بقلم: ديفيد ويرنغ

(صحيفة”الجارديان”البريطانية- ترجمة: انيسة معيض-سبأ)

لا شيء يمكن أن يقلل من تهديد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو أهمية تعطيل بوريس جونسون المناهض للديمقراطية الاخير للبرلمان.

إن هذه القصص ليست أخبار تعد بالمفاجأة. لكن عندما تقدم حكومتنا دعماً حاسماً لحملة القتل العشوائي في اليمن التي أودت بحياة الآلاف من الناس، ويتم التعامل مع ذلك كشيء هامشي في سياستنا بدلاً من أن تعد فضيحة وطنية، فمن الواضح أن شيئاً ما يسير بطريقة خطأً وبشكل سيء.

حذر تقرير لخبراء الأمم المتحدة الأسبوع الماضي من أن بريطانيا يمكن أن تكون متواطئة في جرائم الحرب من خلال تسليحها للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والذي يتدخل في الحرب الأهلية في اليمن.

التقرير هو الأحدث في سلسلة طويلة من تقارير الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأكثر احتراما في العالم التي توثق نمط ثابت من الانتهاكات.

يلاحظ الخبراء أن كبار مزودي الأسلحة مثل المملكة المتحدة “لهم تأثير نوعي” على المتحاربين “وقد يكونون مسؤولين عن تقديم المساعدة أو المساعدة في ارتكاب انتهاكات القانون الدولي.

توفي حوالي 100 الف شخص بسبب أعمال العنف منذ مارس 2015, والحصار الذي فرضه التحالف السعودي الإماراتي هو السبب الرئيسي لأسوأ أزمة إنسانية في العالم مما دفع الملايين إلى شفا المجاعة.

تقدر منظمة إنقاذ الطفولة أن 85.000 رضيع ماتوا من الجوع أو الأمراض التي يمكن الوقاية منها.

يثير خبراء الأمم المتحدة الاحتمال الحقيقي بأن المجاعة تستخدم كتكتيك حرب, ويتعين أن يكون التواطؤ البريطاني في هذا الأمر غير وارد.

القصف الجوي للسعوديين – الذي غالباً ما يكون عشوائياً – هو المسؤول عن معظم القتلى المدنيين، وهذا القصف يعتمد اعتماداً كلياً على الدعم البريطاني والأمريكي.

تزود الولايات المتحدة والمملكة المتحدة التحالف بالقنابل والطائرات التي تسقطها كما تدريب الطيارين وتوفر قطع الغيار والصيانة التي تبقي الطائرات قادرة على التحليق.

استمر هذا الوضع الذي لا يمكن الدفاع عنه لفترة طويلة, لأنه لم يلاقى مستوى من الاهتمام السياسي يتناسب مع حجم الكارثة.

إن حكومتنا هي المسؤولة عن سياساتها الخاصة، لكن الفشل في ممارسة الضغط الكافي عليها لإنهاء تلك السياسات هو أمر نحن مسؤولون عنه.

على سبيل المثال، لا يخجل السياسيون من التباهي بأوراق اعتمادهم الدولية المزعومة، لكن العديد من هذه الشخصيات نفسها إما تؤيد أو لا تملك ما تقوله عن مبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية.

في الواقع، تم بيع معظم الطائرات البريطانية الصنع التي تدمير اليمن للسعوديين من قبل حزب العمال الجديد, حيث تبنت قيادة جيريمي كوربين الموقف الصحيح من اليمن في معارضة الدور البريطاني الحالي، لكن من الصعب تصديق أن المعارضة الرسمية لم تكن لتفعل أكثر من ذلك لرفع القضية لتتضمنها الأجندة، بالنظر إلى عمق التواطؤ البريطاني في معاناة شعب ذلك البلد.

لدى وسائل الإعلام أيضاً أسئلة للإجابة عليها. يدين المراقبون الأكاديميون مثلي بالعرفان تجاه الصحفيين الشجعان مثل أيونا كريج، بيل تروي، نوال المغافي وأورلا غرين، والذين تعتبر تقاريرهم المقدمة عن اليمن لا تقدر بثمن بالنسبة لبحوثنا, لكن بشكل جماعي، لا يتم إعطاء هذه القصة الأهمية المستمرة التي تحتاج إليها إذا كانت الحكومة ستتم محاسبتها.

الكثير من المعلقين، رغم أنهم متحمسون لاحتمال قيام بريطانيا “بتدخل إنساني” عندما يرتكب عدو رسمي الفظائع، يظهر انهم غير قادرين على فهم الوضع حيث يرتكب فيه حلفاء بريطانيا الفظائع بمساعدة بريطانيا, حيث تمتد هذه الإخفاقات إلى المجتمع المدني.

قامت المنظمات غير الحكومية الرائدة بعمل لا غنى عنه في توثيق تكاليف الحرب ومحاولة إثارة الإنذار, حيث أطلقت حملة ضد تجارة الأسلحة مراجعة قضائية لمبيعات الأسلحة في المملكة المتحدة التي تسبب نجاحها الأخير في المحكمة بصداع كبير, لكن الكثير من اليساريين لم يفعلوا ما يكفي, إنه لأمر مأساوي أن المظاهرات الكبرى التي شاهدنها خلال غزو واحتلال أفغانستان والعراق لم تتجسد أبداً في إنهاء بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.

هذه الإخفاقات المتراكمة قد أدت بالحكومة وحلفائها في الخليج الى التوقف، ودفع المدنيون اليمنيون الثمن.

وبالنسبة لدولة تتحدث باستمرار عن مكانتها في العالم، فإن الكثير من الثقافة السياسية لبريطانيا تظل ضيقة بشكل كبير وتستوعب نفسها بنفسها وتتسم بالوقوع بشكل ملحوظ في مسؤولية التكاليف الإنسانية الضخمة لسلوكها في الجنوب العالمي.

هذا المزيج من الشوفينية والعنصرية اللاواعية هو بالطبع إرث الإمبراطورية وهو لا يقتصر بأي حال على من يدعمون خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوربي.

ومع ذلك، هناك تقاليد تنافس موجودة  في بريطانيا، من الأممية والتضامن الحقيقيين.

يعارض ثلثا الجمهور مبيعات الأسلحة إلى الرياض، بما في ذلك نصف الناخبين المحافظين.

هناك إمكانات هائلة للمجتمع المدني والطبقة السياسية لإعطاء صوت وقوة لهذه الآراء التي تمسك بها بشكل سلبي.

بوسع بريطانيا عمل الكثير للشعب اليمني بالشكل الصحيح, لكن أولاً سنحتاج إلى إلقاء نظرة طويلة وصادقة في المرآة.

 

  • ديفيد ويرنغ متخصص في السياسة الخارجية للمملكة المتحدة في الشرق الأوسط

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.