الشيخ إبراهيم الشراعي*


العصر-ليست جمعةً عابرة، ولا لحظةً مؤقتة في روزنامة الزمن، بل هي لحظة مفصلية، ارتفعت فيها هامات اليمنيين في كل ميدان، ودوّت أصواتهم بنداءٍ لا يقبل التأويل: “جهوزيتنا كاملة… للحسم الشامل.”

في هذه الجمعة التي لا تُشبه ما قبلها، تكسّرت كل التوقعات، وتلاشت رهانات العدو في إمكانية شق الصف، أو إخماد الوعي، أو إغراق الشعب في دوامة الانشغال اليومي والمعاناة المعيشية. لقد خرج اليمنيون بالملايين، من صعدة الصمود إلى سواحل الحديدة، ومن صنعاء الوفاء إلى إب وذمار والبيضاء، ليرفعوا علم القرار الشعبي الأصيل، ويعلنوا أنهم اليوم أكثر تماسكاً، وأكثر وعياً، وأكثر استعداداً من أي وقت مضى.

الشوارع لم تكن مجرد ساحة لعرض الشعارات، بل كانت ساحة لعرض القوة الناعمة لهذا الشعب العظيم. تلك الحشود التي ملأت الأرض، كانت تعبّر عن جيشٍ احتياطي عظيم، لا يحمل السلاح في يده، لكنه يحمله في وعيه، وفي موقفه، وفي انتمائه الذي لا يتزعزع.

كل شعار كان رصاصة، وكل لافتة كانت صاروخ موقف، وكل هتاف كان إعلان تعبئة حقيقية.

رسالة اليوم لم تكن داخلية فقط، بل طافت بكل أبعادها إلى خارج الحدود. كانت رسالةً إلى العدو الإسرائيلي بأن الشعب الذي يرابط في جبال اليمن، ويحاصر البحر الأحمر، لا يخرج عبثاً، ولا يتحرك ارتجالاً. وكانت رسالة إلى الأمريكي بأن الوصاية انتهت، وأن زمن الهيمنة ولى دون رجعة. وكانت رسالة إلى كل من يراهن على تعب الشعوب: بأن التعب موجود، نعم، لكنه لم يُنتج إلا صبراً، ولم يُثمر إلا وعياً، ولم يُخلّف إلا رجالاً لا يساومون على الحق.

وحدها القيادة التي تنبض من وجدان الشعب قادرة على صناعة مثل هذا المشهد. السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي لم يكن فقط مُلهِماً بخطابه الأخير، بل كان قائداً حقيقياً أطلق شرارة الوعي، وأعاد صياغة المفاهيم، وحرّك جبهة الداخل لتلتحم بجبهة الخارج، في مشهد استثنائي قلّ نظيره في تاريخ المنطقة.

لقد خرج اليمنيون اليوم، لا ليعبّروا فقط، بل ليحدّدوا، ويعلنوا، ويرسموا خط النهاية لمسار طويل من العدوان والحصار، ويقولوا: نحن من نقرر متى تكون النهاية، ومتى يبدأ الحساب الحقيقي.

في جمعةٍ كهذه، لم يعد السؤال: هل يستطيع اليمن أن يحسم؟ بل صار السؤال الأهم: متى يقرّر اليمن أن يحسم؟


* المقال نقل من رأي اليوم ويعبر عن وجهة نظر الكاتب