بقلم: ألان كافال

(صحيفة “لوموند” الفرنسية – ترجمة: محمد السياري –سبأ)

بينما يتضاعف عدد الجبهات المتناحرة منذ مطلع هذا الصيف، يعاني الحلفاء من تآكل وتفتت الروابط القائمة بينها وتشهد المدن تغيراً سريعاً في صناعة القرار بين ذاهب وقادم، ولطالما كانت تلك هي الحال السائدة في اليمن منذ بداية الحرب وعلى مدى أربعة أعوام ويزيد.

وفي السياق ذاته, لا تزال الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون تتعرض للخراب والدمار تحت طائلة القنابل وعمليات القصف العنيفة المستمرة التي تقوم بتنفيذها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.

منطقة ذمار الخاضعة لسيطرة المتمردين تُمطَر في اليوم الأول من الشهر الجاري بوابل من القنابل التي استهدفت مركز أمني للاحتجاز، ما أسفر عن سقوط أكثر من 100 قتيل، وفقاً لما جاء في التقرير الذي أعدته اللجنة الدولية التابعة للصليب الأحمر في صنعاء عقب عدة زيارات قامت بها إلى موقع الحادثة.

وفي إطار تلك الحادثة وعلى رأس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، ذهب فرانز راوشنشتاين إلى وصف ما حدث بـ”التجاوز الخطير والمخيف” مذكراً بأن السجناء والمعتقلين من فئة أولئك الذين سقطوا جراء تلك الحادثة يتمتعون بكامل الحماية والحقوق وفق ما تم الأنفاق عليه من قبل المجتمع الدولي في بنود ونصوص القانون الدولي لحقوق الإنسان والمدنيين.

أما بالنسبة للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، فقد ارتأت هذه الأخيرة من جانبها أن تبرر ما قامت طائراتها باقترافه من جرم بأنها “لم تكن على علم بأن المبنى يستخدم كمركز اعتقال أمني”؛ وفي مؤتمر صحفي صرح الناطق الرسمي باسم قوات التحالف، تركي المالكي، معللاً: “علينا أن ندرك جيداً بأنّ كل مبنى يمثل هدف عسكري مشروع طالما، وقد أستخدم كمستودع للطائرات المسيرة عن بعد وأنظمة الدفاع الجوي؛ ومما لا شك ولا خلاف عليه أنّ الميليشيات الحوثية تتحمل كامل المسؤولية عما نجم عن هذه الضربة من خسائر في الأرواح كونها قد وظفت هذا الموقع كوسيلة لاحتجاز المواطنين اليمنيين وعمليات الاخفاء القسري للمختطفين”.

وبرغم كل ما قيل في هذا الخصوص من تبريرات وتصريحات غير مسؤولة، تبقى تلك الحادثة بعيدة كل البعد عن أن توصف بـ”العادية” على حد قول راوشنشتاين الذي ندد بذلك مستنكراً ومضيفاً: “ليست هذه بالحالة التي يوصف فيها القتلى من المدنيين بالخسائر الجانبية أو الأضرار الثانوية, ومما لا شك ولا جدال فيه أن مركز الاعتقال ذاك في ظل ما هو معروف عنه كمكان لاحتجاز أسرى الحرب المعتقلين منذ ما يربو على عامين، قد تم استهدافه بعناية ودقة متناهية ولأسباب لا يزال يتعين تحديدها”.

ومن هنا كان تصريح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيثس، مشيراً إلى أنه “يأمل في أن تشرع قوات التحالف في إجراء التحقيقات اللازمة للكشف عن ملابسات الحادثة”.

من زاوية أخرى، من المعلوم للجميع أن المملكة العربية السعودية قد سارعت إلى الانخراط في الشؤون الداخلية لليمن بغية مساندة الحكومة الشرعية ضد المتمردين الحوثيين الذين تمكنوا من فرض سيطرتهم على أجزاء كبيرة من البلد منذ العام 2014؛ ومع ذلك فقد أفضى هذا التدخل إلى سقوط عشرات الآلاف من اليمنيين كضحايا حرب جائرة وغير عادلة. وقد وصفت الأمم المتحدة تلك الأرقام المرعبة في الخسائر البشرية الناجمة عن عمليات القصف العشوائية لطائرات التحالف وكذلك المواجهات الدامية بين الأطراف المتصارعة في الداخل اليمني بالأزمة الإنسانية الأشد خطورة على مر التأريخ؛ وفضلاً عن كل ذلك ها هو الانهيار المنظم في مؤسسات الدولة والتشظي المستمر في سيادة البلد يقوم بدور الحفاز في تأجيج نيران تلك الأزمة والذهاب بها نحو الأسوأ.

مواجهات مسلحة

بدأت الأوضاع السائدة في البلد في الانحدار نحو حالة من الفوضى والانهيار في ظل احتدام الصراع بين الأطراف المناصرة للرئيس الشرعي، عبد ربه منصور هادي، المقيم في المملكة العربية السعودية، وكذلك الانفصاليين المتمركزين في جنوب اليمن والمدعومين من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة.

وخلال شهر أغسطس من هذا العام بدأت تلك المواجهات الملتهبة بين القوات المتحالفة تأخذ بعداً آخر غير مسبوق داخل نطاق مدينة عدن التي تمثل ثاني أكبر مدن البلد؛ الأمر الذي أطلق العنان لشبح حرب جديدة في إطار حاضنة الحرب الكبرى.

ومن البديهي أن تتمكن العناصر الانفصالية من فرض سيطرتها وبقوة على مدينة عدن؛ وكيف لها أن لا تكون كذلك في ظل الدعم السخي والغطاء الجوي الواسع الذي توفره لها أبو ظبي! فما حدث بعد ذلك يحمل من الدلالة ما يكفي لأثبات تلك الحقيقة: فقد قامت الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو الإماراتي بقصف قافلة عسكرية تابعة للحكومية الشرعية في الوقت الذي تقوم فيه القوات السعودية بتزويد هذه الأخيرة بالدعم والمساندة اللازمة.

ومن سخرية القدر أن تشتد المواجهات على أرض الواقع بين القوات الحليفة في الوقت الذي تتسع فيه بؤرة الخلاف بين العضوين الرئيسين في التحالف العربي.

وبالاستناد إلى ما سبق ذكره يمكننا الجزم بأن مسألة القضاء على الحوثيين لم تعد من الأولويات بالنسبة للقوات التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ وهذا في الحقيقة ما يدفع بالحليف السعودي نحو دائرة الاستياء وعدم الرضاء بالرغم من حدة وقوة ضرباته الجوية على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.

وفي حين يسعى الإماراتيون من ناحية إلى تقليل تواجدهم العسكري على الأرض، فإنهم يعتزمون من ناحية أخرى الحفاظ على سيادتهم في جنوب البلد، وهي منطقة نفوذ يمكنها استيعاب استقلال هذه المنطقة. وفي ضوء التشعب الحاصل في هذه الحرب، بدأ أعداء المملكة يتمتعون باستقرار أكبر في حين يعاني حلفاءها الشرعيون من الانقسامات والاضطرابات الداخلية والانقلاب؛ وعلى ما يبدو أن المملكة قد أصبحت مدركة جيداً أنها علقت في طريق مسدود، ولم تكن الضربة الأخيرة سوى خطوة متخبطة منها تكشف عن حقيقتها الدموية.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.