بين الهدم والصمود.. عائلات مقدسية تقاتل للبقاء في ظل حرب التهويد
السياسية - تقرير :
في قلب مدينة القدس، حيث تتداخل رائحة التاريخ بصوت الأذان، يعيش المقدسي يعقوب الرجبي وعائلته على وقع عدٍّ تنازلي مرعب. فبعد 21 يومًا فقط، قد تتحول أحلامه وذكريات طفولته إلى ركام، بأمر من بلدية العدو الإسرائيلي التي قررت هدم منزله في حي البستان ببلدة سلوان، جنوبي المسجد الأقصى المبارك.
ليست قصة الرجبي استثناءً، بل جزء من حكاية مدينةٍ تُهدم ببطء. فمنذ عام 2005، يواجه حي البستان –الذي تبلغ مساحته 70 دونمًا– خطر الإزالة الكاملة، لتحويله إلى ما تسميه سلطات العدو الإسرائيلي “حديقة داوود”، في مشروع تهويدي يستهدف قلب القدس ومحيط الأقصى.
يقول الرجبي بصوتٍ يختنق بين الخوف والعجز لـ وكالة "صفا" الفلسطينية: “نعيش كل يوم على حافة المجهول، ولا نعرف أين سنذهب إن هُدم البيت. هذه أرضنا وذكرياتنا، ولن نهدمها بأيدينا مهما كان الثمن.”
يقطن الرجبي مع أسرته المكونة من 14 فردًا في بناية مهددة بالهدم، إلى جانب عدة محال تجارية تُشكل مصدر رزقهم. وتطالبه بلدية العدو الإسرائيلي بتنفيذ الهدم بنفسه خلال المهلة المحددة، وإلا ستقوم الجرافات بالمهمة وتفرض عليه التكاليف.
لكن حي البستان بأكمله يعيش المعاناة ذاتها. أكثر من 115 منزلًا يتهددها الهدم، و34 منزلًا جرى تدميرها منذ السابع من أكتوبر الماضي، بحسب لجنة الدفاع عن أراضي سلوان.
أما المقدسي أحمد أبو شافع، فقد أُمهل عشرة أيام فقط لهدم منزله البالغ 70 مترًا مربعًا، تحت التهديد ذاته. يقول بمرارة: “يريدون اقتلاعنا من هنا حتى لا نبقى الدرع الحامي للمسجد الأقصى. نعيش بين كابوسين: أن نهدم بيتنا بأيدينا أو أن تقتلع الجرافات حياتنا.”
ويؤكد ناشطون مقدسيون أن عمليات الهدم في المدينة تضاعفت بشكل غير مسبوق منذ الحرب الصهيونية على غزة، إذ استغل العدو انشغال العالم بالمجازر هناك لتصعيد حربه الصامتة على القدس. فقد هُدم أكثر من 217 منزلًا منذ أكتوبر الماضي بحجة “البناء دون ترخيص”، بينما تكاد تراخيص البناء للفلسطينيين تكون مستحيلة بفعل الشروط التعجيزية التي تفرضها بلدية العدو الإسرائيلي.
في سلوان، لا تنام الجدران على خوف، بل على إصرارٍ يورّثه الآباء للأبناء. فكل نافذة ما زالت مفتوحة رغم قرارات الهدم، وكل حجرٍ ما زال في مكانه، هو شهادة على أن القدس لا تُهزم بالجرافات، ولا تُفرغ من أهلها.
أمام آلة العدو الإسرائيلي التي لا تعرف الرحمة، يواجه المقدسيون المعركة بأبسط ما يملكون، الإصرار على البقاء.

