقم الأدنى بدلا من الرقم الأعلى، لا يمكن ان يستند إلا على اعتبارات سياسية.

كما أن مسألة حجم المعونات والمساعدات المدفوعة، وبالأخص من قبل دول الخليج التي تشارك عسكرياً في هذا الصراع، هي في حد ذاتها موضع جدل، حيث يتأرجح الجدل القائم بين الإعلان والتأخير في الدفع والمعونات احاديه الجانب.

وهكذا تظل المأساة في اليمن صعبة الفهم, ربما باستثناء أولئك الذين ما زالوا في الخطوط الأمامية, حيث يتأثرون بحرب تتجاوزهم.

ماذا تفعل الرياض؟

كثيراً ما تتجاهل الخطابات المتعلقة بالحرب, التشكيك بأي شكل من الأشكال حتى لو بشكل بسيط حول دور الرياض، بما يتجاوز القصف والعمليات العسكرية.

ما الذي كانت تفعله الرياض لمدة خمس سنوات؟ أين هي إستراتيجيتها فيما يخص حرب اليمن؟

ففي وقت مبكر من العام 2015, احتضنت العاصمة الرياض المئات من كبار المسئولين في الحكومة اليمنية، حيث اسكنتهم في كثيراً من الأحيان في فنادق فاخرة وفي المقابل فرضت سيطرتها على تحركاتهم وخطابتهم.

كما أخذت الرياض على عاتقها الالتزام بدفع رواتبهم، ولكن المدفوعات غالباً ما تظل غير مؤكدة وتفرض اعتمادات مالية كبيرة.

لا يزال الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تقطعت به السبل في الرياض منذ مارس 2015 رمزا لهذا الوضع الذي كثيرا ما يكون منافيا للعقل والمنطق, حيث أن شأن سيادته في ذلك من شأن اليمن الذي لا يزال متأثر ليس بالحوثيين فقط ولكن أيضاً بالتحالف ذاته.

كما سمحت السعودية لشريكها المفضل “الامارات” بتطوير سياستها الخاصة دون التأكد من اتساق استراتيجياتهما.

فقد تم تقسيم الأدوار لتكون غامضة:

تدير أبو ظبي المناطق الجنوبية من اليمن, حيث تعمل هناك بقدر كبير من الحرية، كما تدعم الجماعات المسلحة والجماعات السلفية وأنصار المجلس الانتقالي الجنوبي.

تلقت هذه القوات المعروفة باسم “الحزام الأمن” وقوات النخبة، معدات عسكرية ووسائل إعلام من قبل الإماراتيين لنشر خطابهم العدائي ضد المواطنين الشماليين. واستيعابهم بصراحة للحوثيين.

وهكذا استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي, بشكل تدريجي من منع الحكومة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي من العودة إلى اليمن ومن تسير مهامها من مدينة عدن العاصمة المؤقتة المعلنة للبلد.

أصبح اليمن مجزأ إلى اقصي حد, وذلك بعد مرور أكثر من أربع سنوات من القتال, حيث يتكون اليوم من تجمعات ذات سيادة تقودها المليشيات التي غالبا ما تكون مرتبطة بدولة مجاورة.

فالأراضي اليمنية تم تقطيع أوصالها، كما تم تفكيك الجيش الذي أصبح يفتقر إلى اللامركزية, في حين أن الاقتصاد غارق ومثقل, وفي مواجهة هذا الوضع، لا تزال السعودية صامتة وغير متسقة، كما لو كانت في الواقع لا تمتلك سياسة واضحة  للنقاش.

ونتيجة لذلك، أصبح اليمن مستنقع لدول التحالف، ولكنه أيضاً جحيماً لشعب اليمني الذي عانى كثيراً من الافتقار إلى التطوع الدولي لتسوية الصراع.

تقسيم الجبهة المناهضة للحركة الحوثية:

كان صيف العام 2019, صعباً ومؤلما بالنسبة لليمنيين الملتزمين بسيادة ووحدة اليمن, حيث تم تسليط الضوء على الانقسامات التي طالت الجبهة التي تقاتل المتمردين الحوثيين, حيث أدى فرض المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرته على العاصمة المؤقتة عدن في بداية شهر أغسطس المنصرم إلى فرار عدد قليل من أعضاء الحكومة اليمنية والذين كانوا يعملون بشكل غير مبال, وشن هجمات على المناطق الشرقية للبلد.

وفي محافظة شبوة، التي طالب بها الجنوبيين، عانى الأخير من ضربة قاسمة توضح تجزئة الجنوب.

فاليمن بلداً يغلب عليه الطابع القبلي, ولأسباب تتعلق بذلك, أختار مقاتلي النخبة الشبوانية بالرغم من كون هذا الفصيل يتلقى الدعم من قبل ابو ظبي والمجلس الانتقالي الجنوبي الوقوف إلى جانب وحدات الجيش الموالية للرئيس هادي.

واستناداً لذلك, يمكن تفسير هذه الضربة التي تعرض لها المجلس الانتقالي على أنها رسالة استياء تم إرسالها من قبل السعوديين لحلفائهم في الامارات, حيث تسعى الرياض من وراء ذلك إلى تشكيك في ما يسمى احتكار الانفصاليين للمناطق الجنوبية.

ولخلق مناخ من الثقة، حاولت الوحدات التي تقودها حكومة الرئيس هادي استعادة السيطرة على عاصمتها المؤقتة “عدن”, وعلى وجه التحديد في 28 أغسطس.

وعند مدخل المدينة، في المنطقة المؤدية إلى المطار, في الوقت الذي تم إعادة تجميع هذه الوحدات قبل إطلاق عملية استعادة المدينة، باغتت الطائرات المقاتلة الإماراتية وشنت عدة غارات جوية، أسفرت عن سقوط أكثر من 300 مقاتل, وذلك وفقاً للإحصائيات التي أوردتها  الحكومة اليمنية, ومن جانبها, نفت دولة الامارات ذلك, وأعلنت في بيانها عن قيامها بقصف مواقع وتجمعات إرهابية.

وفي ظل مواجهة هذه الفوضى التي اجتاحت المعسكر المناهض للحركة الحوثية (نحن لا نذكر حتى القضية الحساسة لورثة الرئيس السابق علي عبد الله صالح)، يحاول صناع القرار السعودي الحفاظ على المظاهر، حيث يتم تسليط الضوء على الوساطة بين الإماراتيين والحكومة اليمنية التي تهدد بأن توصل القضية إلى مجلس الأمن الدولي, إذ يبدو أن السعوديين يريدون الاحتفاظ بالملف اليمني ورفض التدويل الذي يبدو أن الروس هم وحدهم الذين يفضلونه.

ومن بين القوى العظمى، يمكن لموسكو فقط إدانة “النيران الصديقة” التي أطلقت ضد الحكومة اليمنية.

فهي غير قادرة على مواجهة إيران، ولتغيير الوضع في اليمن، يتساءل القادة السعوديون وكتاب الصحف عما إذا كانوا قد ارتكبوا أخطاء مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وعما إذا كانوا لم يدعم حكومة يمنية عميلة منذ خمسة سنوات تقريباً.

وهكذا فان الأحداث التي شهدتها مدينة عدن الجنوبية في أغسطس قد أدت إلى مواقف قوية في كثير من الأحيان, حيث نشرت صحيفة عكاظ اليومية العديد من الافتتاحيات التي قام بكتابتها جميل الدهيبي أو حمود أبو طالب والتي تنتقد الحكومة اليمنية بشكل علني والتي توصفها بأنها حكومة عاجزة أو موصوفة بأنها خاضعة لسيطرة جماعة الاخوان المسلمين, فمن على منبر مواقع التواصل الاجتماعي, انتقد الدبلوماسي السعودي سلمان الأنصاري من خلال تغريدة “السلوك الإماراتي التوسعي” على حساب أهداف التحالف, وبالتالي, فإذا كان هذا النقد لا يزال ضعيفا, قد يصبح أكثر صرامة خلال الأشهر المقبلة.

وبسبب عدم وجود رؤية واضحة ونهج ذي صلة، تدخل السعوديون في اليمن بشكل كبير دون أن يتم ردعهم بالفعل من قبل الغرب, حيث اظهروا عجزا واضحا عندما كان من الضروري القيام بإعادة بناء المناطق “المحررة” من قبضة الحركة الحوثية، مثل مدينة عدن أو مارب, كما عملوا من خلال سياسات “السعودة”إلى طرد مئات الآلاف من العمال اليمنيين من الأراضي السعودية، مما ادى إلى تفاقم ألازمة الإنسانية.

إنهم يواجهون فقط جرعات تذوق مرارة كانت بالأمس غير مقبولة: اطلقوا سراح الرئيس هادي, وأيدوا المشروع الفيدرالي في اليمن وتفاعلوا مع من تم وصفهم بأنهم نسخة يمنية من حزب الله.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.