انتهج الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” سياسة المد والجزر مع إيران على خلفية  الهجمات التي استهدفت منشأتي بقيق وهجرة خُرَيص التابعة لشركة أرامكو النفطية السعودية والتي يعد أحدهما أكبر معمل لتكرير النفط في العالم.

بقلم: جوسلين كولون

(صحيفة “لا برس-  la presse” الكندية, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

توعد الرئيس “ترامب” في أول رد فعل له إيران في حال ثبت تورطها في الهجمات التي استهدفت اثنين من المنشآت النفطية السعودية, وما أن مرت ساعات قليلة على تلك التصريحات خفض من حدة لهجته وكان أكثر حذرا.

 

إن الهجوم بالطائرات بدون طيار والصواريخ وفقا للمتخصصين، لا ينم إلا عن مجموعة أو دولة ذات قدرات متطورة, فالأسلحة المستخدمة، ودقة الضربات، والأضرار التي لحقت بالمنشآت, تؤكد على مدى الوسائل المالية والعسكرية والبراعة الكبيرة في التخطيط للعمل.

يشير هذا الهجوم عن مدى نقاط الضعف الأساسية التي تعاني منها الحكومة السعودية, حيث عجزت عن استخدام قواتها المسلحة ومعداتها العسكرية التي اشترتها بعشرات المليارات من الدولارات من الغرب, بالرغم من كون الهدف من شراءها هو الدفاع عن أنفسهم أو دعم التدخلات العسكرية.

استهداف معامل النفط التابعة لشركة ارامكو السعودية بطائرات بدون طيار

تم نشر ما يقرب من 500 الف جندي أمريكي على الأراضي السعودية في العام 1991,  خلال حرب الخليج، وذلك من أجل الدفاع عن المملكة ضد التهديد العراقي وطرد جنود الرئيس صدام حسين من الكويت, كما يتمركز الآلاف من الجنود الباكستانيين في الأراضي السعودية لما يقرب من 30 عاماً على الأقل, للدفاع عن السلالة الحالية وتقوية الجناح الجنوبي للمملكة على الحدود مع اليمن.

أعلنت الرياض بدأ عمليات التدخل العسكري في الحرب الأهلية في اليمن أواخر مارس من العام 2015, وبالرغم من جيشها ذو التقنيات العسكرية المتطورة, إلا أنها, مرة أخرى، غير قادرة على هزيمة تمرد القرون الوسطى, حيث أن  كل ما تمكنت من فعله هو تدمير البلد, وذلك وفقاً للتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة التي وصفت الوضع الحاصل في اليمن بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

إن الاهتمام الوحيد الذي تمثله المملكة العربية السعودية هو إنتاجها النفطي اللازم لأداء الاقتصاد العالمي, وإذا نجحت إيران في زعزعة استقرار المملكة وإبطاء عمليات إنتاجها النفطي, إن لم يكن إيقافه، فأن العواقب قد تكون كارثية بالنسبة لأوروبا واليابان.

تهدئة اللعبة:

وفي مواجهة هذا الضعف بشقيه العسكري والإستراتيجي, لم يعد من المستغرب محاولة تهدئة اللعبة في واشنطن، ولكن في موسكو وباريس أيضاً.

وهكذا، يبدو أن الرئيس ترامب قد تراجع في مواجهة العواقب التي يمكن أن تؤدي إلى رد أمريكي, فهو ينتظر الآن المزيد من التفاصيل حول تلك الهجمات والمدهش أن العديد من أصدقائه يعطونه ذريعة جيدة لعدم توجية ضربة عسكرية لإيران.

ومن جانبها, أرسلت الأمم المتحدة خبراء إلى المنطقة لإجراء تحقيق، وانضمت فرنسا إلى البعثة, كما دعا الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين، الصديق الحميم للرئيس ترامب، إلى إجراء تحقيق “شامل وموضوعي” للوقوف على  الحقائق بعناية وموضوعية وترك الشكوك جانباً في الاتهامات السعودية ضد إيران.

إن نشر الخبراء الغربيين على الأرض يفتح مجالاً للتفكير حول الاستقرار في المنطقة والمشاركة الأمريكية فيها.

يأتي هجوم الذي استهدف المعامل التابعة لشركة ارامكو ضمن سياق المواجهة بين إيران والرياض من أجل التفوق في منطقة الشرق الأوسط, جيث تدور هذه المعركة من قبل الجهات الفاعلة المتداخلة في فلسطين, ولبنان, واليمن, وسوريا والعراق, التي لا تزال تواصل ارتفاعها بوتيرة عالية, حيث يرى العديد من الخبراء أن الجهات الخارجية قد فقدوا التأثير على هذه المسرحية.

عمل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على خفض عدد القوات العسكرية الأمريكي في المنطقة بشكل كبير, كما سار  دونالد ترامب على خطى سلفه, في حين ملأت روسيا الفراغ قليلاً بعودتها إلى سوريا، لكن قوتها العسكرية والاقتصادية محدودة جداً بحيث لا يمكن أن يكون لها أي تأثير على الوضع.

وهكذا وجدت طهران والرياض نفسهما وجها لوجه, وفي واشنطن، تتصاعد الأصوات المنادية بضرورة إعادة الإدارة الأمريكية النظر بشكل كامل في سياستها في المنطقة برمتها.

ومن على منبر صحيفة الغارديان البريطانية، أشار مساعد وزيرة الخارجية السابق في عهد الرئيس أوباما إلى ضرورة دعم البلدين, واصفاً إياهما بأنهما يضران بالأمن الدولي بنفس القدر, حيث دعا إدارة الرئيس ترامب للخروج من قوقعة الماضي, مشيراً إلى أن الوقت قد حان لتغيير العلاقة مع الرياض بشكل جذري, وضرورة الحديث مع إيران حول مدى نطاق مخاوفها والجمع بين المعارضين للحد من التوترات في المنطقة.

إن  تردد الرئيس ترامب في الدخول في صراع مع إيران يثير تساؤلات في منطقة  الشرق الأوسط, وفي حال لم يعد الحليف الأمريكي مستعداً للعب دور رجل الشرطة، فلا يزال هناك إلا حل واحد فقط والذي يكمن في إيجاد طريق للدبلوماسية مع إيران.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.