(موقع “لوبلوج” الامريكي, ترجمة: انيسة معيض-سبأ)

في شهر يونيو الماضي، ظل التحالف الفعلي بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر في مركز القيادة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، من ناحية التأثير على إدارة ترامب في مجموعة من القضايا مثل مقاطعة قطر، والاضطرابات السياسية في السودان والحرب الأهلية في ليبيا.

على الرغم من تصاعد معارضة الكونغرس للحملة العسكرية السعودية والإماراتية المدمرة في اليمن التي دخلت عامها الخامس الآن، اعترضت الإدارة على محاولات تعليق مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات واستمرت في دعمها سياسياً في معركتها ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.

محللون بارزون كثر في السياسة الخارجية في واشنطن تحدثوا مطولا بأن الطريقة الاكثر ضماناً والأكيدة لإنهاء الصراع الدامي هي تخفيف الولايات المتحدة دعمها للتدخل السعودي.

لكن منذ ذلك الحين، أصبحت التصدعات الصغيرة فيما بين التحالف السعودي الإماراتي كسور أكبر أثارت الشكوك في أواصر التضامن بينهما, وهما الدولتان اللتان تمتلكان ذات الثقل السياسي والعسكري في شبه الجزيرة العربية, أبرزها، يعد دعم الإمارات العربية المتحدة للحركة الانفصالية الجنوبية ضد حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي – الحكومة التي حاول الإماراتيون استعادة سلطتها في شراكة مع السعوديين منذ أن أطاح به الحوثيون في عام 2015 – ضربة قوية للحملة التي تقودها السعودية.

لقد أدت الفوضى الحالية إلى زيادة التشويش في استراتيجية واشنطن تجاه الخليج، مما يؤثر على سياستها تجاه إيران, بالإضافة إلى فرض تغييرات على نهج إدارة ترامب تجاه اليمن، فقد يؤثر ذلك أيضاً على مكانة كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في العاصمة الأمريكية.

تعرضت الروابط بين الرياض و أبو ظبي  لبعض التوتر وذلك لعدة أسباب على الأقل منذ أكتوبر 2018, عندما قُتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي المقيم في الولايات المتحدة وذلك في القنصلية السعودية في إسطنبول، تركيا.

في الوقت الذي يدعم فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والذي يعتقد على نطاق واسع أنه من أمر بالقتل، يبدو أن قادة الإمارات اعادوا النظر فيما يتعلق بحكمة ارتباطهم الوثيق بقيادته وسياساته.

فيما سبق كانوا راضين  بمجاراة  السعودية لتأثيرها في واشنطن وفعالية العلاقة القريبة بين محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي وحاكم الإمارات محمد بن زايد.

بدأ قادة الإمارات يشعرون بالقلق من أن سمعتهم نفسها يمكن أن تمرغ في الوحل حيث ان رصيد السعودية بدأ بالتراجع في واشنطن, وبناء على ذلك، فقد بدءوا بهدوء في الابتعاد عن بن سلمان ونظامه.

أثبتت حرب اليمن، مع ذلك، على أنها تمثل ضغطاً أكثر أهمية بالنسبة للعلاقات, على الرغم من أن التناسق الواضح من قبل أبو ظبي مع الرياض عسكريا ودبلوماسيا، بعد أن بدأ التدخل بقيادة السعودية في عام 2015 تأييداً لحكومة هادي المعترف بها دوليا، إلا انه قد أصبح واضحا على مدى 18 شهرا الماضية أو نحو ذلك، في الواقع، أن مصالح السعودية والإمارات في اليمن لم تكن متماثلة.

لطالما نظرت المملكة العربية السعودية إلى الصراع من خلال منظور نضالها مع إيران من أجل التفوق الإقليمي، ورأت أن دعم طهران للمتمردين الحوثيين يشكل تهديداً أمنياً رئيسياً وكجزء من استراتيجية لإنشاء منطقة نفوذ ونوايا معادية على طول حدودها الجنوبية.

ونتيجة لذلك، واصل السعوديون الحرب كجبهة أخرى في الصراع الوجودي المتصوَّر بين البلدين، بتطبيق تكتيكات الأرض المحروقة في اليمن التي أثرت بشكل كبير على السكان المدنيين والبنية التحتية، مما تسبب في أزمة إنسانية هائلة وربما تورط الولايات المتحدة وموردي الأسلحة الآخرين في جرائم الحرب، وفقا لتقرير خبراء الأمم المتحدة الصادر في 3 سبتمبر.

ومع ذلك، يرى الإماراتيون الأشياء بطريقة مختلفة نظراً للواقع الاقتصادي والقرب الجيوسياسي لاتخاذ موقف أكثر عملية تجاه طهران.

أثبتت الإمارات العربية المتحدة أنها أقل اهتماماً بفرض هزيمة على إيران وحلفائها من الحوثيين أكثر من تحقيق مكاسب محدودة معينة, وعلى وجه التحديد، أرادت أبو ظبي منع ميناء عدن الجنوبي من السقوط تحت سيطرة القوات الحوثية وبالتالي تعريض مسارات الشحن عبر باب المندب والتي تعتمد عليها المصالح الإماراتية بقوة.

توارت فكرة الانفصال عن الأنظار إلى حد كبير حتى الأسبوع الثاني من أغسطس، عندما تحركت القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، وهي حركة سياسية تناصر استقلال الجنوب عن الحكومة المركزية في صنعاء للاستيلاء على مدينة ميناء عدن وهي العاصمة المؤقتة لحكومة هادي.

أثارت هذه الخطوة جولة جديدة من الفوضى السياسية والعسكرية التي شكلت تهديداً جديداً وقوياً للدولة اليمنية، مما دفع حكومة هادي إلى المطالبة بإخراج الإمارات من التحالف.

كان الاستيلاء على عدن مؤلماً للقيادة السعودية في ضوء حقيقة أن الإمارات قد أمرت بسحب قواتها بشكل مفاجئ من اليمن في يوليو لصالح اتباع نهج “دبلوماسي”.

ربما يعكس هذا الإحساس المتنامي في أبو ظبي بأن هدف استعادة حكومة هادي لم يكن فقط غير واقعياً، بل كان غير مهماً أيضاً، طالما أمكن تأمين المصالح البحرية لدولة الإمارات من خلال المجلس الإنتقالي الجنوبي.

تسببت كلمة الانسحاب بالرعب في الرياض ووجهت ضربة قوية لقدرة التحالف على مواصلة الحملة ضد الحوثيين, حيث أخذت الأحداث منعطفاً أكثر خطورة في 29 أغسطس عندما ألقت حكومة هادي باللوم على الإمارات في قصف قواتها في عدن وزنجبار وهي مدينة ساحلية تقع على بعد 34 ميلاً إلى الشمال الشرقي، ودعت المملكة العربية السعودية إلى “وقف هذا التصعيد العسكري غير المشروع وغير المبرر, اعترفت الإمارات بالهجمات لكنها زعمت أنها كانت تستهدف الإرهابيين وليس القوات الحكومية.

وقد أظهرت هذه التطورات كلها الادراك بالانقسام الخطير والذي ربما لا يمكن إصلاحه بين الحليفين على الأرض.

الولايات المتحدة تغير المسار بشأن اليمن وإيران:

دفعت هذه الأحداث واشنطن إلى إعادة النظر في سياساتها وأصدقائها في الخليج ويبدو أن بعض التغييرات فيما يتعلق بكلاهما كانت جاهزة.

استجابة للتطورات في عدن، أصدرت وزارة الخارجية بياناً أشارت فيه إلى أنها “تشعر بقلق عميق” من العنف وتدعو إلى “الحوار” لحل الخلافات بين الأطراف المتحاربة.

لكن الادارة لم ترفق هذا بدبلوماسية تهدف لتقريب وجهات النظر السعودية الإماراتية لحل الخلافات.

في الواقع، ظهرت تقارير مؤخراً تفيد بأن إدارة ترامب التي دعمت حتى الآن السعوديين وحملتهم في اليمن، قررت فتح محادثات مباشرة مع الحوثيين في عُمان وتحث الرياض على المجيء إلى طاولة المفاوضات.

السبب في هذا التحول المذهل هو على الأرجح قلق الإدارة حول كيفية تأثير الوضع المتدهور في اليمن على سياستها تجاه إيران وهو الامر الاكثر اعتبار وأهمية للبيت الأبيض من أي شيء يحدث في اليمن نفسها.

أثارت استراتيجية واشنطن المتمثلة في “استراتيجية الضغط القصوى” على طهران,  إلى جانب نشر قوات عسكرية إضافية في الآونة الأخيرة في الخليج وتصعيد اللهجة ضد طهران أدت إلى زيادة فرص الحرب، فيما زادت الغارات الإسرائيلية الأخيرة في العراق وسوريا ولبنان من فرصة تعرض القوات الأمريكية في الشرق الأوسط لهجمات انتقامية وضمن هذا الإطار فإن الولايات المتحدة ترى في تدهور الوضع في اليمن، وانهيار التحالف السعودي الإماراتي حرفا عن الجهود الرئيسية، وهي مواجهة إيران، خاصة في حالة تطورت المواجهة إلى حرب في الخليج”.

في ظل هذه الظروف يبدو أن الإدارة تشعر بالقلق من أن الوضع العسكري المتدهور وانهيار الوحدة السعودية الإماراتية على الأرض في اليمن يمثل احتمال اندلاع حرب غير محسوبة بشكل متزايد، على الأقل، من شأنها أن تؤدي إلى تشتيت الانتباه لحدث مواجهة بين الولايات المتحدة ودول الخليج وإيران.

وفي الواقع، فإن تزايد وتيرة ونطاق هجمات الحوثي بالطائرات بدون طيار والصواريخ ضد النفط السعودي والبنية التحتية الاقتصادية الأخرى، على الرغم من أنه لم يتسبب في أضرار جسيمة تذكر حتى الآن, يسلط الضوء على مواطن الضعف في المملكة في حالة زيادة التوترات, ربما يكون هذا العامل قد أثر على تغيير الإدارة الأمريكية بالطبع وربما ساعد في إقناع البيت الأبيض بمحاولة إقناع السعوديين أو إلزامهم بالانضمام إلى المحادثات مع الحوثيين.

قد يثبت التغير الجديد في استراتيجية واشنطن بشأن اليمن أنه في جاء في وقته.

ومع الانهيار الواضح للتحالف السعودي الإماراتي في اليمن، سيجد البيت الأبيض صعوبة أكثر من أي وقت مضى في مواجهة الضغوط من المعارضين في الكونغرس للدعم العسكري الأمريكي للحملة السعودية في اليمن وجهود تشريعية جديدة لكبح الدعم الأمريكي للحرب الجارية بالفعل.

تركيز الكونغرس على المملكة العربية السعودية يتزايد؛ حيث قدم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جيمس إي ريش  قانون المراجعة الدبلوماسية السعودية لعام 2019, والذي يفرض مراجعة شاملة لسياسة الولايات المتحدة تجاه الرياض بالإضافة إلى أفعالها في اليمن وسجلها في حقوق الإنسان, وقال ريش لصحيفة الواشنطن بوست إنه يعتقد أن الرئيس دونالد ترامب قد يكون مذعناً للتشريع.

مخاوف أوسع: على التحالف الاستراتيجي للشرق الاوسط  مكافحة الإرهاب

تداعيات اليمن يمكن أن تؤثر على إستراتيجية الولايات المتحدة الإقليمية الأوسع, ولسبب واحد من المرجح أن تتعرض خطط التحالف الاستراتيجي  للشرق الأوسط الجديد (MESA) لمواجهة التهديدات الإقليمية -إيران بشكل أساسي- لمزيد من الخطر. تم إعلان في مايو 2017, عن بناء الهيكل الأمني الجديد إلى حد كبير على الحفاظ على الوحدة السياسية والعسكرية بين دول الخليج العربي والتي ستساهم في وضع القواعد والتمويل وتقديم أنظمة الأسلحة الحديثة الخاصة بها إلى هذا المجهود.

التوترات الحالية بين السعوديين والإماراتيين إلى جانب انسحاب مصر من التحالف المقترح في أبريل، والمقاطعة المستمرة بقيادة السعودية لقطر، والتردد المسبق للخليج من أجل زيادة التكامل العسكري تجعل مثل هذه الوحدة أكثر ضعفاً من أي وقت مضى, في حين أن الخطط الكبرى للوقوف في تحالفات عسكرية إقليمية و / أو تعزيز التعاون الأمني متعدد الجنسيات قد جاءت وذهبت على مر السنين، كان من المفترض أن يكون التحالف الاستراتيجي للشرق الاوسط الجديد   حجر الزاوية لسياسة الأمن الإقليمي للإدارة.

قد تهدد النزاعات بين الحلفاء في حرب اليمن المصالح الأمريكية الهامة الأخرى أيضاً، لا سيما المعركة للقضاء على عناصر القاعدة في اليمن.

انخرطت الولايات المتحدة عسكرياً في البلد خلال الحرب العالمية على الإرهاب التي قامت بها إدارة بوش؛ وفي عهد أوباما ثم ترامب، أصبحت المعركة طويلة الأجل ضد القاعدة في اليمن عاملاً مهماً في اتخاذ قرار الدعم الأمريكي للسعودية والإمارات العربية المتحدة.

وعلى الرغم من بعض النجاحات التكتيكية الكبيرة ضد الجماعة الإرهابية، فإن تحويل الأسلحة الأمريكية إلى عناصر القاعدة من قبل الرياض وأبو ظبي قوض الأهداف الأمريكية؛ يبدو أن الانقسام بين الحلفاء الآن من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من التدهور في حملة مكافحة الإرهاب، مما يوفر مساحة سياسية وجغرافية جديدة للقاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية لكي تعمل.

أخيراً، استندت استراتيجية إدارة ترامب في الشرق الأوسط إلى درجة غير عادية على العلاقات الشخصية للرئيس مع الحكام في الخليج ومصر – بالإضافة إلى إسرائيل – لتعمل كجبهة موحدة ضد إيران ومكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف السياسي، وتقديم الدعم لخطة صهره جاريد كوشنر للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي طال انتظارها.

مع اتساع الصدع بين القوى الخليجية، قد يجد الرئيس صعوبة أكبر في تحقيق النجاح على أي من هذه الجبهات مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

اغتراب المودة:

أين يمكن أن يؤدي هذا بعد؟ من الممكن ومن المرجح على الفور، أن تؤثر التطورات الأخيرة في اليمن على تحول في سياسة الإدارة الخليجية أو على الأقل الطريقة التي ينظر بها الرئيس ترامب إلى حلفائه الحاليين.

إذا كان الرئيس ينظر إلى الإخفاقات الأخيرة في اليمن كإشارة إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يعد قادراً على تقديم أو حتى الحفاظ على شركاءه في التحالف وبالتالي التأثير سلباً على أولوياته العليا في الخليج، فقد يقرر الرئيس أنه حان الوقت لإعادة تقييم علاقته مع محمد بن سلمان.

يمكن أن تكون العلاقة الوثيقة مع الإماراتيين قابلة للتعديل أيضاً؛ بعد أن تسببت في بعض الاستياء في واشنطن من خلال التراجع الواضح من قبل الامارات عن سياسة الإدارة الإيرانية المتشددة، وتعقيد الأمور بسلوكها في اليمن، فقد تصطدم الإمارات – ومكانتها – وولي عهد أبو ظبي بالرئيس ترامب.

بدلاً من ذلك، لو ان الرئيس كان قد عكس المسار فجأة وهندس انفتاحاً دبلوماسياً مع طهران، فإن شيئاً ما يظهر هو والإيرانيون انهما منفتحين عليه، لكن السعوديين والإماراتيين قطعاً, لا، وهذا قد يؤدي إلى توتر العلاقات مع الرياض وأبو أبو ظبي.

كلتا الحالتين ممكنتان، بالنظر إلى تقلبات الوضع في الخليج (التي تمثل كارثة اليمن أحدث مثال عليها) والطبيعة الزئبقية للرئيس ترامب وإذا حدث أي من هذه الأشياء – على الرغم من عدم وجود علامة الآن على أنها ستحدث – فإن العلاقات الخارجية في الخليج يمكن أن تكون في خضم تغييراً جذرياً بالفعل.

*تشارلز دن: زميل غير مقيم في المركز العربي بواشنطن.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.