السياسية || كيان الأسدي*

لم تعد العمليات العسكرية اليمنية مجرد رسائل رمزية أو تحركات دعائية كما تحاول وسائل إعلام العدو تصويرها، بل تحولت إلى عنصر أساسي يفرض نفسه على معادلة الصراع في المنطقة. ففي غضون أربعٍ وعشرين ساعة فقط، تمكنت القوات المسلحة اليمنية من استهداف مواقع حساسة في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة بدقة لافتة، الأمر الذي أربك قيادة الكيان وأفقدها توازنها، وجعل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يخرج مسرعًا للتصريح بأنه سيوجه "ضربة مؤلمة" لليمن، كما سارع إلى إبلاغ رئيس بلدية إيلات بضرورة بحث سبل الرد على التهديدات الجوية التي باتت تقرع أبواب المستوطنات الجنوبية.

التركيز اليمني على مدينة إيلات "ام الرشراش" – التي يصفها العدو بـ"مدينة الفنادق" والواجهة السياحية الأبرز – لم يكن عشوائيًا، بل رسالة مدروسة تحمل أبعادًا استراتيجية واقتصادية. فاستهداف المرافق الحيوية هناك يعني ضرب القطاع السياحي، وشلّ الحركة الاقتصادية، وزرع الخوف في نفوس المستوطنين الذين كانوا يظنون أن إيلات بعيدة عن مرمى النيران. الإعلام العبري نفسه اعترف بأن الطائرة المسيرة اليمنية التي أسقطت قرب إيلات كانت متجهة نحو مركز تجاري كبير، ولو وصلت إلى هدفها لكانت الخسائر البشرية بالمئات، وهو ما يكشف حجم الكارثة التي كان يمكن أن تضرب قلب "المدينة السياحية" الأهم للكيان.

ورغم محاولات حكومة العدو فرض رقابة عسكرية مشددة للتقليل من حجم الضغط الإعلامي والتغطية على الفشل المدوّي في الدفاعات الجوية، تسرّبت معلومات من بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تُظهر هشاشة المنظومة الأمنية. صحيفة "يسرائيل هيوم" الموالية لنتنياهو لم تجد بُدًّا من الاعتراف بأن القبة الحديدية فشلت في اعتراض الطائرة المسيرة، وأن منظومات الإنذار المبكر لم تعمل بالفاعلية المطلوبة، مما تسبب في قطع التيار الكهربائي عن المنطقة المستهدفة وإصابة العشرات بجروح، حيث تحدّثت الروايات الرسمية عن 27 إصابة فقط، فيما تشير التقديرات إلى أن العدد الحقيقي أكبر بكثير لولا التعتيم المفروض.

خطورة المشهد لا تكمن فقط في عدد الإصابات أو حجم الخسائر، بل في الرسالة الاستراتيجية التي تحملها الضربات اليمنية: فإسرائيل التي تروّج لنفسها كقوة عسكرية قادرة على حماية "مواطنيها" أثبتت أنها عاجزة أمام طائرات مسيّرة وصواريخ تأتي من مسافة آلاف الكيلومترات، في وقتٍ تعيش فيه جبهتها الجنوبية ضغطًا متواصلًا من غزة. هذا العجز دفع نتنياهو إلى التخبط والبحث عن مبررات، فأوعز بفتح تحقيق في أسباب "تأخر التصدي"، متجاهلًا أن المشكلة أعمق من مجرد خلل تقني، بل هي أزمة بنيوية في العقيدة الأمنية للكيان برمّته.

إن الضربات اليمنية الأخيرة تكشف عن حقيقة لم يعد بالإمكان إنكارها: المقاومة – بمختلف جبهاتها – باتت تمتلك القدرة على نقل المعركة إلى العمق الإسرائيلي، وتهديد المصالح الحيوية للكيان، وشلّ قطاعات اقتصادية واجتماعية كانت تُعد "خطوطًا حمراء". ومع كل مسيرة يمنية تخترق الأجواء، تتهاوى أسطورة "القبة الحديدية" التي أنفقت عليها واشنطن وتل أبيب المليارات، لتتحول إلى مجرد قبة ورقية عاجزة عن حماية المستوطنين ولا عن إنقاذ نتنياهو من مأزقه السياسي والعسكري المتفاقم.

* كاتب عراقي
* المقال يعبر عن رأي الكاتب