مقابلة .. الرياض حبيسة حرب اليمن
يتحدث ديفيد ريجولت روز، المدرس والباحث والخبير في شؤون الخليج والمستشار في العلاقات الدولية، عن مدى تأثير هجوم الطائرات بدون طيار على منشآت النفط السعودية التابعة لشركة "أرامكو", لصحيفة " لوريان لو جور" اللبنانية.
حاورته : كارولين حايك
يروت, 23 سبتمبر, 2019( صحيفة ” لوريان لو جور” اللبنانية, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)
تبنى المتمردون الحوثيون في اليمن الهجوم الذي استهدف منشأتين نفطيتين تابعة لشركة أرامكو العملاقة في المملكة العربية السعودية بطائرات بدون طيار, حيث أدانت الولايات المتحدة على الفور موجهتاً أصابع الاتهام لإيران.
الصحيفة: ما هو نطاق الهجمات الذي استهدف المنشآت النفطية السعودية؟
ديفيد ريجولت روز: ضربت عشرات الطائرات بدون طيار مواقع حساسة للغاية في المملكة العربية السعودية, حيث تقع هذا المواقع بالقرب من ما يسمى “المثلث الهيدروكربوني” الدمام- الظهران-الخبر، في المنطقة الشرقية.
وهذه ليست هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف البنية التحتية النفطية، حيث تعرضت البنية النفطية السعودية للعديد من الغارات الجوية:
14 مايو: تعرضت محطات الضخ لخط أنابيب “شرق -غرب” لنقل النفط الخام الذي يربط الحقول في المنطقة الشرقية بميناء ينبع على البحر الأحمر لغارة جوية بطائرة بدون طيار.
17 أغسطس: تعرض حقل الشيبة الواقع بالقرب من حدود الإمارات العربية المتحدة لهجوم مماثل.
ومن جانبها, وصفت الحركة الحوثية هذا الهجوم بأنه الأكبر على الإطلاق, وفي المقابل فإن عواقب الهجمات التي استهدفت منشأتي بقيق وهجرة خُرَيص ليست بالهينة.
واليوم, نحن أمام مخطط “حرب الطائرات بدون طيار”, ولكن هذه الهجمات تحمل في طياتها رسالة اقتصادية أكثر من كونها جيوسياسية, كما ألقى هذا الهجوم بظلاله على سوق الأوراق المالية والمصرفية.
ومن ناحية أخرى, فان هذا الهجوم يعتبر بمثابة وسيلة لإعادة تأمين خطوط الإمدادات العالمية وطرح مسألة استقرار عالم النفط.
حريق في منشأة بقيق النفطية التابعة لشركة أرامكو, إثر الهجوم اذي استهدفها بعدد من طائرات بدون طيار/ صورة لوكالة فرانس برس
الصحيفة: تبنى الحوثيون الهجوم, في حين وجهت واشنطن أصابع الاتهام لطهران, لذا هل يعتبر الهجوم جزء من المواجهة الأمريكية الإيرانية, أم جزءاً من التدخل السعودي في اليمن؟
ديفيد ريجولت روز: من الواضح أنه لا يمكننا الفصل بين الحالتين, وعلى أساس واقعي بحت، أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم, حيث تحظى هذه الحركة بالدعم السياسي من قبل طهران, ففي مطلع سبتمبر الجاري قام الحوثيون بتعيين إبراهيم محمد الديلمي سفيراً لهم في طهران، وهذا بمثابة اعتراف صريح بالدعم السياسي إذا لم يكن هناك شيء آخر, وهذا ما يفسر ما سمح لوزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” باتهام طهران مباشرة, ولكن دون ” دليل دامغ” من خلال النظر في أن الحوثيين هم مجرد وكلاء للإستراتيجية الإيرانية في المنطقة والتي وضعها الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس, بالإضافة إلى التصريحات التي أدلى بها نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في 23 يوليو المنصرم والذي له اليوم صدى خاص إلى حد ما: “إذا لم تتمكن إيران من تصدير نفطها، فلا يمكن لأحد”.
الصحيفة: ما مدى صحة النظريات القائلة أن هذه الطائرات اقلعت من العراق وليس من اليمن؟
ديفيد ريجولت روز: تشير بعض المصادر الأمريكية والإسرائيلية إلى احتمال أن تكون الطائرات بدون طيار قد اقلعت من العراق، نظراً للمسافة الواقعة بين مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن والمواقع المستهدفة والتي تبلغ 1500 كم.
وهذا يثير بالتأكيد تساؤلات من حيث اللوجستيات الباليستية, ففي المعرض الذي أقيم في 7 يوليو، قدم الحوثيون أحدث طائراتهم وصواريخهم المسلحة من طراز “صماد 3” و”قاصف “2K، التي يقال إن بعضها قد بلغ مداها 1500كيلومتر.
إن التحسن التكنولوجي في القدرة الباليستية في معسكر الحوثي أمر لا جدال فيه, كما تأتي شائعات الإطلاق من العراق وسط تقارير عن قصف إسرائيلي للميليشيات الشيعية في العراق في الأسابيع الأخيرة لمنع نقل التكنولوجيا الباليستية الإيرانية إلى وكلاء إيران في العراق, في حين أنه من الصعب جداً معرفة ما يجري بالفعل، فلا يمكننا استبعاد أي شيء بالنظر إلى الطبيعة الضارة لهذا الوضع.
الصحيفة: وفي المقابل, ماذا يمكن أن يعني هذا الهجوم فيما يتعلق بعدم قدرة الإدارة السعودية على حماية أراضيها؟
ديفيد ريجولت روز: هذه ليست هي المرة الأولى التي جعلت فيها الطائرات بدون طيار وصواريخ السعودية في مرمى نيرانيها، ولكن عندما يتعلق الأمر بهجوم عميق, فإنه يثير بالفعل مسألة تأمين الأجواء السعودية, خصوصاً أن الرياض تمتلك من الناحية النظرية بطاريات صواريخ باتريوت باك-3, حيث حصل عليها السعوديون في نهاية نوفمبر من العام 2018 مقابل 15مليار دولار للنظام الأمريكي المضاد للصواريخ ثاد -الدفاع الطرفي لمنطقة الارتفاع العالي- والقادرة على الأرجح على اعتراض الصواريخ التي يتراوح مداها أقل من 800 كم مع ما يسمى الحد الأدنى لمسارات الطاقة أو الصواريخ التي يصل مداها إلى أكثر من 1500 كم مع ما يسمى بمسارات “المتوترة” والتي كانت قد بدأت في الانتشار بالقرب من الحدود مع العراق.
فقد كان هناك شائعات نُشرت في الصحافة العربية في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك موقع الخليج أون لاين في منتصف سبتمبر الماضي، بأن السعوديين طلبوا من الإسرائيليين -الذين نفوا أي نقل لهذا النوع من التكنولوجيا- الاستفادة من الأمن الذي يوفره نظام ” القبة الحديدية” – نظام دفاع جوي بالصواريخ ذات القواعد المتحركة- والحماية من هذا النوع من هجمات الطائرات بدون طيار التي يصعب التصدى لها بشكل خاص على عكس أي هجوم باليستي تقليدي.
وبالتالي، هناك قدر كبير من القلق لدى السلطات السعودية بشأن هشاشة أمن المجال الجوي للمملكة, كما أنه يثير تساؤلات حول “الحماية” الأمريكية, وبهذا الخصوص, أجرى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وولي العهد السعودي محمد بن سلمان اتصال هاتفي لمناقشة هذه القضية الإشكالية المتمثلة في التهديد الباليستي المتزايد للمملكة.
الصحيفة: هل سيناريو الرد من جانب الرياض وارد؟
ديفيد ريجولت روز: سيكون الأمر صعباً لأن الرياض الآن محاصرة بالحرب في اليمن, كما أنها لسعودية تركت إلى حد ما من قبل أبو ظبي لاسيما في الجنوب, حيث ظهرت عليها علامات الانسحاب منذ عدة أسابيع.
وعلى نحو متزايد, يجد ولي العهد السعودي نفسه وحيداً في عملية عسكرية بدأها أواخر مارس من العام2015 , وربما كان هذا غير منطقي إلى حد ما، نظراً إلى السوابق، خاصة مع فشل السعودية في حرب صعدة التي اندلعت في الفترة ما بين 2009– 2010, حيث لم يتمكن الجيش السعودي من أثبات فعالية عسكرية واضحة.
أما طهران فهي في حالة جيدة للدفاع عن نفسها ضد التهم الموجهة إليها من خلال الإشارة إلى الحصار الفعلي للتحالف العربي السني في البحر الأحمر والذي لن يسمح لها بنقل الإمدادات الباليستية إلى الحوثيين.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.