قمَّة الدوحة.. السياج الأخير أم نقطةُ العبور؟
سند الصيادي*
ما يجري ليس أحداثًا معزولة، بل مسارٌ يجمعُ بين الاستباحة للهيمنة وتوسيع النفوذ، وتهدئة الساحات لتمرير ما هو أوسع "إسرائيل الكبرى". والخُلاصةُ الاستراتيجية التي وضعها السيد القائدُ كفيلةٌ باختصار الطريق: المقاومة بصورها المختلفة تظل أهمَّ أدوات الردع.
منذ عقود اعتاد العالمُ العربيُّ أن يردَّ على التصعيدات الصهيونية ببيانات شجب وإدانات رنانة تتلاشى بانقضاء القمم. لكن شيئًا من بقية الأمل يُبنى على قمة تقفُ على ما حصل أخيرًا -من عدوان إسرائيلي غادر على الأراضي القطرية- يجعلنا أمام احتمالات وأمنيات بأن تخلق واقعًا مختلفًا عن واقع المهانة والانبطاح.
لم يعد الكلام يكفي اليوم، ولا يسمن ولا يغني. الاستهداف لقطر إشارة استراتيجية؛ أنه لا حرمة لمكانٍ ولا حصانة لوساطة إذَا غابت آليات الردع والالتزام الجماعي. هذا العدوان يضع دول الخليج ومحيطها العربي أمام خيار وجودي: سكوتكم ومراوحتكم اليوم بمثابة إعطاء رخصة لمزيد من التطاول. والرسالة هنا صارخة ومؤلمة: من اختار الصمت منح العدوّ مِظلةً يبرّر تحتها مزيدًا من الاستباحة.
الصمت أَو الاكتفاء ببيانات الإدانة عار مضاف، يخلق بيئة حاضنة للتمادي. كُـلّ تساهل أَو تردّد يُقرأ من طرف العدوّ على أنه ضعف، فتتسع فيه ساحة المخاطرة لتشمل حدودًا ودولًا كانت إلى وقتٍ قصير آمنةً من العدوان.
استمرار الانقسام والتشرذم العربي يشكّل بيئة مثالية لتمرير مشاريع إقليمية أوسع -"إسرائيل الكبرى"- التي حذر منها السيد القائد في خطابه الخميس الفائت؛ إذ إن تبعات الصمت لا تقتصر على فلسطين، بل تهدّد الأمن الإقليمي في سوريا ولبنان والعراق والأردن ودول الخليج.
ما يجري ليس أحداثًا معزولة، بل مسارٌ يجمع بين توسيع النفوذ عبر ضرب سوريا، وتهدئة الساحات مقابل تجريد لبنان من سلاح المقاومة، ومحاولة ضمّ عقد جغرافية حساسة تحت نفوذ يمهّد لتمدد أوسع. والأهداف تتعدى حدود المواجهة الحالية لتصل إلى محاولات إعادة تركيب الخريطة السياسية والجغرافية للمنطقة.
كل ذلك يجعل الصراع اليوم "مشروعًا" يحتاج لوعي أكبر لفهم جذوره وكيفية مواجهته. والخلاصة الاستراتيجية التي وضعها السيد القائد كفيلة باختصار الطريق: فالمقاومة بصورها المختلفة تظل أهم أدوات الردع المتاحة في وجه مشروع لا يرحم التراخي أَو التفرقة.
سقفنا كبير بالنظر إلى تحديات المرحلة، والمطلوب من القمة أن تتخطى لغة الشجب إلى خطوات عملية واضحة الملامح:
- دعم المقاومة الفلسطينية.
- إغلاق الأجواء والبرّ والموانئ أمام عمليات العدوّ.
- قطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية وكل ما يغذّي العدوان.
- دعم إنساني عربي يفك الحصار عن المدنيين في غزة.
- توسيع قنوات الإغاثة دون معيقات وفق إجراءات قابلة للتنفيذ، وليس مُجَـرّد بيانات.
وإن كان هناك شيء من مصداقية وشعور حقيقي بالخطر، فاليمن الحاضر بقوة في المشهد يمثل اختبارا حقيقيًّا لصدق المواقف العربية. موقفه العملي المشرف، وتمترسه ودعمه للقضايا العربية القومية، يتطلّب من الأشقاء دعمًا وإسنادًا، لا استمرارًا في محاولة وأدّه وإفشاله.
وهنا، وبعيدًا عن التحامل الرسمي العربي الواضح والمعلن على اليمن وموقفها، نشير إلى من سعى إلى تقليل أضرار الحصار الاقتصادي الذي فرضته اليمن على الكيان، ومن يمنح هذا الكيان النفس الطويل لمواجهة واستمرار ارتكاب الجرائم.
بقدر ما كشف العدوان الصهيوني على قطر هشاشة حالة الردع العربي، إلا أنه وضع أَيْـضًا أمام القادة فرصة ذهبية لاختبار مصداقيتهم: إما أن تُستثمر القمة لحظةً لبدء فصلٍ جديد من الفعل العربي الجماعي، أَو أن تتحول إلى مناسبة تُعاد فيها العبارات الرنانة دون أثر ملموس.
الشعوب العربية لا تريد شعارات معطّرة، بل إجراءات تحمي كرامتها وتردع من يتعرّض لها. نتمنى أن تكون القمة المنعقدة "السياج المانع الأخير"، وما دون ذلك فهي لن تكون محطة في مسلسل طويل من الصمت الذي يسمح للعدو بمواصلة مشروعه، بل إشارة خضراء له للعبور إلى المرحلة التالية من مخطّطاته.
والخيار أمام القادة واضح: التاريخ سيكتُبُ من اختار الفعل ودخل التاريخ، ومن ركن إلى الكلام وتوارى فسيُكتب في مزبلة التاريخ مصحوبًا بالمزيد من اللعنات.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت

