السياسية:

{وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}


الحمد لله القائل في كتابه الكريم: {لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

والصلاة والسلام على أفضل مخلوقٍ وأشرف مُرسل، خير البريّة سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم.

في زمنٍ اشتدّت وتعاظمت فيه الخطوب والمؤامرات على الأمّة الإسلامية، وتلفّع فيه العالَم بظلام الضياع والغواية، عِوَضَاً عن أنوار طريق الهداية، يواصل الشعب اليمني، بإرثه الأنصاريّ الأصيل، وبتولّيه لله ورسوله والذين آمنوا، تجديد عهده مع النور المُحمّدي، وتجسيد أبهى صور الولاء والإيمان عبر إحيائه العظيم لذكرى مولد الرسول الأعظم [صلوات الله عليه وعلى آله].

وفي مشهدٍ إيمانيٍّ عظيمٍ غصّت به الساحات والميادين ككلّ عامٍ بملايين المحتفلين الذين يترجمون حبهم للنبي إلى مشهدٍ مهيب، مجسّدين في ذلك روح الانتماء الإيماني الذي توارثوه عبر الأجيال، وفي التزامهم بقيم النبيّ الأكرم [صلوات الله عليه وعلى آله]، يستلهمون من سيرته العطرة أبجديّة التضحية والعزّة والكرامة، ويترجمونها واقعاً في صبرهم على المعاناة، وفي صمودهم وثباتهم الأسطوري أمام جحافل المستكبرين والمتربّصين، وفي انحيازهم المُحمّديّ لنصرة القضايا العادلة للأمة الإسلامية وفي مقدمتها القضية المركزية فلسطين.

بذلك ، أثبت شعبنا العزيز أنّ هذه المناسبة الكريمة ليست مجرد احتفال دينيّ عابر ينحصر في الطابع الشعائري، بل يتعدّاه ليصبح رسالة وعيٍ وصمود، وإعلاناً متجدداً عن الثبات على النهج المُحمّدي في مواجهة التحديات والمؤامرات التي تحيط بالأمة، وتجسيداً لعمق الارتباط الروحيّ والوجدانيّ بين اليمنيين والرسول الأكرم، وفاءً لرسالته الإلهية، وتأكيداً لرسائلهم التي حملت في طيّاتها معانٍ عميقة تتجاوز حدود الزمان والمكان، لتؤكّد على حبهم وولائهم واتخاذهم لنبيهم الكريم أسوة حسنة يرجون بها رضى خالقهم، ويطمعون برحمته في آخرتهم بذكرهم وشكرهم له أن منّ عليهم بالفضل العظيم والرحمة المُهداة المتمثّلة بالسراج المنير [صلوات الله عليه وعلى آله]، إعمالاً لقوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.

لقد أصبحت هذه الذكرى الكريمة مهرجاناً يمنياً إيمانياً استثنائياً، ومشهداً عظيماً لم يسبق له مثيل على المستويين المحلّي والعالمي، فكان أكثر من مجرد احتفال؛ إنه استفتاء شعبيّ على ثبات القيَم المُحمّدية، وتفويضاً متجدداً للقيادة الحكيمة، وتأكيداً على المضيّ قُدماً في مشروع الهُدى القائم على النهج القرآني، للخروج من ظلمات الجهل والتبعيّة إلى نور الحق والعدل والحرية.

ومن فضل الله علينا، جاءت هذه المناسبة العظيمة وقد انتقل شعبنا الصامد لطورٍ حاسمٍ من المواجهة المباشرة مع المستكبرين وعلى رأسهم العدوّ الصهيوأمريكي، وذاك حلمٌ طال انتظاره، وقضاءً واختياراً إلهياً كان مفعولا، ليرتقي شعب الإيمان والحكمة إلى مستوى الوعد الإلهيّ رغم تآمر وتكالب أعداء الأمة وتآمر المنافقين المتربّصين، وتخاذل من لا يثقون بوعدِ من تُرجع إليه الأمور تجلّى في عُلاه.

ورغم كثرة العتاد والعدد للعدوّ، ورغم الإمكانيات البسيطة لشعبنا الحرّ، حتى لكأنّ العدوّ خطط وأراد بعدوانه أن يتخطّف أحرار الأمّة استهزاءً بقلّتهم وبمحدودية سلاحهم، غير مدرك بأن الشعب الأبيّ لا يراه سوى قشّة لا وزن لها أمام الوعد والنصر الإلهيّ الذي أعاد مشهد غزوة بدرٍ الكبرى بقضاءٍ وتدبيرٍ منه عزّ وجلّ: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}، فكان أن اختار اليمنيون مواجهة الكافرين والمنافقين، باذلين أموالهم و أرواحهم جهاداً في سبيل الله، تأسّياً واقتداءً بسيرة ونهج الرسول الكريم [صلوات الله عليه وعلى آله].

بذلك، ترجم اليمنيون قولاً وعملاً ما أشار إليه سماحة العَلَم المجاهد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله بأنّ: "عنوان الجهاد في سبيل الله في سيرة الرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم"، هو من العناوين البارزة في إحياء هذه المناسبة في هذا العام، وشعار المناسبة في هذا العام هو الآية المباركة: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} بما لهذه الآية المباركة من مدلول عظيم وواسع، عن المسار الحقيقي الذي تحرَّك فيه رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم"، ومن معه من المؤمنين، {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}، وكيف كان جهاداً بالمال وبالنفس، وكيف هي ثماره ونتائجه العظيمة في الدنيا والآخرة: {وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}".

لقد بدا الإعلام الصهيوني وأدواته منزعجون بشكلٍ كبير من كل تفاصيل ونجاحات مراحل الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ، وبالتالي فرسالة الشعب اليمنيّ العظيم قد وصلت للصهاينة بفضل الله، إذ كان للإعلام الوطني المقاوم دوراً كبيراً وعظيماً في مختلف مراحل الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، لما للإعلام من أهميةٍ كبرى في مواجهة الآلة الإعلامية للعدوّ، وفي تصدّيه وإسقاطه اللافت لحملات تضليل وسائل إعلام العدوّ ومحاولات المنافقين والمتربّصين تشويه الاحتفال بالذكرى العظيمة، غير أن فرسان الإعلام وفي إطار معركة "الفتح الموعود والجهاد المقدّس" كانوا وما زالوا وسيظلوا لهم بالمرصاد.

ولأنّ الإعلام الوطني المقاوم قد نـجح في تثبيت المعنى الأسمى، وفي صناعة الصورة المُثلى لهذه المناسبة العظيمة، فقد كان وما يزال رصد وتوثيق هذا الاحتفاء الكبير الاستثنائي تكليفاً وتشريفاً يقع على عاتقنا في وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) ضمن التزاماتها النبيلة والمسؤولة تجاه مناسبةٍ عُظمى في مكانتها وحشودها وكافة تفاصيلها المُحمّديّة.

لهذا كان هذا الإصدار المتجدّد سنوياً تخليداً للمعنى الأصيل، وتثبيتاً للخبر الاحتفائيّ وصورته المشرقة، والذي بدورنا نشكر كل من أسهم في رصده وتوثيقه اختزالا للمشهد اليمني العظيم، وفي إخراجه بهذه الصورة البديعة المحلّقة في فضاءات الأجواء النبويّة الشريفة، التي رسمها وأبدعها وترجمها اليمنيون الشرفاء، بوفائهم، وصدق ولائهم، وتفانيهم في نُصرة الحقّ وإعلاء راية الجهاد.

سائلين من الناصر المعين جلّ جلاله، أن يتقبّل من الشعب اليمني إحياء مولد رسوله الكريم، وأن يتقبّل جهاده للكفار المجرمين نصرة لغزة المستضعفة، وأن يعيد علينا هذه المناسبة الكريمة وشعبنا وأمتنا الإسلاميّة في توّحدٍ وثباتٍ ويقينٍ وثقةٍ بنصرالله.

وإلى إصدارٍ قادمٍ بمشيئة الله،،

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

نصرالدين عامر

رئيس مجلس الإدارة - رئيس التحرير

المشهد اليمني العظيم بذكرى المولد النبوي الشريف 1447هـ