أحمد يحيى الديلمي —-

الدكتور العلامة طه المتوكل وزير الصحة العامة والسكان معروف وأشهر من نار على علم، عرفه أكثر الناس كعالم دين وخطيب مصقع تُشد إليه الرحال لأداء صلاة الجمعة في مسجد الحشحوش بمنطقة الجراف الذي تتلمذ فيه على يد العالم الرباني المرحوم عبدالله عباس المؤيد الأخ الأكبر لقبلة العلم والورع والزهد والتقوى، العلامة الحجة حمود عباس المؤيد قدس الله روحه.

حيث انتقلت مهنة الخطابة في الجامع نفسه إلى الدكتور طه عندما أفتقد العلامة المؤيد القدرة على اعتلى المنبر، من تلك اللحظة أظهر براعة كبيرة في شد أذهان الناس وحاز على إعجاب خصوم المذهب الذي يؤمن به كون أدائه أتسم بالوسطية والانفتاح على كافة المذاهب الإسلامية، وهكذا عُرف بعالم الدين صاحب السلوك القويم الموصوف بالورع والتقوى، من يقارع الباطل بشجاعة نادرة لا يخشى في الله لومة لائم، تبعاً لذلك أثار قرار تعيينه في وزارة الصحة دهشة واستغراب البعض.

قال أحدهم كان الأجدر أن يتسلم الدكتور طه المتوكل وزارة الأوقاف والإرشاد، تراجع الاحتجاج بعد أن علم المحتجين أن الرجل طبيب إلى جانب كونه عالم دين، وكان للجمع بين البُعد الديني والأفق الإنساني أثر بالغ في تشكيل شخصيته حيث امتلاك الفاعلية وقوة الحضور عندما تسلم حقيبة الصحة، فلقد رأيناه في كل المراحل واللحظات الحرجة في موقع أي كارثة إنسانية يقترفها طيران العدوان الذي لا يفرق بين الطفل والمرأة والشيخ والعجوز، ولم يستثني مستشفى أو مدرسة أو مخيم للنازحين أو سجن أو  غير ذلك من مواقع الإيواء الإنساني.

عقب كل جريمة يكون الدكتور طه في قلب المشهد مهما كان الزمن أو البُعد الجغرافي، يبادر إلى انتشال البشر من تحت الأنقاض ويبلسم الجروح بإجراء الإسعافات الأولية للجرحى لضمان استمرار حياتهم، ويشرف بنفسه على كل شيء، رغم ضخامة المهام وتعدد المسئوليات وانعدام الكثير من الأدوية بفعل الحصار الجائر الذي تفرضه دول العدوان مقابل صمت العالم خاصة الدول التي تتباكى على حقوق الإنسان.

مع ذلك لم تحرك ساكناً إزاء الكوارث الإنسانية في اليمن وكأن الأمر لا يعنيها أو أن العقاب المتوحش تم بقرار دولي جماعي رغم كل هذه المهام وما يكتنفها من صعوبات وتعقيدات إلا أن الدكتور لم يتخلى عن دوره الإرشادي التوعوي بنفس الوعي ليكون أكثر قرباً من الناس يتلمس الهموم ويشخص الواقع الحياتي بأسلوب متميز يترجم روح الدين ومقومات الانتماء الصادق للوطن ولا يتردد عن انتقاد الأخطاء والممارسات غير السوية وإن كانت في نطاق الجهاز الخاضع لإدارته ليقينه أنه ينفذ واجب وتكليف إلهي على كل مسلم، يُلزم كل مسلم القيام به في نطاق الالتزام بترجمة أعباء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي ترتقي في نظر الكثير من العلماء الأفاضل إلى درجة الواجب الحتمي، وإن كان البعض في زمن الغفلة قد اعتبرها فرض كفاية إذ قام بها البعض سقطت عن الآخرين.

ومن ثم تم اعتبارها الفريضة الغائبة ، إلا أن من وقر الإيمان في قلبه يتقيد قدر الإمكان بالفريضة كأهم وسيلة لتقويم أي إعوجاج في الواقع الحياتي ، ولهذا تمسك الدكتور بالفريضة لما لها من دور في تهذيب سلوك المتلقين والتعريف بأحكام الدين.

ما زاد إعجابي بالدكتور طه أنه اليوم كمن ينحت في الصخر، يوظف المتاح والممكن للقيام بالأعباء مع ذلك لم يسلم من الانتقادات الزائفة، كان أخرها القول بأنه فرض اتاوات على العمليات الجراحية في المستشفيات الحكومية لمقاصد خاصة، والحقيقة أن هذا اتهام باطل وزائف فلقد نزلت بنفسي إلى بعض المستشفيات الحكومية بعد أن سمعت أصحاب الألسنة الحداد الشحاح يرددون هذه الاتهامات عبر قنوات الزيف والباطل مدفوعة الأجر المسبق، سيل الاشاعات والأكاذيب حفزني للدفاع عن الدكتور بعد التحري وملامسة الحقيقة في الواقع، عند الزيارة لبعض المرافق الصحية.

فعلاً اكتشفت وجود زيادة طفيفة جداً في أجور العمليات الجراحية لكنها كانت هامة وضرورية ولا علاقة لوزير الصحة بها، إذ أنها تنفق في ترميم ما تهدم في هذه المرافق الصحية نتيجة الغارات الجوية والقصف العشوائي وإصلاح ما أمكن من الأجهزة التي تعرضت للتلف بسبب نفس الغارات أيضاً، أي أن الدكتور وافق على الزيادة وحدد مقاصدها وأوجه صرفها بما في ذلك مواجهة أي طارئ والقيام بأعمال النظافة كأهم عامل لتوفير مقومات أجواء الأداء السليم بالمرافق الصحية، وبعضها كان على وشك الإغلاق لولا هذه المعالجة البسيطة وهو عمل يستحق عليه الشكر والتقدير من كل اليمنيين لأنه ترجم سلوك العقيدة وانتصر للعمل الإنساني والضمير الاجتماعي والهوية الوطنية وعلى أصحاب النفوس العليلة أن لا يسرفوا كثيراً في الوهم ولا يشككوا في الهامات الوطنية ، لأنهم كمن يحرث في أرض قاحلة خاصة إذا حاول التطاول على رجل في قامة الدكتور طه المتوكل.

فالرجل في جوهره عنوان لقيم ومبادئ سامية حاكمة للسلوك كونه شديد الارتباط بتعاليم الدين ومتمسك بنهج الإيمان زيد بن علي عليه السلام الذي جعل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثابتة من ثوابت الدين إلى جانب كونه صادق الانتماء للوطن، وهي صفات محمودة تدفعه دائماً إلى المبادرة والعطاء الإنساني السخي، لأنه في الأساس يقوم بدور جهادي لا يقل شأناً عن المجاهدين في جبهات الصمود والتصدي للعدوان.

لذلك نقول يا دكتور لا تعبأ بمثل هذه الترهات، دع القافلة تسير وأمضي حيث أمرك الله أن تمضي وأترك الكلاب تنبح كما هي عادتها فمهما خيم الظلام وأعطائها فرصة للنباح لن تؤثر على عطائك ولن تغير مسار حياتك الذي اعتدنا عليه، فلك الشكر من كل يمني مخلص مؤمن بالوطن، والله يرعاك ويسدد خطاك.