بقلم: يان كولمان

(صحيفة “شڤيبيشه تسايتونج” الألمانية، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)

كان الدخان الكثيف المتصاعد فوق منصات النفط في الصحراء السعودية بمثابة نذير شؤم. فقد وصل إلى ارتفاع يبلغ 150 كيلومترا ، ليُعلم المملكة بمدى ضعف مصادر ثروتها.

عدة ضربات استهدفت قلب صناعة النفط السعودية في شمال شرق البلاد خلال عطلة نهاية الأسبوع. وما تزال القيادة في الرياض تلتزم الصمت المطبق. لكن من المؤكد هو أن تلك الضربات كبيرة بما يكفي لإصابة المملكة بالصدمة ورفع أسعار النفط.

بتلك الهجمات، وصل صراع المملكة السعودية مع إيران الشيعية العدو الأكبر على الجانب الآخر من الخليج إلى مستوى جديد من التصعيد. صحيح أن المملكة السعودية كانت تتعرض في معظم الأحيان لهجمات في الأشهر الأخيرة، لكنها لم تكن هائلة بهذا الحجم. و مرة أخرى، تبنت جماعة الحوثيين المتحالفة مع إيران من اليمن، البلد الذي تدور فيه حرب أهلية، مسؤولية التفجير.

لكن هل كان مصدر الهجمات بالفعل من اليمن؟ وفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، تفترض الحكومة الأمريكية أنها ارتكبت من الاتجاه المعاكس: من إيران أو العراق.

قد يكون هذا بسبب امتلاك طهران لشبكة متماسكة من الحلفاء في المنطقة. حيث اصبح بإمكانها أن تتصرف من خلال عيونها هناك وأن تنشط عسكرياً رداً على العقوبات الأمريكية ضد البلاد. ومع ذلك، فإن صور الأقمار الصناعية التي قدمتها الولايات المتحدة بالكاد تعطي أي إشارة إلى من يقف بالفعل وراء الهجمات.

هل هم الحوثيون في اليمن؟

تسيطر جماعة الحوثيين على أجزاء كبيرة من بلد الحرب الأهلية وقد طردت الحكومة المعترف بها دولياً من العاصمة صنعاء. وتدع المملكة العربية السعودية الحكومة وقصف الجماعة التي تمردت عليها من الجو لأنها تريد طرد حلفاء إيران من حدودها. والحوثيون بدورهم يهاجمون المملكة بالصواريخ والطائرات بدون طيار، واستهدفوا مؤخرا البنية التحتية النفطية الهامة.المنشآت التي تم استهدافها الآن تبعد حوالي 800 كيلومتر عن الحدود مع اليمن. ومع ذلك يمكن أن يكون الحوثيين قادرين على مهاجمة تلك المنشآت النفطية. فهم يمتلكون الآن الطائرة بدون طيار (صماد-٣)، التي كشفوا عنها في الصيف الماضي وهي قادرة على قطع مسافات أكبر.

أكدت السعودية يوم الاثنين الماضي أن الحوثيين استخدموا طائرات إيرانية بدون طيار لشن الهجمات من طراز “أبابيل”. كما يمتلك الحوثيون طائرات مسيرة من طراز” قاصف-١”، والتي من وجهة نظر خبراء الأمم المتحدة  تكاد تكون متطابقة مع طائرات “أبابيل” الإيرانية. والتي يتراوح مداها من ١٠٠ إلى ١٥٠ كيلومترا. وأضاف المتحدث العسكري السعودي أن الطائرات بدون طيار لم تطلق من الأراضي اليمنية. ولكن من أين؟

هل من إيران؟

إيران ترفض بشدة الاتهامات من الولايات المتحدة، وهي تمتلك القدرة على مهاجمة أهداف في المملكة العربية السعودية لكن هذا سيكون سلوكاً غير مألوف بالنسبة لطهران.

عادة ما يعمل الإيرانيون بطرق أخرى في المنطقة: إنهم لا يشنون الهجمات بأنفسهم – وإنما لديهم من يهاجم نيابة عنهم. وهم قد ساعدوا الحوثيين في اليمن على توسيع قدراتهم العسكرية. في الحرب الأهلية وفي في سوريا ، يدعم “المستشارون العسكريون” الإيرانيون أيضاً العديد من الميليشيات التي تقاتل إلى جانب الحاكم بشار الأسد.

أم هي من الجماعات الشيعية المسلحة في العراق. أنها أحد شركاء إيران المخلصين في المنطقة. تخضع قوات الحشد الشعبي المؤثرة بشكل رسمي لقيادة رئيس الحكومة العراقية، ولكنها تعيش حياة خاصة بها.

وقد قاتلت في الصف الأول ضد ميليشيا الدولة الإسلامية الإرهابية (داعش). وخلال هذا الوقت، لم يكتسبوا خبرة عسكرية كبيرة فحسب، بل تسلحوا أيضاً بمساعدة إيران.

ومن حيث المبدأ، هذه الميليشيات لديها دافع لشن تلك الهجمات على منشآت النفط السعودي. ففي الأسابيع الأخيرة، تعرضت عدة مجموعات من مخازن الأسلحة العراقية لهجمات بالطائرات بدون طيار. لقد ألقوا باللوم على إسرائيل، العدو الآخر لإيران. و ردا على ذلك، ربما تهاجم حليفاً آخر للولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإنها لم تظهر في مثل هذه الهجمات حتى الآن.

فعملية الهجوم من شأنها أن تكون أيضاً لعبة محفوفة بالمخاطر. لا يزال الوضع في العراق هشاً على الرغم من الانتصار العسكري على داعش. كما تفرض العقوبات الأمريكية على إيران ضغطاً على الدولة التي مزقتها الأزمة، والتي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع جيرانها، سياسياً واقتصادياً. كما يعمل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لإبعاد العراق عن نزاعات المنطقة. وفي محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو، أكد أنه يريد منع الهجمات من العراق على الجيران. يوضح القصف الحالي للأهداف السعودية أن لدى إيران العديد من الفرص للرد على العقوبات الأمريكية بالتصعيد العسكري.

وفي أقصى الغرب، ازدادت التوترات في الآونة الأخيرة. فهناك، اتهمت جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية، وهي حليف مقرب من طهران، إسرائيل بشن هجوم بطائرة بدون طيار في العاصمة بيروت. ردا على ذلك، قالت بأنها أطلقت النار على طائرة إسرائيلية بدون طيار. واتهمت إسرائيل إيران باستخدام حزب الله للترويج لبناء صواريخ دقيقة. ومن الممكن أن تشتد وتيرة حرب الكلمات والهجمات بالطائرات بدون طيار.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.