محمد محسن الجوهري*

لو كان الأنصار رقماً هامشياً لما حظوا بكل هذا القدر من الاهتمام في الصراع العالمي، ولما أصبحت أخبارهم تحتل الصدارة في نشرات الأخبار، وحتى على مستوى الجماهير والجلسات الشعبية، فهذا التركيز على كل تحركاتهم وحتى مفرداتهم هو انعكاس طبيعي للقيمة الفعلية لهم وللمشروع العظيم الذي يمثلونه في مواجهة العبودية الحديثة القائمة على سياسة "فرّق تسد"، والتي تخدم المحتل الصهيوني والمصالح الغربية.

وهذا الاهتمام ليس وليد اللحظة، وإنما بدأ منذ اللحظة الأولى لظهور الأنصار ولمشروعهم التحرري، منذ كانت الصرخة مجرد السلاح الوحيد بحوزتهم، وقد كان لها الفضل في تمييز الخبيث من الطيب، وعرفنا بها الفرق بين الرجال الأحرار وبين عملاء الإمبريالية العالمية، حيث اتضح أن أغلب التنظيمات السياسية الحاكمة والمعارضة في اليمن تأخذ توجيهاتها من السفير الأمريكي في صنعاء، بما في ذلك رئيس الجمهورية الذي أقرّ بذلك بعد خروجه من السلطة في مناسبات عديدة، أهمها ما ذكره في لقاء مع قناة الميادين بأنه تلقّى توجيهات أمريكية بدعم جماعة الإخوان.

وقد تدرّجت مستويات العدوان على المشروع القرآني قبل وبعد العام 2004، فبدأت بالسخرية، ثم الاعتقالات، ثم الحرب العسكرية المباشرة بالعملاء المحليين، ثم الإقليميين، وانتهاءً بالمواجهة المباشرة مع واشنطن وتل أبيب، ومصيرها انتصار المشروع في هذه الجولة كما انتصر في كل الجولات السابقة، فالحق يزداد قوة في كل مرة يُعتدى عليه، وقد أثبتت المسيرة أنها أول حركة حرة تتوسّع بالمقاومة وتزداد بها قوةً وصلابة.

أما عن الحرب الإعلامية فحدّث ولا حرج، فقد وظّف الغرب وأنشأ مئات الوسائل الإعلامية واستأجر آلاف الأبواق لمهاجمة الأنصار ومشروعهم التحرري، ولولا الأنصار لما تأسست كل تلك القنوات، ولما تقاضى العاملون بها تلك الأجور المبالغ فيها، هذا ما يقرّونه ويشهدون عليه، بل ويتمنّون استمرار الانتصارات للأنصار، ففي ذلك بقاء أرزاقهم كما يقولون.

ومن القنوات التي تأسست فقط لمواجهة الأنصار قنوات الإصلاح مثل سهيل ويمن شباب وبلقيس وغيرها، فيما أسست الإمارات شبكات مماثلة لأدواتها، مما لا همّ لها ولا قيمة لوجودها لولا أنها تخدم المشروع الصهيوني في محاربة أطهر مشروع وأصدق رجال في المنطقة العربية، ومع ذلك فإن حديثها المتكرّر والمبالغ فيه عن الأنصار خلق لهم هالة وهيبة إعلامية جعلت منهم الرمز الأكبر في المشروع المضاد للهيمنة الغربية.

بالمقابل، فإن أعداء الأنصار ليسوا على شيء، فهم مجرد كيانات نشأت وترعرعت على هامش الحرب بين المشروعين القرآني والصهيوني، وليس في أجنداتهم أي مشروع مستقل على الإطلاق، وليسوا حتى بمستوى أن يكون لهم مواقف حرة ومستقلة، لأن ذلك ليس ضمن أجندات من جاء بهم إلى السلطة أو أنشأ لهم كل تلك الآلة الإعلامية الضخمة، وسيتلاشون مع توقّف التمويل السعودي – الإماراتي، فهم لا يقوون على الحياة بدونه.

وقد أثبتت الأيام صحة المشروع القرآني وعظمته، وأصبح صداه يتردد في أوساط الحركات التحررية حول العالم، من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا وآسيا. فقد أصبح نموذج "الصمود تحت الحصار والانتصار بالإرادة" مادة إلهامٍ لكثير من الشعوب التي تواجه الضغوط الخارجية، وباتت المسيرة القرآنية تُقدَّم كرمزٍ للصمود والاعتماد على الذات، تماماً كما كانت كوبا أو فيتنام في القرن الماضي، وهو ما يعيد تشكيل وعيٍ جديد لدى الأحرار في العالم بأن مقاومة الإمبريالية ممكنة مهما كانت موازين القوى.

وبناءً على ذلك، فإن تأثير أنصار الله في العالم الحر ليس نفوذاً مادياً أو سياسياً مباشراً، بل قوة معنوية وفكرية ورمزية تنعكس في الخطاب العالمي المقاوم للهيمنة، وتؤكد أن إرادة الشعوب قادرة على تغيير المعادلات ولو بعد حين.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب