د. حكم امهز*

لن نتوسع في الحديث عن الحروب على اختلاف أنواعها (إعلامية، نفسية، ناعمة، خشنة، ذكية، اقتصادية.. إلخ) التي تعرضت لها إيران وحلفاؤها بهدف تشويه دورهم. ما يهمنا هو الحرب الإعلامية الضروس التي شُنّت على إيران في الفترة الأخيرة، وخاصةً منذ بدء العدوان البري على لبنان في الأول من أكتوبر الماضي.

بعد مجزرة البيجر وانطلاق العدوان الإسرائيلي الجوي على لبنان من خلال استهداف قادة حزب الله وقصف بعض مخازن الأسلحة وتدمير الأبنية السكنية، استغل أعداء إيران ومحور المقاومة الفرصة ليشنّوا حربًا إعلامية ونفسية على بيئة المقاومة، شعارها "إيران تخلت عنكم وعن حزب الله وباعتكم" مستفيدين من أن إيران ظاهريا، لم تدخل مباشرة في الحرب، وهذا ما يظهر للرأي العام، أما في الواقع، فقد كانت في صلب المعركة، بدليل استشهاد ضباط كبار من الحرس الثوري مع قادة الحزب.

لم يكتف الأعداء بذلك، بل استغلوا تحريف تصريحات مسؤولين إيرانيين، واستخدموها أداة حرب إعلامية مساعدة لتحقيق هدفين: الأول: إحداث شرخ بين إيران وبيئة المقاومة، والثاني: إحداث شرخ بين إيران والحكومة اللبنانية وتجييش اللبنانيين من خارج بيئة المقاومة.

فمثلًا، تم تحريف تصريحات رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف لقناة سي إن إن، والتي كانت تُترجم بشكل فوري من الفارسية إلى الإنجليزية. وقد وقع المترجم في خطأ عندما ترجم حديثًا لقاليباف بأن إيران مستعدة للتفاوض مع فرنسا على القرار 1701 الخاص بلبنان.

كانت الترجمة مخالفة للحقيقة تماما، فالموقف الصحيح هو أن إيران تقف خلف الحكومة اللبنانية والمقاومة والشعب، فيما يقررونه بشأن القرار المذكور. هذا ما أعلنه قاليباف خلال زيارته للبنان أثناء العدوان وقبل المقابلة على سي إن إن، وهبوطه بطائرته التي كان يقودها بنفسه، متحديا الحظر الإسرائيلي المفروض على الطيران الإيراني إلى مطار بيروت.

مع تطور الأحداث في سوريا وسقوط نظام الأسد، تجاهل الحكام الجدد كل القوى الأجنبية الموجودة بشكل شرعي أو غير شرعي على الأراضي السورية، واتجهوا إلى إيران، التي لا وجود لها في سوريا، وبدأوا يُحصون عليها أنفاس قادتها، لتسخير ذلك في الحرب الإعلامية ضدها، لمجرد أنها إيران.

تجاهل الحكام الجدد "إسرائيل" التي اجتاحت الجنوب حتى مشارف دمشق، وضربت القدرات العسكرية الاستراتيجية السورية، وتجاهلوا الاحتلال الأمريكي لشرق الفرات، وتجاهلوا القوات التركية في الشمال وما يُقال عن أطماع لها في حلب وغيرها في إطار المخطط العثماني.

الإشارات الإيجابية التي أرسلتها طهران للقادة الجدد في بيان رسمي تفيد بأنها مستعدة لإقامة علاقات بين البلدين على أساس الاحترام المتبادل، وأن يقرر الشعب السوري مصيره بنفسه دون تدخل خارجي.

لم تُحلّ عقدة الحكام الجدد تجاه إيران، فوجدنا أن هؤلاء القادة يستغلون تصريحات لقادة إيرانيين، مترجمة بشكل محرف، ليصوبوا سهامهم على إيران. فحذر وزير الخارجية السوري الجديد، أسعد الشيباني، من التدخل الإيراني في شؤون سوريا، معتمدا على ما وصفه بـ"التصريحات الأخيرة" للقادة الإيرانيين.

فتشنا في التصريحات الإيرانية الأخيرة، فعثرنا على موقف لقائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي ترجمته بعض وسائل الإعلام الغربية بشكل محرف، وهدفه سياسي مقصود.

يقول التصريح المحرف مضمونه أن قادة الثورة الإسلامية دعوا الشباب الشريف في سوريا لمواجهة الجماعات الجديدة في دمشق التي تُحدث الفوضى. رجعنا إلى التصريح بالصوت والصورة، فوجدنا أن النص الحرفي هو التالي "نتوقع أن تظهر مجموعة قوية وشريفة في سوريا، فالشباب السوريون ليس لديهم ما يخسرونه اليوم، فمدارسهم وجامعاتهم وبيوتهم وشوارعهم غير آمنة. لذلك، هم قادرون على الوقوف في وجه المخططين والمنفذين للفوضى بقوة إرادتهم، وبمقدورهم التغلب عليهم".

والتصريح الثاني "تمكنت مجموعة من مثيري الفوضى، بمساعدة حكومات أجنبية وتخطيطها، من استغلال نقاط الضعف الداخلية في سورية وجرّها إلى الفوضى".

يُستشف بوضوح من ربط التصريحين ببعضهما أن آية الله خامنئي كان يستشرف المرحلة في سورية ولم يدعُ أبدا إلى المواجهة، بل قال إنه يتوقع أن تظهر مجموعة تقوم بمواجهة المخططين، أي الأمريكيين والإسرائيليين.

بحثنا في تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فوجدنا أنه أيضا، من باب الاستقراء والتوقع، يحذر الحكام الجدد من عدم التسرع في اعتبار ما يجري في سورية انتصارا نهائيا لأي طرف.

وقال: "على من يعتقدون أنهم حققوا انتصارات في سورية أن يتمهلوا في إطلاق الأحكام، فالتطورات المستقبلية كثيرة". ثم جاء نفي رسمي للمتحدث باسم الخارجية للادعاءات بالتدخل في الشؤون السورية، ورفض "جملة وتفصيلًا التهم الزائفة التي توجهها بعض الوسائل الإعلامية ضد إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية لسورية".

وفقا لما سبق، هل سيبقى الحكام الجدد على ما هم عليه، ويبقون أسرى للمرحلة الماضية التي تعهدوا بطيّها؟ أم أنهم سيبقون على مقولة "عنزة ولو طارت"؟

الآمل أن نسمع موقفا من الحكام الجدد، أن نسمع صوتا عاليا منهم يدين الاجتياح الإسرائيلي ويعتبره تدخلا وانتهاكا، وأن يتخذوا موقفا من الاحتلال الأمريكي. إيران تمد يدها إلى الحكام الجدد في سورية، وعبر "مبادرة المودة" الجديدة إلى كل حكام العرب والمسلمين في المنطقة، فهل سيمدون أيديهم؟


* المقال نقل من موقع قناة العالم ويعبر عن وجهة نظر الكاتب