محمد محسن الجوهري*

ما يجمع الخائنين ليس فقط تاريخ الهلاك، بل الإيمان الأعمى بمنطق القوة والاعتماد على الدعم الأجنبي كحصن واقٍ. لقد نسي كلاهما أن الشعوب التي قاومت عقوداً لا يمكن أن تستسلم لإغراءات مرتزق يرتدي عباءة القيادة.

ولم تكن المفارقة الزمنية سوى رسالة ثقيلة الدلالة، فالتاريخ ذاته يعيد إنتاج المشهد، ويؤكد أن الخيانة، مهما تنوعت جغرافيتها وتبدلت لافتاتها، لها المصير نفسه. ياسر أبو شباب لم يكن حالة شاذة في سياق الصراع، بل حلقة مكررة في سلسلة طويلة من الأدوات المحلية التي راهنت على الخارج، وتحديدًا على المشروع الإماراتي الصهيوني، ظنًا منها أن الارتهان للعدو يمكن أن يصنع لها مجدًا أو يحفظ لها نفوذًا. وكما ظن علي عبدالله صالح من قبل أن موقعه وتاريخه يمنحانه حصانة خاصة، توهم أبو شباب أن غزة يمكن أن تُختَرق من الداخل عبر واجهات محلية تحمل السلاح بيد، وتفتح الأبواب للعدو باليد الأخرى.

لقد كان كلاهما نموذجاً للارتهان الرخيص، يبيعان كرامة الأوطان وتضحيات الشعوب في سوق النخاسة الإماراتي الأمريكي، غير عابئين بالدماء التي سالت ولا بالتاريخ الذي سيلعنهما. علي صالح (عفاش اليمن) تخلى عن خط المقاومة وتحالف مع العدوان متوهماً العودة إلى السلطة على جثث أبناء شعبه، فكانت نهايته درساً قاسياً لكل من يظن أن تحالفه مع الشيطان يمكن أن يمنحه حصانة أو نجاة.

لقد علمتنا التجارب أن الخائن لا يُستَخدم إلا مرحليًا، وأن قيمته تنتهي لحظة استنفاد دوره. فالمشروع الصهيوني لا يؤمن بالحلفاء، بل بالأدوات، وعندما تتآكل صلاحية الأداة أو تنكشف شعبيًا، تُرمى خارج الحسابات دون تردد. هذا ما حدث مع عفاش اليمن حين أحرق أوراقه كلها، وهذا ما تكرر مع عفاش غزة الذي تخيل أن العداء لقوى المقاومة يمكن أن يجعله مقبولًا أو محميًا. في الحالتين، كان الرهان واحدًا: بيع القضية مقابل النجاة الشخصية، وكانت النتيجة واحدة: سقوط مدوٍّ بلا أسف ولا وفاء.

وإذا كان علي عبدالله صالح قد فتح باب الخيانة على مصراعيه في اليمن ورسّخ ثقافتها في مؤسسات الدولة والجيش، فإن نماذج من شاكلته في فلسطين حاولت استنساخ التجربة ذاتها، متجاهلة أن المجتمعات الواقعة تحت الاحتلال أو العدوان لا تنسى، وأن الدماء التي تُراق بسبب الطعن من الداخل تكون أثقل حسابًا من رصاص العدو المباشر. لذلك، لم يكن مصير أبو شباب معزولًا عن سياقه، بل جاء كخاتمة منطقية لمسار بدأ بالخيانة وانتهى بالعزلة ثم السقوط.

إن تكرار المشهد في اليوم ذاته ليس مجرد صدفة زمنية عابرة، بل تأكيد على قانون ثابت: أن من يربط مصيره بالعدو، ينتهي دائمًا في اللحظة التي تتطلب منه التضحية النهائية. فلا الإمارات تحمي أدواتها حتى النهاية، ولا الكيان الصهيوني يمنح عفوًا للخونة، بل يتركهم يواجهون مصيرهم حين تنتفي الحاجة إليهم، ليكونوا عبرة لغيرهم، ودليلًا جديدًا على أن الخيانة طريق قصير، مهما بدا طويلًا في حسابات أصحابها.

كان عفاش اليمن يظن أن تحالفه اللحظي مع المعتدين سيغفر له تاريخه الأسود ويمنحه فرصة ثانية لحكم دولة رفضته، لكنه واجه قوة الإيمان والصمود التي لم تستمد قوتها من الطائرات ولا الدبابات، بل من عدالة قضيتها. وبالمثل، ظن عفاش غزة أن التنسيق الأمني والعمالة السرية ستجعله الرقم الصعب في معادلة المستقبل الفلسطيني التي ترسمها أيدي الأعداء، فراهن على الحصان الخاسر.

إن سقوطه المذل يوم 4 ديسمبر هو ختم النهاية على صفحة سوداء من التآمر والارتزاق. فكل قطرة دم سالت دفاعاً عن غزة أو اليمن كانت تلعنه، وكل صاروخ انطلق في وجه العدوان كان يحرق خيوط مؤامراته. لقد ظن أن جسده سيوارى في صمت، لكن القدر اختار له تاريخاً شاهداً يربطه بالخائن الذي سبقه، ليصبح يوم 4 ديسمبر رمزاً لانتهاء عهد الخونة في الأمة، وتأكيداً على أن مصير العمالة هو الجزاء الحتمي، وأن الأوطان لا تباع ولا تشترى.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب