فن صناعة الإنسان في ظِـلال ثقافة دولة القُرآن
السياسية : تقرير || صادق سريع
القرآن الكريم، هو الكتاب المبين، والدين القويم، وحبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، والنور المبين، والدستور العادل، والحكم العدل، والكلام الجزل، والقول الفصل، ومنبع التوحيد، والمنهل العذب للعلوم، والمورد الخصب للعقول، وملاذ الأمة، ورمز العزة، وصلاح البشرية أجمع.
كيف لا!؟ وهو كلام الله الحق الذي أنزله جبريل الأمين على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الصادق الأمين -عليه الصلاة وأزكى التسليم وعلى آله وأصحابه- بيانًا وتبيانًا ومنهاجًا لعباده أجمعين، فهو المعجزة الخالدة، والكتاب الذي قال عنه الله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [سورة فصلت: 42].
عن أهمية القرآن الكريم وثقافته وهدى روحانيته وأحكام آياته ومقاصد معانيه في صقل شخصية المسلم، وتنظيم الحياة البشرية، وبناء دولة القرآن الحديثة في كل مجالات الحياة الدينية والدنيوية، أعدّ موقع "السياسية" هذا التقرير بمشاركة خبراء مُزجت حياتهم بروحانية القرآن وثقافته القرآنية.
برنامج حياة متكامل
يؤكد الدكتور محمد الحريشي أهمية القرآن الكريم وثقافته القرآنية في بناء الذات الإنسانية والمعرفية والنفسية للمسلم، كونه برنامج حياة متكامل منظم لسلوك وأعمال الفرد ليصبح إنسانًا مسلحًا بسلاح العلم والمعرفة والإيمان والتقوى ومخافة الله تعالى.
وقال: "من المفاهيم الخاطئة والمستوردة من الثقافات المادية الغربية، وانتشرت في الوسط المجتمعي، أن السياسة تحقيق مصالح معنوية ومادية بالحيل السياسية القذرة أو بالقوة، وفق قاعدة "الغاية تبرر الوسيلة"، والنتيجة معروفة، استبداد وصراع وحروب ونهب قوى الكبار للشعوب الضعيفة".
وأضاف: "إن مفهوم السياسة في الثقافة القرآنية يعني العدالة والرحمة والمحبة والتقوى والورع وعدم تجاوز حدود الله، وغيرها من الصفات الحسنة التي تبني المجتمع على أسس صحيحة ووفق هدي الله وتعاليمه، وهذا ينعكس في جميع المجالات سواء الاجتماعية أو الاقتصادية".
وتابع: "تراعي مفاهيم الثقافة القرآنية في المجال الاقتصادي روح التكافل بين الغني والفقير عبر منظومة اقتصادية مجتمعية تأسست على مبدأ العدالة، لا بالغش والاستغلال الإحتكار التجاري والمعاملات المالية الربوية.
وفق منظور الحريشي كشخصية أكاديمية، فـ"الثقافة القرآنية" هي الفهم الصحيح لأحكام ومعاني ومقاصد الآيات القرآنية الكريمة، وتطبيقها في واقع الحياة العملي، لتصبح سلوكًا يوميًا في حياة الإنسان المؤمن.
وفي عقيدته الثقافية، القرآن هو حبل الله الممدود لعباده المؤمنين، لبناء القدرات الإنسانية وصناعة القيادات التربوية والعلمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، بالتسلح بالمعرفة والتعايش في ظل الهدي القرآني وتقوى الله والتصالح الاجتماعي والمجتمعي.
ومن وجهة نظره كمسؤول ثقافي وإعلامي في محافظة المحويت والإتحاد العربي للصحفيين العرب، عندما تُبنى الدول والهيئات والمؤسسات على أسس مفاهيم الثقافة القرآنية على أساس العدل أساس الحكم، تكون قوية وتكون علاقاتها مع مجتمعاتها قوية، فالظلم سبب خراب الفرد والمجتمع والأنظمة والدول والأمم.
ما يريد الحريشي، قوله:"إن القائد المثقف بالثقافة القرآنية والمتحلي بمخافة الله، يمتلك القدرات الإدارية والقيادية لتحقيق العدالة في كل قراراته وأعماله من خلال استشعاره بالرقابة الإلهية وارتباطه الوثيق بالله سبحانه وتعالى، الذي يجنبه ارتكاب الأخطاء في حق نفسه وشعبه، وبالعدل يعيش المجتمع في ود ووئام ومحبة وسلام".
إستراتيجية بناء الذات والدولة الحديثة
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عبد الرقيب البليط التأثير المباشر للثقافة القرآنية في بناء شخصية الإنسان وتنمية قدراته العقلية والنفسية والفكرية والعلمية والسياسية والمهارية، بالمفاهيم التي رسمها القرآن الكريم في مقاصد معانيه وآياته الربانية التي تحث على العلم والعمل وجهاد النفس والكلمة ومواجهة متطلبات الحياة وأعداء الأمة.
وفق مرجعيته الثقافية، تكمن الأهمية الإستراتيجية للقرآن وثقافته القرآنية والإيمانية، في تكوين الفرد والمجتمع بنور آياته ووضوح معانيه وتوجيهاته الربانية، في تكوين الشخصية وتنمية معارفه في كل مجالات الحياة، بكل ما تحمله من أسس ثقافية وعلمية ومفاهيم صحيحة وارتباطات روحانية بملكوت الله تعالى.
وفي قراءته الواقعية لمقاصد الثقافة القرآنية، فهي تعزز الهوية الإيمانية والوطنية وحب الأوطان، ومواجهة حملات استهداف أبناء الأمة بالغزو الثقافي والفكري، والمجتمعات الإسلامية، والدين، والمقدّسات، والثقافة الإسلامية الأصيلة، وأمن واستقرار الشعوب، ونهب ثرواتها، وتدمير مستقبل أجيالها القادمة.
وقال: "تكمن أهمية الثقافة القرآنية في تعزيز الروابط الإيمانية بين الله وعباده والتمسك بحبله المتين وتطبيق أحكام القرآن والثقافة القرآنية الإيمانية والوطنية بدون تفريط مهما كانت التداعيات والمغريات".
وأضاف: "الثقافة القرآنية ترسم للمؤمن المتثقف بها حقائق الواقع وكيد الأعداء، وتكشف أهداف مخططاتهم القذرة وخبث أطماعهم في الهيمنة على الشعوب ونهب ثرواتها، وطمس هويتها القرآنية والإيمانية والوطنية بثقافات مستوردة من معتقدات وخرافات غربية وضيعة".
وأكد: "إن الثقافة القرآنية هي المنهج الرباني لبناء أجيال الأمة على أسس الدين المحمدي وأخلاقيات السيرة النبوية، وهي بوصلة المسلم نحو الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله ضد أعداء الإسلام وقوى الغزاة والاحتلال والاستعمار والمتأسلمين".
واعتبر أحكام ونصوص القرآن الكريم توجيهات وأوامر ربانية صريحة وواضحة نزلت على شكل آيات في سور القرآن الكريم بصور متعددة تلبي كل المجالات الحياتية، الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وغيرها.
ودعا أبناء الأمة إلى الالتزام والعمل بأحكام ونصوص القرآن الكريم وثقافته الإيمانية التي تعد مجمع العلوم، وماضي وحاضر الثقافات، وكنز المعرفة، وزاد الوعي، والحارس الأمين للعقيدة، وأساس بناء المجتمع اليمني والدولة اليمنية الحديثة على أسس قرآنية صحيحة في مختلف المجالات.
مدرسة الصمود وصناع الرجال
في قراءة الكاتب والباحث عدنان الجنيد، يُعتبر القرآن وثقافته الحصن الحصين، ومدرسة الرجال وصناع القرار الذين يفسدون كيد رسائل التضليل ومؤامرات الغرب، ويدافعون عن قضايا الأمة بوعي وبصيرة، في الزمن الذي تتكالب فيه قوى الاستكبار، ويتسابق المنافقون إلى التطبيع.
وقال: "هذه الثقافة القرآنية ليست نصوصًا محفوظة على رفوف، بل منهاج حياة يُترجم في الحياة السياسية والاقتصادية والجهادية والتعليمية، وسائر مجالات الحياة".
وأضاف: "الثقافة القرآنية علمتنا أن القرار السيادي لا يُباع ولا يُشترى، وأن الذل والهوان في الارتهان للخارج، وعلى هذا المبدأ أعلن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي المشروع القرآني للأمة، مشروع ألا يخضع لضغوط إملاءات دول الغرب، ولا لإغراءات دول النفط، بل جعل القرآن شوكة ميزان مواقفه".
وتابع: "تحث مفاهيم الثقافة القرآنية على تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الزراعي لتعيد روح اقتصاد البلاد، بتشجيع الإنتاج الزراعي المحلي، وقد أصبحت الأرض اليمنية اليوم تزرع وتنتج القمح اليمني".
ومضى يقول: "لا جيش إلا بالتسلح بالهدي القرآني والثقافة القرآنية، وعلى هذا تأسست القوات المسلحة اليمنية وصنعت الصواريخ والمسيرات في ظل الحصار، وقد واجهت حاملات الطائرات الأمريكية وأحدث الأسلحة الغربية وأعتى جيوش العالم، بكل شموخ وصمود، وانتَصرت عليها".
وأكد أن سر صمود اليمن وقيادته وشعبه وقواته المسلحة أمام صلف حملات العدوان التي تستهدف العقيدة والوطن في الإلتزام بتعاليم وأحكام القرآن وثقافة آياته القرآنية، وقد بات اليمن اليوم قوة ردع أقليمية ولاعب أساسي في معركة إسناد غزة والمنطقة والعالم ضد قوى العدوان والاحتلال، رغم معاناته من جراحات الحروب والحصار.
خلاصة رسائل الكاتب السياسي الجنيد تؤكد: "إن الثقافة القرآنية ليست مجرد دروس ثقافية تُدرس فقط في باحات المساجد، بل دستور حياة، تبني السياسة على مبدأ العدل، والاقتصاد وفق نظرية الاكتفاء، وتبني الجيش على أساس عقيدة الجهاد، والتربية على مبدأ الهوية الإيمانية، والمجتمع على التعايش السلمي والرحمة والتكافل الاجتماعي".

