“لسوء الحظ، يموت بعض المرضى في القرى التي لا أستطيع الوصول إليها”

تقرير معد بواسطة: فرانشيسكا مانوتشي و اليسيو رومينزي

( شبكة الأنباء الإنسانية إيرين” السويسرية*، ترجمة: نجاة نور– سبأ)

بعد ثلاثة وخمسين شهرٍ، تراجعت إلى حد ما تحذيرات المجاعة التي أصبحت السمة المميزة للصراع الوحشي السائد في اليمن, لكن هذا لا يعني أن الناس لا يعانون من الجوع، خاصة في أجزاء من البلد حيث القتال مستمر، ومحدودية إيصال المساعدات، وانتشار الفقر.

هذا هو الحال في محافظة حجة التي زارها الصحفيان “فرانشيسكا- مانوتشي وأليسيو رومينزي” في شهر يوليو المنصرم, حيث أمضوا فيها ثلاثة أيام في توثيق عمل السيدة “مكيه الأسلامي” وهي ممرضة تدير عيادة لمعالجة سوء التغذية في منطقة أسلم وهي منطقة ريفية يقطنها حوالي 100 الف شخص.

الأسلامي، التي يطلق عليها الجميع اسم “الطبيبة”، تم إيقاف عملها, وتقول أن شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة التي تمولها الولايات المتحدة الأمريكية ذكرت بان 1.2 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في بعض الأجزاء من اليمن التي تمكنوا من زيارتها.

يعيش في هذه المحافظة 406.000 شخص موزعون على 11 مديرية، حيث تم تصنيفها على أنها تعيش ضمن  ” ثاني أخطر التصنيفات الخمسة التي تستخدمها لقياس انعدام الأمن الغذائي “الطارئ”.

توجد خمس من هذه المناطق في محافظة حجة، منها مديرية أسلم.

نشأت الممرضة البالغة من العمر 50 عاماً في منطقة أسلم، وعاشت التغيرات التي احدثتها الحرب بين الحوثيين على الحكومة اليمنية والممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي وبين التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والذي يدعم هذه الحكومة.

فر عشرات الآلاف من الناس إلى المنطقة بسبب الجبهات المشتعلة في مديرية عبس، الواقعة إلى الغرب مباشرة، مما فرض ضغوطاً كبيرة على الموارد المحدودة في الاصل.

إن الآلاف من النازحين يأتون بحثاً عن ملجأ في منطقة تعتبر من بين أفقر المناطق في البلد, حيث قالت مكيه: “لقد انضم المزيد من الناس الجياع إلى أهالي المنطقة الذين يعانون من الفقر والمجاعة في الأصل.”

خلال الأسبوع الذي قضاه “مانوتشي ورومينزي” مع مكيه، عالجت هي وزملاؤها 19 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد, وقالت الممرضة إنها قبل الحرب ربما كانت ترى حالتين إلى  ثلاث حالات في الأسبوع.

يوجد الكثير من المرضى في العيادة لدرجة أن غالباً ما نضطر إلى مضاعفة اعداد الأطفال على السرير الواحد، بينما تستلقي الأمهات على الأرض.

خلال فترة وجودهما في حجة رافقهم في جميع الأوقات ممثل عن وزارة الإعلام الحوثية, بينما لم يُسمح لهم بالوصول إلى المستشفيات التي تعالج جرحى الحرب، إلا أنهم كانوا قادرين على السفر بحرية في معظم أنحاء المحافظة.

يقدم عملهم نافذة نادرة إلى جزء من اليمن الذي نادراً ما يستطيع الغرباء الاطلاع علية، حيث يعاني المدنيون.

إنه مكان يعمل فيه أشخاص مثل مكيه عملاً إضافياً على الرغم من أن المعركة ضد الجوع تبدو وكأنها معركة شاقة، خاصة عندما يغادر المرضى ولا يمكنهم تحمل تكاليف الطعام مرة أخرى.

أشار مكية إلى أنه عندما اُخرج الأمهات والأطفال من المركز، أعرف أن الكثير منهم سيعودون مرة أخرى مصابين بسوء التغذية, وللأسف، سيموت بعضهم في القرى التي لا أستطيع الوصول إليها.

القليل من المساعدات، المزيد من العمل:

 

يحظى عمل مكيه بدعم من بعض المنظمات الدولية، بما في ذلك وكالة “الأدفنتست” للتنمية والإغاثة الدولية وهي ذراع المساعدات للكنيسة الأدفنتستية، لكنها تقول إن المساعدة تنضب مع استمرار اشتعال الحرب.

منذ سبتمبر 2016, عندما أجبرت الأزمة النقدية حكومة هادي على وقف المدفوعات لم يتقاض مئات الآلاف من الموظفين العموميين اليمنيين مثل مكيه رواتبهم أو استلموا جزء منها من حين لآخر فقط, وتقول مكيه أنها حصلت على بعض من راتبها من الحكومة الحوثية في العاصمة اليمنية صنعاء منذ ثلاثة أشهر.

ومع ذلك، فهي تفتح العيادة حتى طلوع الفجر وهي آخر من يغادرها، وعندما لا تكون مسافرة حول المنطقة للبحث عن المرضى الذين لا يستطيعون الوصول إليها. قالت “هذا واجبي ومهمتي المهنية”, “إذا جلست في المنزل، فأنا قلبي وذهني يبقى معلقاً في العيادة.”

تحويل المساعدات:

 

يتلقى اليمنيين مساعدات غذائية في مركز طبي في منطقة عبس, تقطع العديد من النساء حوالي ثلاث ساعات للوصول للمكان المخصص لاستلام حصصهن الغذائية ويتعين عليهن العودة بنفس الرحلة، حيث يحملن الطعام وأطفالهن بين ذراعيهم, في درجة حرارة وصلت إلى 45 درجة مئوية في اليوم الذي التقطت فيه هذه الصورة، لكن النساء تقول أنه ليس لديهن طعام في المنزل أو في خيامهن، وكان هذا هو أقرب مكان لتوزيع المساعدة.

وقال أحد عمال الإغاثة في منطقة عبس طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إن سلطات الحوثيين تفضل الأقارب والمعارف في توزيع المساعدات، وتطلب أحياناً رشاوى من المحتاجين, وقال عامل الإغاثة:” إنهم يستخدمون المساعدات الغذائية كشكل من أشكال الضغط والابتزاز, فهم يعيقون عمل الوكالات الإنسانية مراراً وتكراراً, وفي بعض الأحيان يمكننا التفاوض معهم، وأحياناً لا يمكننا ذلك, الوضع مقلق حقاً.

اتهم برنامج الغذاء العالمي الحوثيين بأخذ المساعدات في الأجزاء التي يسيطر عليها من اليم, لأكثر من شهرين، وبين شهري يونيو ومنتصف أغسطس، تم ايقاف توزيع المساعدات لـ 850.000 شخص في صنعاء بسبب النزاع حول سجل القياسات الحيوية, ومن جانبه قال برنامج الغذاء العالمي أنه سيساعد في السيطرة على عمليات الاحتيال في توزيع المساعدات.

عندما تأتي المساعدة بعد فوات الأوان:

عند مدخل عيادة مكيه، يوضع الأطفال في دلو من البلاستيك لقياس وزنهم, ثم تقيس الممرضات الجزء العلوي من أذرعهم لتحديد شدة حالتهم.

مكية وموظفوها قالوا إنه ريثما يمر الوقت ليصل الكثير من الأشخاص إلى عيادتها، فإنهم يصبحون حقاً في مرحلة متقدمة من سوء التغذية، حيث يحتاجون إلى علاج قوي وسريع ومستدام, لذا لا يمكننا مساعدتهم دائماً.

قال عبده إبراهيم يعمل في مجال التمريض: أولئك الذين يصلون إلى العيادة غالباً ما يكونون في المرحلة الأخيرة لسوء التغذية، حيث لا يمكننا تقديم الكثير لهم, إنها مأساة أن نرى أطفالنا في هذه الحالة, يضل الألم يلازمني حتى عندما أذهب للمنزل, لا يتركني أبداً, حيث من المستحيل وصف المشاهد التي نراها بالكلمات، وحتى عندما نتعامل مع الأطفال نعلم أنه بالنسبة لغالبيتهم سوف يتحول سوء التغذية إلى أمراض حادة ومزمنة لا يمكننا فعل الكثير حيالها.

العيادات المتنقلة:

الاقتصاد اليمني في حالة من الفوضى, ففي أجزاء كثيرة من البلد، يتوفر الطعام في الأسواق والمحلات التجارية لكن الناس لا يملكون المال لشرائه.

كما لا يستطيع الكثيرون تحمل تكاليف التنقل إلى عيادة، حيث يكون العلاج نفسه مجانياً, فتذهب إليهم مكيه مسافرة مع زميل لها في سيارة دفع رباعي، لفتح عيادات مؤقتة في المدارس أو المستودعات الفارغة، وتقوم بزيارة القرى الريفية حيث تسمع أن هنالك مرضى يحتاجونها.

في الصورة أعلاه، تم تعليق المحلول الوريدي من نافذة مدرسة فارغة في ريف أسلم حيث تساعد مكيه المرضى ليوم واحد, وقالت “ليس لدينا سرير أطفال, ويجب أن تستلقي هذه المرأة لتلقي هذا المغذية.

وأضافت, كل شيء مكلف الآن, اواصل ركوب دراجة نارية للذهاب إلى المستشفى, أو نصف ساعة على عربة جراره لأحد الجيران لمحاولة تقديم أي مساعدة, أولئك الذين لديهم شيء للبيع فإنهم يبيعونه أو يؤجرونه, وأما أولئك الذين لا يملكون شيء للبيع فإنهم يتضورون جوعا, كل شيء الآن في اليمن للبيع حتى “الكرامة”.

المياه الملوثة:

في أسلم، مثل أجزاء كثيرة أخرى من اليمن هناك نقص في توفر مياه نظيفة للشرب, قال أشخاص مثل محمد، 20 عاماً، إنهم يعرفون أن المياه في هذا البئر في ريف أسلم ليست نظيفة لكن ليس لديهم خيار آخر, فهو يملأ جالونين سعة 40 لتر بالماء مرتين في اليوم، ويعود بهما إلى عائلته.

تسببت عدة موجات من تفشي وباء الكوليرا في مقتل أكثر من 3500 شخص منذ عام 2017, ومن جانبها, قالت الأمم المتحدة انها اضطرت إلى التوقف عن حملات التطعيم، فضلاً عن بعض برامج تعقيم المياه والصرف الصحي، لأن المانحين لم يقدموا ما وعدوا به لاستجابة مساعدات اليمن البالغة 4.2 مليار دولار.

وقالت مكيه إن نقص المياه النظيفة في المنطقة يزيد من تفاقم المشكلات الصحية التي تراها، حيث أن الجياع أقل قدرة على مكافحة أمراض مثل الكوليرا, مضيفتاً أن  المشكلة تكمن أنه بمجرد خروج الأطفال من العيادة فإنهم يعودون إلى قراهم”و “بدون طعام أو مياه شرب، فإن صحتهم تتدهور سريعاً مرة أخرى.”

يعاني الأطفال من سوء التغذية، والأسر يائسة:

ندى البالغة من العمر 10 أشهر وتزن 2.5 كيلوجرام، تم ادخالها إلى مركز أسلم مرتين في حياتها القصيرة، لمدة 15 يوماً في كل مرة.

قالت مكيه, كلما خرجت من المركز تكون بحال أفضل, ولكن الأخبار تصلها عن طريق مرضى آخرين، تفيد بأن حالة الفتاة الصغيرة قد ساءت مرة أخرى.

قالت والدة الطفلة ندى، مريم العجربي إن الفتاة – وهي أصغر أطفالها التسعة, لم تتمكن من الإبقاء على أي طعام في معدتها خلال الأيام الثلاثة الماضية, وأضافت أن الأسرة تعيش على وجبة واحدة في اليوم، وأن مجموع الطعام الذي يتناولونه الآن لـ 11 شخصاً هو عبارة عن قليل من الدقيق والبطاطس وبعض الخبز, وأضافت, ليس لدينا أي وسيلة لدفع تكاليف نقلها إلى المستشفى، والشيء الوحيد المتبقي بالنسبة لي هو مشاهدتها وهي تتضور جوعاً, وعندما أسمعها تبكي لأنها جائعة، أعلم أنني لا أستطيع إعطائها أي شيء، وأشعر أنني أموت.

المرضى المنسيون:

وصفت مكيه أطفالاً مثل “ندى” بأنهم “منسيون” لأن الرعاية الطبية لا تصل إليهم أبداً, فهؤلاء الأطفال وجدوا انفسهم بين مطرقة المرض وسندان الموت ومن المحتمل أن لا يتم تسجلهم ضمن الإحصاءات الرسمية, فعندما يخرج مريضاً من المركز يمكنني أن أتتبعه طوال أسابيع، ولكن أحياناً يموت هؤلاء الأطفال دون أن يسمع أحد عنهم.

كان والد ندى محمد العجربي يعمل في الزراعة قبل الحرب، ثم اضطر هو وعائلته إلى الفرار من محافظة صعدة معقل الحوثي إلى مديرية أسلم, فهو لا يملك المزيد من المال، ولم يتبق له شيء.

عندما أنظر إلى ندى وأفكر في كيف انني عاجز عن الاعتناء بها، أشعر باليأس، أنا عاجزة عن الكلام, نحن في يد الله.

* شبكة الأنباء الإنسانية “إيرين” التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “اوتشا”

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.

 

 

 

 

 

 

=========

Fouad Al-Haidari