بقلم: بيثان مكيرنان:

ترجمة: انيسة معيض- سبأ:

كل جندي في مدينة عدن اليمنية على حافة الهاوية. يوجد في الحاجز الرئيسي على الطريق الساحلي فتحتان كبيرتان على السطح من قذائف الهاون، وقد تم حفر الشاطئ في مجازات ضيقة لإبطاء تقدم أي مركبات معادية.

المشكلة هي أن الرجال الخمسة والعشرين الذين يقومون بالتجوال حول مخافرهم ليسوا متأكدين من شكل عدوهم.

ففي القتال الأخير الذي شهد انشقاق المجلس الانتقالي الجنوبي (STC) عن القوات الموالية للرئيس اليمني المنفي – حلفائهم السابقين – استغل تنظيم القاعدة الفوضى، ولبس زياً كزي المجلس الإنتقالي الجنوبي لينفذوا كميناً للجنود هنا.

قال منير العطيفة، الذي يبلغ من العمر 42  عاماً، وهو جندي في المجلس الانتقالي الجنوبي: “لقد داهم الإرهابيون كل نقطة تفتيش حتى هذه النقطة “الإصلاح الكتلة الإسلامية للحكومة اليمنية”، ماذا يهمهم ؟ إنهم جميعا يريدون نفس الشيء، وهو إبقاء الجنوب ضعيفاً”.

بعد أكثر من أربع سنوات، أصبح الصراع في اليمن الآن يتكون من ثلاثة حروب: معركة بين المتمردين الحوثيين في الشمال والمدعومين من إيران والتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية.

قتال بين هذه الأحزاب والعناصر المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية, ومؤخراً, المعركة الدائرة بين المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يريد عودة جنوب اليمن دولة مستقلة، وحلفائه السابقين في الحكومة اليمنية.

تمت دعوة الجارديان من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي للتعرف على الوضع على الأرض في عدن, وما وجدناه هو اشتباكات معقدة  للميليشيات الانفصالية والسياسيين الذين يحاولون التمسك بالتحكم في موقف لا تكون فيه التحالفات التي قد لا تزال قائمة على الورق تعني أي شيء في الواقع.

وهذا الوضع الذي سيزيد من صعوبة وضع حد لحرب أودت بحياة ما يقدر بنحو 100.000 شخص وانبثق نتيجة لها أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

بعد العداء الشديد الممتد لعدة سنوات، تعرض الجنوبيون وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، لضربات قوية اعلن الحوثيون مسؤليتهم عنها: هجوم صاروخي بطائرة بدون طيار على موكب عسكري في عدن مطلع اغسطس الماضي قتل فيه أكثر من 30 جندياً تابع للمجلس الانتقالي الجنوبي، بما في ذلك القائد البارز “منير اليافعي” المعروف بكنيته أبو اليمامة.

اتهم الجنوبيون حكومة هادي بتجاهل التهديد الذي يمثله الحوثيون للقوات الجنوبية بعدم المشاركة في المعلومات الاستخباراتية.

تلا ذلك مظاهرات وأربعة أيام من القتال العنيف، مما أسفر عن مقتل العشرات وإخراج اشخاص موالين لهادي من قصر عدن الرئاسي والقواعد العسكرية والمطار.

وأثار القتال أيضا التساؤل عن ثبات التحالف الذي تقوده السعودية بعد رد فعل الإمارات العربية المتحدة، ثاني أكبر عضو في التحالف.

فعندما حاولت قوات هادي المدعومة من السعودية شن هجوم مضاد في 29 أغسطس، قامت دولة الإمارات، التي تمول وتسليح المجلس الانتقالي الجنوبي، بشن غارات جوية ضدهم، مما أسفر عن مقتل حوالي 40 جندياً ومدنياً.

تعد عدن هي العاصمة اليمنية المؤقتة المعترف بها دولياً منذ أن أجبر الحوثيون هادي على مغادرة صنعاء في عام 2015, ولكن في هذا الفصل الجديد من الحرب، لم تعد الحكومة اليمنية موجودة هناك, حيث أدان وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، الضربات الإماراتية ووصف الهجوم بانه هجوم “غادر”.

تقع مدينة عدن الساحلية في الميناء الطبيعي الذي تشكله فوهة بركان خامد. وتحيط به الجبال المسننة، وهي ملتفة حول المدينة مثل تنين نائم.

المحيط الأزرق لعلم المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي توأم  بشكل اعتيادي مع علم دولة الإمارات, أمر لا يمكن تفويته.

يقول الكثير من الجنوبيين إنهم لم يكونوا راضين عن إنشاء اليمن الحديث في عام 1994 وأن الحكومة الوطنية قامت بالعمل على التهميش لهم باستمرار.

يُعتبر هادي الذي أصبح رئيساً في عام 2012 بعد الإطاحة بحاكم اليمن المستبد علي عبد الله صالح في الربيع العربي، ضعيفاً بسبب فشله في منع تنظيم القاعدة من ممارسة الارهاب في الجنوب قبل وصول المساعدة من الإمارات.

يفخر أبناء مدينة عدن بتاريخهم المتميز والعالمي: لقد ترك كل من التجار الأفارقة والصينيين والفارسيين بصماتهم على المدينة الساحلية وكذلك البرتغاليين والعثمانيين والبريطانيين الذين لديهم ولع وحنين من نوعاً خاص.

ومع ذلك, قد ولت الأيام الذهبية منذ زمن طويل. يشير مسؤولو المجلس الانتقالي الجنوبي إلى آثار الإمبراطورية البريطانية، مثل الكنائس الوحيدة في شبه الجزيرة العربية وبوابة على الكورنيش صممت لزيارة الملكة في عام 1954, لكنها جميعاً مملوءه بالثقوب الناتجة عن إطلاق الرصاص وغيرها من الأضرار الناجمة عن الحرب.

أصبحت الفنادق الفاخرة المطلة على شاطئ البحر في عدن خط المواجهة في المعركة لطرد الحوثيين من المدينة في عام 2015, تلك الفنادق التي تعلو فوق البحر ، تسقط أسطح مبانيها ويحترق ما بداخلها بالكامل.

وقال فاضل الجاد مساعد الأمين العام للمجلس الرئاسي للمجلس الانتقالي الجنوبي: “لدينا مهمة صعبة لإعادة البناء والتأكد من سلامة عدن، لكننا على استعداد للقيام بذلك”,”نحن نفعل هذا لأنفسنا لأن الآخرين لن يفعلوا ذلك”.

قد يرغب المجلس الانتقالي الجنوبي في الحصول على الاستقلال لكنه يعتمد اعتماداً كبيراً على انصاره في الإمارات العربية المتحدة: قال مصدر مرتبط  بشكل جيد في المدينة إن الإماراتيين جاءوا لإنجاز غارة جوية ضد قوات هادي لأن المجلس لا يملك الأرقام اللازمة للتصدي لهم بمفرده.

إن هدف دولة الإمارات في اليمن وكذلك في أي مكان آخر في المنطقة هو الحد من قوة الجماعات الإسلامية السياسية مثل حزب الإصلاح اليمني الذي تعتبره تهديداً، والسيطرة على مضيق باب المندب الحيوي الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن – وهو واحداً من أهم قنوات الشحن في العالم. حماية هذا النوع  في جنوب اليمن يناسب كلا مشروعي القانون.

كما أعلنت الإمارات في يوليو أنها ستسحب غالبية قواتها من البلد، بيد أنها لا تزال تحتفظ بمعظم سيطرتها على الأرض من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي والميليشيات المتحالفة معها.

قال اللواء أحمد سعيد بن بريك إن دعم الإمارات في كل من الحرب ضد الحوثيين والمتطرفين السنة مرحباً به, كحاكم سابق لمحافظة حضرموت، كان له دور فعال في إخراج تنظيم القاعدة من مدينة المكلا قبل تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في عام 2017. “لقد فزنا بدعم وثقة أصدقائنا في الإمارات بجعل اليمن أكثر أماناً” وقال: “هذه شراكة متساوية بكل معنى الكلمة”.

يحظى المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم محلي قوي في عدن ومحافظات لحج وأبين والضالع المحيطة.

ومن غير المحتمل ابداً أن هادي سيحاول استعادة المدينة مرة أخرى. ومع ذلك، في بقية الجنوب, ليس للمجلس الانتقالي الجنوبي تأثيراً  قوياً، ويجب إجراء مفاوضات دقيقة مع هادي حول موارد البنك المركزي والحفاظ على الخدمات الحكومية, حيث لم يتم دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في عدن خلال الشهر الماضي.

قالت أم خالد عبد الرحمن، التي تبلغ من العمر 43سنة، وهي تتسوق للحصول على الإمدادات للعام الدراسي الجديد مع ابنتيها التوأم في سوق منطقة  كريتر: “لا يهمني من سيحكم”, “أريد فقط أن أكون قادرةً على إطعام أسرتي وان يدوم التيار الكهربائي لأكثر من بضع ساعات, هذا لم يحدث منذ سنوات.

الرئيس هادي بدوره يحتاج للمجلس الانتقالي الجنوبي لمواصلة السماح لحكومته بالوصول إلى مطار عدن.

ركزت محادثات وقف التصعيد في مدينة جدة السعودية في الأسابيع القليلة الماضية على الحاجة إلى أن يواصل  المجلس الانتقالي الجنوبي وهادي والإصلاح التعاون في الحرب ضد الحوثيين على عدة جبهات مختلفة وإعطاء مساحة لأصوات المجلس الانتقالي الجنوبي داخل الحكومة.

إن مقر السلطة لهادي وإصلاح في طريقه للانتقال إلى مدينة مأرب المركزية وكثيرة الغبار  والغنية باحتياطي النفط والغاز.

في السنوات القليلة الماضية، نجح محافظ مأرب، سلطان العرادة، في تحويل مأرب إلى مدينة مزدهرة على النمط الغربي حيث وجد النازحون من أماكن أخرى في البلد أماناً نسبياً.

وفي زيارة قصيرة إلى عدن  وفي طريقه، أخبر العرادة صحيفة الجارديان أنه يعتقد أنه يمكن إيجاد حل سلمي للاختلاف الجديد.

ما يحدث بعد ذلك يعتمد على ما إذا كان المجلس الانتقالي الجنوبي سيحاول تعزيز موقعه خارج مدينة عدن: يخشى معظم المراقبين حدوث مزيد من الاشتباكات في محافظة أبين، وهي نقطة الوسط بين عدن وشبوة الموالية للحكومة.

الشي الوحيد الاكيد في الحرب داخل الحرب هو أن المزيد من القتال سيؤدي إلى المزيد من معاناة المدنيين.

يبذل محمد وخديجة ربعية في مخيم النازحين في ضواحي مأرب قصارى جهدهم لإقامة منزل في الحرارة والرمال.

إنهم من المرتفعات الخضراء المورقة في حجة في شمال اليمن، لكنهم أُجبروا على المغادرة في مارس بعد أن شهدت منطقتهم قتالاً عنيفاً بين الحوثيين والقوات الحكومية, حيث استقروا في بادي الامر في عدن، ولكن خلال الاشتباكات الأخيرة قالوا إن أحد المقاتلين طرق الباب وأخبرهم أنه بصفتهم عائلة من الشمال، سيقتلون إذا لم يرحلوا في الصباح, أخذ الزوجان أطفالهما الثلاثة الصغار والقليل الذي يمكنهم حمله وهربوا إلى مأرب.

قال محمد ،البالغ من العمر 35عاماً، الذي يتعين عليه مغادرة الأسرة للعودة إلى العمل في المملكة العربية السعودية: “هذه ليست حياة بالنسبة لنا”, “لكن الحرب تستمر, لا أعرف إلى أين سينتهي بنا المطاف بعد ذلك”.

( صحيفة” الجارديان” البريطانية)

 

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.