مولد الطهر أعظم المناسبات
السياسية || محمد محسن الجوهري*
إن أمتنا هي أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا قيمة لها إلا بمحمد، فهو روحها وسر وجودها وباب عزتها وكرامتها، وأي تفريط في شخص النبي الكريم أو في نهجه ومنهجه هو تفريط مباشر في حاضر الأمة ومستقبلها، بل هو تفريط في مصيرها التاريخي كله. وهذه الحقيقة نراها شاخصة أمام أعيننا في واقعنا اليوم، حيث تحولت الأمة بعد أن فرّطت برسولها إلى عشرات الكيانات الممزقة المتناحرة فيما بينها، وقد تفرّقت شيعاً وأحزاباً، وضاعت هيبتها بين الأمم، حتى باتت خانعة لعدوها، مستسلمة لهيمنته، فاقدة لعزتها.
وما يجري في غزة ليس إلا ثمرة مرة لإغفال الأمة لقدر نبيها وقائدها، فلو أن المسلمين استمسكوا بكتاب الله وعترة نبيهم وأحيوه في حياتهم، لما تجرأ عدو غاصب أن يطأ أرضهم، ولا أن يستبيح دماءهم، ولما صارت مقدساتهم رهينة تحت أقدام الاحتلال. إن كل ذل تعيشه الأمة اليوم هو حصيلة طبيعية لغياب الارتباط الحقيقي بالرسول الأعظم، ولقطع الصلة بين حاضر المسلمين وبين من جعلهم الله به خير أمة أخرجت للناس.
إن الاحتفاء بمولد النبي الأكرم ليس مجرد مناسبة عابرة أو ذكرى عاطفية نردد فيها المدائح والأشعار، بل هو فعل وجودي، وإعلان ولاء وتجديد عهد، نؤكد فيه أن رسول الله حاضر معنا في وعينا وضمائرنا ومواقفنا، وأننا لا نرتضي بديلاً عن نهجه سبيلاً، ولا بغيره قائداً وقدوة.
ومن هنا فإن الحشود المليونية التي تشهدها صنعاء وسائر المدن اليمنية في هذه المناسبة العظيمة، إنما تعبّر عن إدراك الأمة أن وحدتها الحقيقية لا تكون إلا تحت راية قائدها محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأن اليمنيين يقدمون للعالم صورة ناصعة عن وحدة إسلامية راسخة تنطلق من الولاء للنبي والاقتداء بنهجه.
لقد وُلد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في زمنٍ مظلم، تمزقت فيه القبائل، وغرقت البشرية في الوثنية والظلم، فجاء نوراً يمحو العتمة، ورحمةً للعالمين، وقائداً حرّر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
واليوم، ونحن نعيش واقعاً مشابهاً من الانقسام والتبعية والهيمنة الأجنبية، فإن إحياء ذكرى ميلاده ليس ترفاً فكرياً أو شعورياً، بل ضرورة ملحة لتصحيح مسارنا التاريخي، واستعادة ثقتنا بأنفسنا، والتأكيد أن فينا القدرة على النهوض متى ما عدنا إلى نبي الأمة وهدي القرآن.
إن مولد الطهر هو أعظم المناسبات لأنه يمثل ميلاد أمة بأسرها، الأمة التي كان يُفترض أن تكون شاهدة على الناس، قائدة للإنسانية بالعدل والرحمة، رافعة لراية الحق. غير أن ما نشهده اليوم من ضعفٍ وانكسار، هو نتيجة طبيعية لابتعادنا عن روح هذا المولد المبارك، وعن رسالته التي لم تكن محصورة في شعائر دينية مجردة، بل كانت مشروعاً للحياة الحرة الكريمة العزيزة.
وعليه، فإن عودتنا إلى محمد ليست مجرد ترديد للمدائح ولا إقامة للطقوس، وإنما هي التزام عملي بالتصدي للمستكبرين، والوقوف في وجه الطغيان، والانتصار للمستضعفين، كما علّمنا رسول الله. وما يحدث في غزة اليوم يذكّرنا بأن الأمة التي تنسى نبيها تُستباح أرضها ودماؤها، أما الأمة التي تتمسك به فإنها تصنع المعجزات، كما نرى في صمود شعبها المقاوم الذي يقتبس من روح محمد شجاعة لا تنكسر وعزيمة لا تلين.
إن مولد النبي هو مولد العزة والكرامة، ومولد الوعي والإرادة، ومولد الأمة التي لا تقبل الضيم ولا الخضوع، وإن الاحتفال به هو رسالة للعالم أن محمداً لا يزال حياً فينا، وأن مشروعه لم يمت، وأننا أمة قادرة على استعادة مجدها متى ما رجعنا إلى جذورنا الإيمانية، وتمسكنا بقدوتنا العظمى، ورفضنا كل أشكال الخنوع والارتهان.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

