عفاش والإمارات: تحالف الخيانة على حساب القدس والسيادة اليمنية
محمد محسن الجوهري*
قد يبدو للبعض أمرًا غريبًا أن يروا طارق عفاش اليوم يتصدر مشهد الدفاع عن السفن الإسرائيلية في الساحل الغربي وباب المندب، غير أنّ الحقيقة أبسط مما يُظَنّ: فهو يؤدي الدور الذي أُعدَّ له بعناية منذ البداية. فالإمارات، وبإشرافٍ مباشر من "إسرائيل"، وضعتْه هناك تحديدًا لهذه المهمة، لقاء مبالغ مالية ضخمة، في ممارسةٍ لا تخرج عن إطار ما يُعرف عالميًّا بـ«الارتزاق».
غير أنّ الخطر لا يكمن في هذا السلوك وحده، بل في جذوره التاريخية؛ فهذه الأسرة التي يُمثّلها طارق اليوم حكمت اليمن أكثر من ثلاثة عقود، وخلال تلك الحقبة تحولت البلاد إلى ساحة مفتوحة للمشاريع الصهيونية، التي استهدفت التدجين الديني والثقافي وإضعاف روح المقاومة في الوعي اليمني والإسلامي.
وليس ثمة حاجة لإثبات عمالة علي عبدالله صالح للنظام السعودي، ذلك النظام الذي مثّل، وما يزال، الذراع الأمنية للاحتلال الصهيوني في جزيرة العرب. فقد كان صالح أحد أبرز المستفيدين من «اللجنة السعودية الخاصة»، التي أغدقت عليه الأموال والامتيازات لقاء ولائه وتنفيذه للإملاءات. وقد اعترف كثيرٌ من المحيطين به بتلك العلاقة المشبوهة التي ربطته بالرياض.
وبسبب تلك التبعية اضطر صالح إلى التنحي عام 2011 حفاظًا على تلك الامتيازات المالية والسياسية، بعد أن ضمن استمرار تدفّقها إليه حتى بعد مغادرته السلطة، بموجب تفاهمات مع السعودية.
أما علاقته بالكيان الصهيوني فكانت أكثر طموحًا؛ إذ سعى صالح إلى تطبيعٍ علني مع "إسرائيل"، إلا أنّ الأخيرة كانت تفضل إبقاء خيوط التعامل عبر القناة السعودية التي تمثل مصالحها في المنطقة. ومع ذلك، سُجّلت محطات تكشف طبيعة هذا الارتباط؛ منها زيارة وفدٍ صهيوني إلى صنعاء عام 1999، وفق ما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، كما أقرّ صالح بنفسه في مقابلة مع برنامج «بلا حدود» (أكتوبر 2000) بوجود ضباط إسرائيليين في اليمن يحملون جوازاتٍ أمريكية، مبرّرًا ذلك بأنه "لخدمة القضية الفلسطينية"!
وفي مرحلة لاحقة، لم يتردّد في الدعوة إلى التطبيع العلني مع "إسرائيل" خلال مقابلةٍ مع قناة الميادين، متذرّعًا بأن ذلك قد يُسهم في وقف العدوان السعودي والإماراتي، وهو تبريرٌ يعبّر عن استمرار النهج ذاته وإنْ تبدّل الخطاب.
غير أنّ الفصل الأهم في هذه القصة يبدأ من عام 1978، حين وصل صالح إلى السلطة بعد إزاحة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، الذي عُرف بمواقفه الصلبة المناهضة للمشروع الصهيوني. فاليمن قبل تلك المرحلة كان مركزًا لنشاطات المقاومة الفلسطينية، وقد نفذت فصائلها عمليات ضد السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، أبرزها تفجير الناقلة "كورال سي" في يونيو 1971. وقد سعت "إسرائيل" منذ ذلك الحين إلى تحييد اليمن عن أي دورٍ مقاوم، وهو ما تحقق فعليًّا بوصول صالح إلى الحكم؛ إذ اختفت الأنشطة المعادية لـ"إسرائيل" تمامًا من البحر الأحمر حتى العقود اللاحقة.
ورغم أن صالح حاول أحيانًا إظهار مواقف مؤيدة لفلسطين، خصوصًا بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، فإن تلك المواقف لم تدم طويلًا، إذ تراجع عنها بعد تفجير المدمّرة الأمريكية "يو إس إس كول" في ميناء عدن، حين وجد نفسه بحاجة إلى استرضاء واشنطن وحلفائها.
وقد عبّر الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عن هذه الازدواجية بوضوح حين قال إن مواقف صالح "مجرد مزايدة على الجماهير، تناقض ما يقوله في السرّ".
إن الغاية من هذا العرض ليست التشهير بشخصٍ رحل عن الدنيا، وإنما لتبيين حقيقة منظومةٍ كاملةٍ ما زالت تتحرك اليوم بالاتجاه ذاته: أسرةٌ توارثت ثقافة العمالة جيلاً بعد جيل، واستمرّت في أداء دورها كذراعٍ خادمةٍ لمشاريع الإمارات و"إسرائيل"، دون أن تشعر بوخزٍ من ضميرٍ أو انتماءٍ لأرضٍ كانت بالأمس مهدَ العروبة والإيمان.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

