في اليمن.. خونة الشمال مع انفصال الجنوب
محمد محسن الجوهري*
مشهد آخر يثبت أن الاصطفافات في اليمن لا تُبنى على قناعات وطنية أو رؤى فكرية، بل على حجم التمويل، واتجاه الريح، ومصالح القوى الإقليمية التي فتحت أبوابها لشرائح من القيادات اليمنية فحوّلتهم من لاعبين إلى أدوات تتحرك وفق الحاجة.
فالعملاء لا دين يجمعهم ولا مبدأ وطنياً يردعهم. وتتبدل مواقفهم كلما تبدل موقف الممول، وتتلون تصريحاتهم بلون راعيهم الخارجي، ولهذا نرى اليوم حالة الانسجام الغريبة بين طارق عفاش وزمرته وبين مشروع "الانفصال" الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي. هذا الانسجام ليس ثمرة تقارب تاريخي أو وحدة هدف، وانما نتيجة طبيعية لأن مصدر التمويل واحد، والراعي واحد، والمصلحة المشتركة تتقاطع عند أبواب ال أبيب وأبو ظبي.
ولو كانت أسرة صالح متمسكة بوحدة اليمن حقًّا – كما كانت ترفع شعاراتها طوال عقود – لوقفوا في وجه المجلس الانتقالي حين أعلن مشروعه، حتى لو كلّفهم ذلك فقدان الدعم الإماراتي أو خسارة الامتيازات التي يحصلون عليها. أما أن تتغير المبادئ بمجرد تحوّل الدعم من جهة إلى أخرى، فذلك يعكس طبيعة ارتباط هذه القيادات بمصادر قوتها، لا بمصادر شرعيتها الوطنية.
والحقيقة أن هذه الأسرة – منذ عهد الرئيس السابق – كانت دائمًا جزءًا من لعبة النفوذ الإقليمي. فلم يكن القرار الوطني في عهد علي عبدالله صالح يمنيا خالصًا، بل تأثر بمبادلات سياسية واقتصادية مع القوى الكبرى في المنطقة. فقد كان الرجل قويًا في الداخل، يمسك بقبضة حديدية على الشعب، لكنه على أبواب القوى الخارجية كان أكثر ليونة وخضوعًا، وهي مفارقة لطالما رصدها المثقفون والشعراء.
ولذلك قال عنه البردوني في قصيدته الشهيرة "أمير النفط"، حين وصف حكام صنعاء بأنهم:
"وحكامون في صنعاء… وبوابون في بابك"
وهو بيت تختصر دلالاته مشهدًا كاملًا من التبعية التي ظلت تتحكم في القرار اليمني لعقود من حكم العميل صالح.
واليوم، بعد سنوات من التفكك والحرب في الجنوب، تتكرر المشاهد ذاتها بصور جديدة، فالقوى التي كانت تتغنى بالوحدة باتت تتعايش مع مشاريع الانفصال، وتلك التي كانت ترفع راية السيادة باتت تعتمد على الأبواب الخارجية في تمويلها وبقائها. بين شمالي يقاتل تحت راية الانتقالي، وضابط يخدم أجندة ليست يمنية، وقائد يغيّر تحالفاته كما يغيّر بدلته، وهكذا هم عفاش، رعاة العمالة في الداخل وتجار الوطنية.
الكارثة ليست هنا فقط، وإنما في غياب الوعي الجنوبي أيضاً، فال عفاش الذي نكبوا الجنوبيين بالأمس، هم نفسهم دعاة تمزيق البلاد اليوم بتحالفهم مع المجلس الانتقالي، وعندما ينقلبون على الجنوبيين، كما رأينا بعد الوحدة، سيحمل أبناء الجنوب الشماليين كافة مسؤولية الغدر، وينسوا أنهم تحالفوا هم مع خونة الشمال ومكنوهم من رقابهم، وان أغلب الشماليين لا علاقة لهم بهذه الأسرة العميلة بشهادة ثورة ١١ فبراير التي أثبتت للجميع أن الشعب اليمني لا يؤيد ال عفاش ويرفض ساسة الخيانة والعمالة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

