هل ستدفع القوى العظمى في يوماً ما, ثمن ما فعلوه في اليمن؟
بقلم: داريوس شاتاهماسيبي*
(موقع “اجورا فوكس- agoravox” الفرنسي, ترجمة: أسماء بجاش)
كشف تقرير الصادر مؤخراً عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن الدور الذي تلعبه كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية, والمملكة المتحدة وفرنسا في تدمير اليمن، مما أثار مناقشات حول الحاجة إلى مساءلة المسؤولين عن هذه وقوع هذه المذابح.
قالت الناشطة الحقوقية “توكل كرمان” الحائز على جائزة نوبل للسلام في العام 2011 والمنادية بحرية الصحافة، لصحيفة “يمن تايمز” ذات مرة: “سيأتي يوم يدفع فيه جميع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان ثمن ما فعلوه في اليمن”, جاء هذا التصريح قبل سنوات من السماح للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في تدمير السكان المدنيين في اليمن بالكامل من خلال العديد من الإجراءات الجنائية.
وبفضل التقرير الصادر عن هيئة الأمم المتحدة والذي صدر مطلع سبتمبر الجاري، قد نكون أقرب إلى اليوم الذي سيتم فيه الحكم على الأعمال الإجرامية لجميع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان الذين استخدموا الشعب اليمني في لعبة الشطرنج الجيوسياسية القاسية لتعزيز أجندتهم الخاصة, وفي المقابل, هل ستتم محاسبة الحكومات الغربية على تصرفاتها أم أنها لا تزال تتمنى ذلك؟
وبالنسبة لأولئك الذين تابعوا ووثقوا الصراع في اليمن عن كثب، فإن تقرير الأمم المتحدة لا يخبرنا بالضبط بأي شيء لا نعرفه أو نشتبه فيه بالفعل.
تنص الوثيقة على أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى الجناة الواضحون في منظومة التحالف العربي الذي تقوده الرياض، لديهم درجة من التواطؤ في مسلسل جرائم الحرب المحتملة على مدى السنوات الخمس الماضية، بما فيها الغارات الجوية, والقصف العشوائي, والقنص, والألغام الأرضية, والقتل, والاحتجاز التعسفي, والتعذيب, والعنف الجنسي والجسدي واستخدام المجاعة كإحدى وسائل الحرب.
من المثير للاهتمام تسليط فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة الضوء على الأفراد الذين قد يكونون مسئولين عن الجرائم الدولية تلك, حيث أحالوا هذه الأسماء إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة, وفي حين كان تحديد الأسماء غير ممكن، عمل فريق الخبراء على تقديم ملاحظات عن المجموعات المسئولة بدلاً من ذلك.
هل يمكن أن يكون مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والذي تعتبر المملكة العربية السعودية أحد الأعضاء فيه حتى نهاية العام, جاد في رغبته في محاسبة المتورطين؟
ومن جانبه, قال رئيس فريق الخبراء:” إن الإفلات من العقاب المتوطن بالنسبة للانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبتها جميع أطراف الصراع لا يمكن السكوت عنها.
كما يجب تمكين التحقيقات النزيهة والمستقلة لمحاسبة أولئك الذين لا يحترمون حقوق الشعب اليمني, في حين يتوجب على المجتمع الدولي التوقف عن غض الطرف عن هذه الانتهاكات والوضع الإنساني الذي لا يطاق.
وبحسب التقرير الصادر، فإن الآثار المترتبة على هذا الأمر أبعد من المتوقع, وإذا أردنا اعتماد نتائج التقرير، فحتى دولاً مثل أستراليا يجب أن تعيد النظر في سياساتها.
لا داعي للقلق، لأنه وفقاً لما قاله المتحدث باسم الحكومة البريطانية: “كانت المملكة المتحدة في طليعة الجهود الدولية لإيجاد حل دبلوماسي لصراع المروع الذي تعيشه اليمن.
في حقيقة الأمر، تعكف حكومة المملكة المتحدة على تقديم العون لدول التحالف العربي الذي تقوده السعودية في جميع العمليات القتالية, حيث يتواجد أفرادها في غرفة القيادة والسيطرة التي تنسق تسير العمليات الجوية, كما تعتبر المملكة المتحدة أحد الموردين الرئيسيين للأسلحة, كما تعمل على تدريب الطيارون السعوديون وصيانة وإعداد الطائرات البريطانية العاملة دخل المملكة, ناهيك عن توفير قوات للمساعدة في المهمات البرية بقيادة الرياض داخل الأراضي اليمنية، والقائمة تطول…..
وفي تصريح لأحد موظفي شركة “بي أي إي ” متعددة الجنسيات والمختصة في الصناعات الجوية والدفاعية للقناة البريطانية الرابعة، “إن السعوديون لا يستطيعون فعل أي شيء بدوننا, وإذا لم نكن هناك، في غضون 7 إلى 14 يوماً، فلن تتمكن مقاتلة سعودية واحدة من التحليق في السماء, ومن المحتمل أن يكون هذا هو ما دفع المؤرخ البريطاني مارك كورتيس إلى الحديث عن هذا الآمر, حيث قال في أحد تغريداته: “لم يُحاسب أي وزير في فترة ما بعد الحرب على جرائم الحرب التي ارتكبت في الخارج، وذلك بالرغم من العديد من الأحداث المروعة في السياسة الخارجية للمملكة المتحدة.
في الوقت نفسه, يجب عدم إغفال الذكر عن ما يقوم به قصر الأليزيه الفرنسي, ففي الوقت الذي يقوم فيه الرئيس إيمانويل ماكرون بجولة حول العالم متشدقً بشعارات الإنسانية وداعياً إلى التسامح والاحترام والدبلوماسية في جميع أنحاء العالم, فأن هذا التقرير يعد بمثابة تذكير صارخ بأن فرنسا لها نفس القوة الاستعمارية لضرب البلدان الفقيرة خلف الأبواب المغلقة, حيث كشفت وثيقة مسربة من مديرية الاستخبارات العسكرية بوزارة الدفاع الفرنسية عن استخدام الأسلحة الفرنسية في حرب اليمن, حيث سلطت تلك الوثيقة الضوء على صفقات بيع الأسلحة الفرنسية من دبابات وأنظمة صواريخ موجهة بالليزر التي تم بيعها إلى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أبرز رواد حرب اليمن.
وبحسب ما ورد, تم تقديم هذه الوثيقة إلى الرئيس الفرنسي ماكرون نفسه، الذي لا يمكن أن يختبئ اليوم خلف سحابة صورته الخارجية كوسيط سلام, ففي السابق، قالت فرنسا إن الأسلحة المباعة للمملكة كانت لأغراض دفاعية وليست هجومية, ووفقاً للتقارير، فقد أكدت صور الأقمار الصناعية والفيديو والصور الفوتوغرافية التي تم التقطها أن بعض هذه الدبابات التي اشترتها ابو ظبي, قد شاركت في هجمات دول التحالف العربي، بما في ذلك الحملة الوحشية التي تعرضت لها مدينة الحديدة الساحلية.
كما هو الحال مع المملكة المتحدة، فإن الدور الفرنسي في الصراع يتجاوز دور مبيعات الأسلحة, إذ تشير التقارير إلى أنه منذ بداية الحرب في اليمن, قاد افراد من سلاح الجو الفرنسي “مهمات استطلاعية” فوق مواقع تابعة للحركة الحوثية لصالح الرياض، كما عملوا على تدريب طياريها المقاتلين, وبحسب ما ورد فقد ساعدت البحرية الفرنسية في ضمان استمرار الحصار الاقتصادي المفروض على اليمن عندما انسحب الأسطول البحري التابع للإدارة السعودية لأعمال الصيانة في العام 2016.
لا يخفى الدور الوحشي الفظيع التي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية والجلي تماماً أمام كل من يتابع الصراع أو يفهم الطبيعة الأساسية للجغرافيا السياسية في منطقة الشرق الأوسط.
ولكن الشيء الذي سيكون مثيرا للاهتمام هو ما إذا كان هذا التقرير يعتبر بمثابة الخطوة الأولى في اتجاه يرى الولايات المتحدة الأمريكية مسئولة عن مشاركتها في هذه الأعمال الإجرامية الدولية.
وبحسب الرد الذي تلقيته من الأمم المتحدة عبر البريد الالكتروني يأمل مجلس حقوق الإنسان أن يتم تطور نتائجه وتوصياته نتيجة لاستمرار عملهم, بيد أنهم يلاحظون أن العديد من الدول ستعارض هذا السيناريو.
بدا أن المحكمة الجنائية الدولية منذ فترة قصيرة من الوقت تسعى إلى التعامل مع الطاغوت الاكبر الولايات المتحدة لجرائمهما التي ارتكبت جرائم في أفغانستان، ولكن الأمل في هذا المشروع انهار تماما في وقت سابق من هذا العام, إذ لم نتمكن من إجراء تحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في أفغانستان، وبالتالي فمن يعرف ما الذي يمكن أن نأمل في تحقيقه في مجال حقوق الإنسان في المستقبل القريب.
إن المفارقة هي أن الثلاثة المذنبين الرئيسيين: الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة وفرنسا يميلون إلى السير في جميع أنحاء العالم لإلقاء محاضراتهم على العالم حول مسائل تتعلق بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية, إلا أنه هذه المبادئ لا تنطبق على الشعب اليمني الذي يتعرض للعقاب الجماعي لأسباب لا تزال غير واضحة بالنسبة لي, وفي رأيي الشخصي، لا يمكن أن يكون توقيت إصدار التقرير أكثر ملائمة وقد يؤدي إلى نقاش عالمي حول الوضع المؤسف الذي يعاني منه اليمن الذي يعتبر أفقر دولة في العالم العربي.
أسفرت غارات جوية شنتها قوات التحالف العربي مطلع هذا الشهر عن مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة العشرات, حيث استهدفت تلك الغارة مركز اعتقال تديره جماعة الحوثي في اليمن.
ففي حال وضع القانون الدولي في جانب واحد، حتى المواطن العادي يعي جيداً أن مركز الاعتقال محظور حتى وان كانت في منطقة حربية, فهؤلاء المحتجزون إلى أين يمكن أن يركضوا في حالة شن غارة جوية؟
ووفقاً لرئيس بعثة الصليب الأحمر في اليمن، فقد تم العثور على “اشلاء 90 شخص”, مشيراً إلى هذا عمل قاسي للغاية، حتى بالنسبة للتحالف الذي تقوده الرياض.
لا يسع المرء منا إلا أن يأمل في أن يساعد تقرير الأمم المتحدة في وضع حد لهذه الأنواع من الهجمات في المستقبل، ولكن ليس عن طريق الضغط على المملكة العربية السعودية وحلفائها، ولكن عن طريق التأثير على صناع القرار الذين يمكّنون هذه الأعمال الرهيبة من المضي قدماً بلا هوادة.
وكما أسلفت سابقاً، لم يؤكد تقرير الأمم المتحدة أي شيء لم نكن نعرفه بالفعل من قبل، كما لم يوضح بالتفصيل أي شيء لم يعرفه المشرعون في جميع أنحاء العالم منذ سنوات.
بعبارة آخرى، لقد عرفنا منذ فترة طويلة التداعيات القانونية المحتملة لدعمنا لدول التحالف الذي يسحق ويدمر اليمن، وهذا لم يغير من تفكيرنا, حيث تطلب الأمر قتل الصحفي جمال خاشقجي, كاتب عمود في صحيفة “واشنطن بوست” كي تغيير برلين من نهجها, في حين أن قتل المدنيين الأبرياء لم يثنيها عن ذلك.
مرة أخرى، من المؤكد أن وجود تقرير أعدته مجموعة من خبراء الأمم المتحدة على مدى عامين مفيد لليمن، ومن يدري, قد يساعد في النهاية على تحقيق نبوءات الناشطة توكل كرمان على المدى المتوسط أو الطويل.
* داريوس شاتاهماسيبي: محلل قانوني وسياسي في نيوزيلندا يركز على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ, وهو مؤهل بالكامل كمحام في ولايتين قضائيتين دوليتين.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.