بقلم: زينب سلطان

(مجلة “كولومبيا جورنال زيم رفيو”الأمريكية، ترجمة: جواهر الوادعي-سبأ)

في أعقاب أحداث الحادي عشر سبتمبر، عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان، ذهب الصحفيون إلى هناك مع القوات الأمريكية وكتبوا  قصصاً عن الحرب الأمريكية ضد الإرهاب.

وفي وقت لاحق من عام 2003 ساعدت الصحافة في إقناع الرأي العام الأمريكي بأن الديكتاتور العراقي صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل وأن التدخل الأمريكي كان ضرورياً لتحرير الشعب العراقي.

وفي سوريا تم كتابة تفاصيل الصراع الداخلي بالوكالة هناك على شكل قصة تلو الأخرى.

إلا أن الحرب الرابعة الدائرة في اليمن التي هي على قدم المساواة من ناحية الدمار واحتمال حدوث تداعيات تؤثر مباشرة على الأميركيين، تمت تغطيتها بشكل مختلف تماماً, وقد وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها “حرب منسية”, حيث كانت تغطية النزاع الذي اندلع منذ خمس سنوات والذي تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث متقطعة ومبسطة.

إنها بالتأكيد قصة معقدة – تتطلب تفهماً دقيقاً للثقافات والتيارات السياسية للمنطقة بأكملها, الحروب الأهلية ابتليت الشعب لسنوات, ففي عام 2011, عندما هز الربيع العربي شبه الجزيرة العربية وأجزاء من شمال إفريقيا، احتج اليمنيون من أجل الديمقراطية, حيث أطاحوا بحكومة علي عبد الله صالح الذي حكم البلد لمدة 33 عاماً وتم إجباره على تسليم السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي.

وفي عهد هادي، الذي خاض الانتخابات عام 2012, كانت الإصلاحات بطيئة واستمر الفساد وانعدم الأمن الغذائي, إذ أراد المتمردون الحوثيون – وهي حركة مقاومة تتبع الطائفة الشيعية الإسلامية الأكثر انتشاراً في إيران – تمثيلا سياسيا أكبر, وفي عام 2014, تحالفوا مع صالح وسيطروا على العاصمة صنعاء.

 

فر هادي إلى المملكة العربية السعودية في أوائل عام 2015, تصاعد القتال على السلطة بين الفصائل القبلية والحكومية داخل اليمن في مارس من ذلك العام، عندما تدخلت المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى بغارات جوية لمحاربة النفوذ المتزايد لإيران على الحوثيين.

وفقاً للوكالات الدولية، يمكن أن يصل عدد القتلى من الغارات الجوية والظروف الشبيهة بالمجاعة في البلد إلى ثمانين الف شخص.

تقول رضية المتوكل، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان ورئيسة منظمة “مواطنة لحقوق الإنسان”، أنه يتم استهداف الصحفيين المحليين بشكل روتيني بحملات التشهير التي يديرها كل من التحالف السعودي والحوثيين على وسائل التواصل الاجتماعي, وتقول: “أنهم يحاولون نشر فكرة أننا جواسيس للولايات المتحدة، وعزلنا عن مجتمعنا لأنهم يعلمون أن أسوأ شيء يمكن أن يحدث لنا هو أن نكون متحيزين”.

بالنسبة إلى شعيب المساوى، صحفي مستقل مقيم في صنعاء، فإن محاولته عدم لفت الانتباه قد جعلته في مأمن وسمحت له بالحفاظ على مصداقيته, وفي السنوات الخمس الماضية، رفض عدة مقابلات وظهور تلفزيوني.

يكتب المساوى في الغالب في وسائل الإعلام الغربية مثل التايمز انترسبت ومجلة فورين بوليسي, و”معظم الناس في اليمن لا يقرأون الصحف الدولية أو الأخبار على الإنترنت – لذلك لا يعرفني الناس.”

لكن المساوى يعزو طول عمره كمراسل جزئياً إلى حقيقة أنه تجنب هجمات الحوثيين, ففي المقام الأول، يميل إلى الإبلاغ عن التحالف والأزمة الإنسانية بسبب اهتمام المحررين المستمر بالقضية، وهذا ما يجعلني بعيدا عن المشاكل”.

يواجه المراسلون الأجانب قضايا أخرى, عندما بدأت إيونا كريج، الصحفية المستقلة، في تغطية ثورة اليمن في عام 2011, أتذكر أن الوصول كان سلعة نادرة يظل المرء من غير الممكن التنبؤ به.

لا يزال الصحفيون الأجانب محاصرين بين الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون وقوات التحالف الذي تقوده السعودية في الجنوب ويحتاجون إلى الحصول على إذن من كلا الطرفين إذا كانوا يريدون دخول البلد.

وتقول كريج: “هناك في الواقع دولتان بقدر الحصول على تأشيرات”.

ظهر أول تقرير مهم عن اليمن في الصحافة الأمريكية في أكتوبر 2016, عندما تم قصف عزاء في صنعاء أدى إلى قتل أكثر من مائة شخص.

رعب الحادث والتقارير التي تكشفت بعد أسابيع قليلة عن أن القنبلة أنها صنعت في الولايات المتحدة، تعني أن القصة قد تم اختراقها.

ركزت تغطية أخرى على التأثير الإنساني للحرب, أثارت قصة نيويورك تايمز عن أمل حسين، البالغة من العمر سبع سنوات، غضباً عارماً من جميع أنحاء العالم.

تشير كريج إلى أن صورة أمل ووفاتها بسبب الجوع ترمز إلى معاناة اليمن وتلقت تغطية نادرة على الصفحة الأولى, كما أعلن التحالف عن تخفيف القيود المفروضة على الوصول في صيف عام 2018.

لكن معظم الصحفيين يربطون الارتفاع الأخير في تغطية اليمن بقتل الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر عام 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول, حيث أشعل القتل جدلاً عاماً وتمحيصاً للأعمال السعودية داخل الولايات المتحدة.

كما أدى ذلك في الكونجرس الأمريكي إلى إقرار قانون قرار القوى الحربية الذي دعا إلى إنهاء التدخل العسكري الأمريكي في حرب اليمن. (تم الاعتراض على هذا الإجراء من قبل الرئيس ترامب في أبريل), ويقول المساوى : “قتل خاشقجي كان مثيراً للاشمئزاز”, “لم يستطعوا (الأمريكيون) تجاهل تورط السعودية في اليمن بعد هذا الحادث”.

المملكة العربية السعودية بحاجة ماسة لتغيير صورتها, إذ تقول كريج أن منح تأشيرات للصحفيين في واشنطن إلى اليمن كانت بمثابة “المصاصات”.

ووفقاً لمحمد بازي، أستاذ الصحافة بجامعة نيويورك، جذبت إدارة ترامب مزيداً من التدقيق لسياسته الخارجية أكثر مما كان الرئيس أوباما- كما يتضح في تغطية صفقات الأسلحة التي كان ترامب يوقعها والطرق التي جاء بها للتأثير على هذا النزاع.

في شهر يوليو من هذا العام، نشرت محطة الشبكة التلفزيونية الأمريكية (بليك برودكاستنغ سيرفيس)،مقالاً يفصل صفقة الأسلحة بقيمة ثمانية مليارات دولار مع المملكة العربية السعودية.

كما نشرت صحيفة انترسبت تقريراً مفصلاً حول الاستخدام الواسع للأسلحة الأمريكية في اليمن، وخلصت إلى أن “المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تعتمدان إلى حد كبير على أنظمة الأسلحة المنتجة في الغرب لشن حربهما المدمرة في اليمن”.

في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أنها ستسحب بعض قواتها من اليمن، والتي يقول الخبراء إنها تمثل خلافاً متزايداً بين الحكومتين السعودية والإماراتية.

قبل أسابيع قليلة، بدأت الاشتباكات بين القوات السعودية والانفصاليين الجنوبيين المدعومين من الإمارات، مما أسفر عن مقتل اربعين شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من مائتين.

تقول ماجي مايكل، مراسلة أسوشييتد برس، إنه على الرغم من كل الفوضى في هذه الحرب المستمرة منذ سنوات، ما زال الحوثيون يروون قصصاً للصحفيين حول التكلفة الإنسانية للنزاع, وتضغط قوات التحالف السعودية للحصول على معلومات حول الأطفال الجنود الذين قيل إنهم يستخدمهم الحوثيون وتراجع عن المزاعم حول سجون التعذيب.

تقول مايكل، التي فازت بجائزة بوليتزر هذا العام عن تغطيتها للحرب، أن الصراع يعكس في نهاية المطاف المعضلة الأساسية التي يواجهها كل صحفي: “لقد أعطيت لك نسخاً مختلفة من الحقيقة ومهمتك هي البحث بعمق للكشف عن الحقيقة “.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر و بالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.