السياسية || محمد محسن الجوهري*

للحق وجهٌ واحد وللباطل وجوهٌ كثيرة ومتنوعة، لكنها تجتمع على نقطةٍ واحدةٍ مشتركة فيما بينها، وهي معارضتها للحق بكل الوسائل والطرق. فهي دائماً على النقيض منه، وفي الاتجاه المضاد له، حتى وإن رفعت شعاراتٍ براقةٍ عن الدين، فهي حريصة على أن تبقى رايتها مسالمة تجاه الوجوه الأخرى للباطل، وأن تكتفي فقط بمعارضتها للحق وأهله. وهذا حال كل من يعلن العداء للمشروع القرآني في اليمن.

وبما أن النظام السعودي هو الراعي الرسمي للفرق الضالة في اليمن، وبعد الفشل الذريع الذي مُنيت به الوهابية السلفية، فقد اتجه إلى تبنّي أطرافٍ أخرى لمواجهة المشروع القرآني، وهذه المرة عبر الغلاة من المحسوبين على فقهاء الزيدية، على أمل أن يُقارع الحق من الداخل، أو كما تملي عليه أهواؤه الموجَّهة من قبل الصهيونية العالمية.

ولم يَعُد خافيًا على أحدٍ أن آل سعود مجرد أداة بيد أعداء الإسلام، وعليهم تمويل كل المشاريع المضادة لغير الكيان الصهيوني، وعلى رأسها المشروع القرآني، وأن يُجزلوا العطاء لأي طرفٍ تتوافق نزواته مع مطامع الصهيونية العالمية. ومن هنا كان التبنّي لعددٍ من الفقهاء المحسوبين على أُسر كبيرة في اليمن، وخاصة في محافظة صعدة، من أجل تقديم مشروعٍ آخرَ مضاد، مهمته تثبيط العامة عن مناصرة الحق والجهاد في سبيل الله.

وكما هو معروف، فإن للنظام السعودي موقفًا معاديًا للزيدية في الماضي، لكنه اليوم اتجه للتحالف مع الضالين من أبنائها، شريطة أن يتبرأوا من الجهاد والقرآن، وأن يكتفوا بالحديث عن قضايا جانبية لا علاقة لها بتحرير الأمة من عوامل الخنوع، وأن يكون هدفهم إنشاء جيلٍ جديد من "المستخرفين" الضائعين، ولكن باسم الدين، بل وحتى بعناوين لها صلة بآل البيت، ولكن بعيدًا عن قرناء الكتاب منهم.

وكما يعلم أبناء محافظة صعدة، فإن هذا التيار يتجه لمخالفة المسيرة القرآنية عنادًا للحق وطمعًا في المال السعودي. وآخر نزواتهم كان صيام يوم عيد الفطر، رغم أن الحجج كانت دامغة ضدهم، ولكن ليس لمثلهم لسان ذِكر حتى يكترثوا له. فهمهم الوحيد تفريق الأمة وزرع الفتن والاختلاف بين أبنائها.

والأسماء المنضوية تحت هذا المشروع كثيرة، وهي معروفة ببغضها للجهاد في سبيل الله، وخنوعها للنظام السابق وللمال السعودي، ولا يُذكر لها موقفٌ مشرّف في مقارعة المدّ الوهابي في الماضي. ولذا فإنها محلّ رضا آل سعود، كما أن صوتها خافتٌ جداً، إلا إذا تعلق الأمر بمعاداة القرآن وقرنائه الصادقين من آل البيت، بقيادة علم الهدى السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله.

أما منهجهم فيركّز على إحياء طقوسٍ مبالغٍ فيها، كزيارة القبور، والحديث عن الفرعيات، والتمسك بأعلامٍ وهميين لا علاقة لهم بالجهاد في سبيل الله أو مناهضة المدّ الوهابي. وقد حظوا بدعمٍ كبير جدًا من النظام السعودي، الذي بنى لهم مساجد ضخمة، ومدارس، ومزارات، ومقامات للقبور، رغم أن في ذلك تناقضًا صريحًا مع عقيدة آل سعود، التي تعتبر ذلك من الشركيات.

إضافة إلى ذلك، يركّز دعاة "الوهابية الزيدية" على تدريس أصول الفقه وعلم الكلام، وهي من العلوم التي أسهمت في تفريق الأمة الإسلامية، وشرعنت للفرقة والاختلاف، وأبعدت المسلمين عن فريضة الجهاد. وفي ذلك تكريسٌ لثقافة الذل والخنوع، وهو ما يتعارض كليًا مع ثقافة آل البيت عليهم السلام، ومع الإمام زيد نفسه الذي نذر حياته للجهاد في سبيل الله، وتوحيد المسلمين تحت راية الكتاب الكريم.

ونذكر أن من بين الأسماء التي تتزعم هذا التيار شخصيةً مثيرةً للجدل، ورد اسمها في كشوفات اللجنة السعودية الخاصة، وقد كُتب أمام اسمه مبلغ "ألفا" ريال سعودي، أي في ذيل القائمة التي يعلوها المرتزق علي محسن الأحمر، الذي كان يتقاضى مبلغ ثلاثة ملايين ريال سعودي من اللجنة نفسها.

ولا نظن أن لهذا التيار أي تأثيرٍ فعلي في مواجهة المشروع القرآني، فهو امتدادٌ للكيد الشيطاني الضعيف، وجميع شخصياته تخشى من ظلّها. ولو كانوا رجالاً لانخرطوا في الجهاد في سبيل الله، ولما استكانوا للعيش، وخنعوا لشيوخ الوهابية، وسكتوا على إذلالهم وإهانتهم على مدى عقود. فليسوا سوى جزء من الأذى الذي يمارسه أهل الكتاب بحق أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الصادقة المجاهدة، والواقع خير شاهد.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب