السياسية:

د. حكم امهز*



عندما تسقط سوريا في ايدي جماعات المعارضة المسلحة دون مواجهة مع الجيش أو إطلاق طلقة واحدة ندرك تماما أن هناك امرا دبر على مستوى دولي فأفضى إلى ذلك.. لكن هل يقدم المستوى الدولي خدمات مجانية؟ أو يخدم احدا غير نفسه والكيان الإسرائيلي؟

إذا انطلقنا من هذه الفرضية.. يمكن أن نصل إلى توقع السيناريو الاكثر احتمال لسوريا على المدى القريب وليس البعيد.

أولا: لا بد أن نرصد ما جرى باختصار.. كان يُعلم منذ سبتمبر أن المعارضة المسلحة تجهز لشن هجوم على حلب.. وقد تم إبلاغ الحكومة السورية بذلك من قبل جهات دولية موثوقة... فجأة يبدأ الهجوم، وخلال أحد عشر يوما تكون قد سقطت حلب وحماه وحمص ودمشق وكل سوريا تقريبا بيد المعارضة بدون مواجهة تذكر.

فور وصول "الفاتحين" إلى دمشق وبالتزامن مع الاحتفالات بسقوط النظام، يجتاح الكيان الصهيوني مساحات شاسعة من سوريا ويصل إلى مشارف العاصمة دمشق وينفذ مئات الغارات الجوية، مستهدفا القدرات الاستراتيجية العسكرية للقوات المسلحة السورية، ويقول إنه قضى على حوالي 80% منها.

بالتزامن أيضا.. يتم اغتيال عدد من علماء سوريين دوليين بارزين وأكاديميين ومختصين في الذرة وشؤون علمية تقنية متطورة.

في العموم، يفهم أنه تم القضاء على القدرات العسكرية الأساسية لنزع انياب سوريا، وتم وضع العاصمة تحت الإشراف الإسرائيلي المباشر للتدخل والسيطرة عند الحاجة، وتم ضرب الأدمغة التي قد تشكل خطرا علميا وعمليا على الإسرائيلي.

تم تقديم ما سبق، كتمهيد للسيناريو الاكثر ترجيحا وهو أنه قد تم اتخاذ قرار دولي بأنها الجماعات المسلحة الموصوفة "إرهابية" في سوريا.. وذلك على غرار ما حصل مع القاعدة بعد انتهاء مهمتها في أفغانستان، ومع داعش بعد انتهاء مهمتها في سوريا والعراق.. وكلا الجماعتين، عمل المخططون الدوليون على إخراجهما من مكان تجمعهما، ونشرهما في حيز جغرافي واسع جدا، فتت من خلاله جمعهما، وسهل عملية القضاء عليهما..

الجدير بالذكر أنه كان السؤال دوما عن مصير الجماعات المسلحة الأجنبية في سوريا، وكان الجواب دوما، إنه لا يوجد حل له، فلا دولهم تقبل بعودتهم باعتبارهم "إرهابيين" يشكلون خطرا على أمن دولهم، ولا الدول التي هم فيها تقبل ببقائهم للسبب ذاته، ولا حتى دول أخرى يمكن أن تستقبلهم.. فلذلك "المحرقة" هي أفضل إخراج لمصيرهم.

بحسب المصادر فإن المعارضة المسلحة السورية تضم عشرات الفصائل، تختلف مشاربها ومآكلها الفكرية والعقدية والسياسية، من الإسلامية المتنوعة إلى العلمانية، لم يوحدها الا هدف إسقاط النظام، لكن بعد إسقاط النظام، ما هو هدفها؟ بالتأكيد ليست موحدة على هدف، وهذا ما سيشعل الاقتتال بينها.

ما صدر عن هذه الجماعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عبّر عن التناقض، فبعضها داس علم "الثورة" وبعض آخر تهجم على الجولاني، وطالبه بإطلاق سراح سجناء القاعدة، وبعض ثالث توعد بتحرير الكعبة والمدينة..الخ.

ثم جاء الاعلان من الإدارة الانتقالية للجماعات المسلحة في سوريا، بأنه سيكون هناك جمع للسلاح من كافة الفصائل، للانضواء تحت راية وزارة الدفاع والقوات المسلحة.. من اتخذ القرار هي هيئة تحرير الشام، حيث بدأ الحديث بين الجماعات عن تفردها بالقرار دون التشاور مع الجماعات الأخرى، فالجولاني عيّن رئيس حكومة انتقالي ووضع علم الهيئة في جلسة حكومية، وبدأ يتفرد بالقرار الاستراتيجي للبلاد.

لم تعلن الجماعات المسلحة المنضوية في المعارضة عن موقفها من قرار تسليم السلاح بعد، ولكن خبراء يوكدون أن بعضها لن يقبل، وهذا ما قد يؤدي إلى حدوث اشتباكات ومعارك، قد تتحول إلى حرب أهلية، يتقاتل فيها الموحَدون اليوم على إسقاط النظام. وهذا يعني أن التدمير والتآكل، سيضعف هذه الجماعات، وتظهر أمام المجتمع الدولي وأمام مشغليها اللوجستيين، أنها غير قادرة على الإمساك بالحكم والسيطرة على الأمن في البلد. حينها سيتولى المخَططُ الدولي تقديم فريقه للحكم، فريق يتأنق ربطات الأعناق والبدلات الحديثة ويدخن السيجار، باعتباره "المنقذ الديمقراطي" المدعم من الغرب المحافظ على الحقوق والحريات. في ذلك الوقت لن تجد الجماعات المسلحة حاضنة اجتماعية كما حصل عند دخولها إلى دمشق بالأمس، بل ستكون الحاضنة تحولت إلى الفريق الغربي الذي سيوفر لها ما عجزت عنه هي. وستقدم المعونات للفريق ليثبت قدرته على تحقيق "المعجزات" بمعاونة الغرب وحلفائه.. والنماذج موجودة في دول عربية أخرى، ضربها "ربيع التغيير".

الفريق الحاكم المحسوب على الغرب، ستكون مهمته تأمين مصالح الغرب والكيان الصهيوني أولا، ولا يعني أن الحكام الجدد الآن لا يؤمنون، بل تأمين عن تأمين يفرق، خصوصا وأن حكام اليوم "الإسلاميين"، سيكونون محرجين في توقيع اتفاقيات تطبيع مع الإسرائيلي.

إشارة أخرى.. الكل يعلم أن الدعم العربي لحكام "الإسلام السياسي" الجدد في سوريا غير مريح بالمطلق لبعض الدول العربية التي يوجد فيه إسلام سياسي ويشكل خطرا على أنظمتها، مثل الجارة الأردن والجارة الأبعد قليلا مصر والإمارات وغيرها.. ووجود هؤلاء الحكام في السلطة لا يتماشى مع مصالح هذه الدول فلذلك هذه الدول لن توفر الدعم المطلوب، لا ماديا ولا معنويا لهم، خشية أن يستقووا عليها، ويشكلوا خطرا على أنظمتها كون فيها من الإسلام السياسي ما فيها. ولهم في مصر وتونس عبرة.

حمى الله سوريا وأهلها وصانها من كل اذى.

* المادة الصحفية نقلت من موقع قناة العالم بتصرف