طفولة بلا تعليم.. طوابير الماء تحلّ محلّ طابور المدرسة في غزة
السياسية - تقـــــرير :
في ظلّ استمرار تداعيات الحرب على غزة، افتتحت وزارة التربية والتعليم العام الدراسي 2025–2026 في الثامن من سبتمبر الماضي عبر نظام التعليم الإلكتروني، مستخدمة "مدارس افتراضية" تبدأ حصصها عند الثالثة عصراً، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العملية التعليمية.
غير أن الواقع القاسي، المتمثل في انقطاع الكهرباء وفقدان آلاف العائلات لأجهزتها الإلكترونية، جعل هذا الحلّ بعيداً عن متناول معظم الطلاب.
محمد عليان، طفل من منطقة الصفطاوي، أحد هؤلاء الأطفال الذين انقطعت صلتهم بالتعليم قسراً. يحمل جالونين كبيرين بحثاً عن الماء، يقول لموقع "فلسطين أون لاين"، اليوم الثلاثاء، إنه نسي الكثير مما تعلمه في السنوات الماضية، بعد أن شغلت الحرب يومه بين جمع الحطب وتعبئة المياه.
يتوقف ليمسح العرق عن جبينه بكم قميصه، ثم يضيف بصوت متعب: "الاحتلال دمّر المدارس ودمر شبكات المياه… كنت أحلم أن أكون مهندسًا، واليوم لا أعرف إن كنت سأعود للدراسة أصلاً".
محمد ورفاقه الذين يقفون في طابور طويل بانتظار دورهم لتعبئة الماء، يطرحون السؤال ذاته الذي لم يجدوا له إجابة: "ما ذنبنا؟ لماذا تُستهدف المدارس والأطفال؟ ولماذا تُدمَّر طفولتنا؟".
ويقول خضر، وهو طفل في التاسعة من عمره إنه ينطلق مع شقيقته كل صباح لتعبئة قربتين من المياه لكل واحد منهما، في رحلة تتكرر مرات عديدة خلال اليوم.
يقف الياس موسى، ذو التسعة أعوام أيضا، إلى جانب شقيقته الصغيرة سالي، في طابور يطول كل يوم.
وينظر إلياس، إلى جالون الماء الأصفر بين يديه ويتنهد، بينما يتمايل بجسده من الإرهاق والضجر، فبدلاً من حمل حقيبته المدرسية والتوجه إلى صفه كما كان يفعل ذات يوم، أصبح همه اليومي هو تعبئة الماء لعائلته، بعد أن فقدوا مصدر المياه الواصل لمنزلهم في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، إثر تدمير العدو الإسرائيلي لشبكات المياه والصرف الصحي بشكل ممنهج خلال الحرب المدمرة على قطاع غزة والتي بدأها في السابع من أكتوبر 2023.
بدورها تقول سالي، وهي تحمل قارورتي ماء بيدين ترتجفان من التعب: "اشتقت لمدرستي، لأقلامي، لحقيبتى ولأصدقائي الذين لا أعرف أين هم وما مصيرهم"..مضيفة: "أنا وأخي مسؤولان عن جلب الماء والحطب للطهي، لم أعد أعرف كيف أمسك القلم وما الذي تعلمته خلال السنوات الماضي".
وتتفاقم المأساة مع النقص الحاد في مياه الشرب، الذي يدفع السكان لاستخدام المياه المالحة في الغسيل والاستحمام والتنظيف، ما يعرضهم لمخاطر صحية كبيرة، خصوصاً الأطفال.
وتشير الإحصاءات إلى أن الحرب خلّفت أكثر من 25 ألف طفل بين شهيد وجريح، بينهم نحو 10 آلاف طالب فقدوا حياتهم أو أصيبوا، لتنهار بذلك أحلام جيل كامل كان يتهيأ لدفاتر جديدة وفصول مضيئة.
المدارس التي كانت تعجّ بالحياة تحوّلت إلى ركام، والكتب المدرسية استبدلت بطوابير ماء شاقة تحت شمس الظهيرة.
ولم يعد لدى الأطفال وقت للتعليم أو حتى اللعب؛ فقد أصبحت تعبئة الماء مهارة يومية يتقنونها أكثر من الكتابة، وصاروا أعمدة بقاء لعائلاتهم بدل أن يكونوا تلاميذ ينتظرون أجراس المدارس.
سبأ

