"العفو الدولية" اتهمت "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية في غزة.. ما التالي؟
السياسية – متابعات :
موقع "Slate" ينشر مقابلة مع نادية دار، الرئيسة التنفيذية للشؤون الاستراتيجية والتأثير في "منظمة العفو الدولية"، أجابت فيها عن الخطوة التالية للمنظمة بعد اتهامها "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وأوضحت كيف تم إصدار هذا الاتهام.
أدناه نص المقابلة منقولاً إلى العربية:
أصبحت "منظمة العفو الدولية"، الأسبوع الفائت، أول منظمة حقوقية رئيسة تتهم "إسرائيل" رسمياً بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة. ويقدم تقريرها المؤلف من 296 صفحة أدلة تتضمن روايات عن عمليات قتل جماعية للمدنيين، ووصفاً للظروف المعيشية المزرية التي يعيشها قطاع غزة المحاصر والمكتظ بالسكان، والتي تقول "منظمة العفو الدولية" إنّها تهدف إلى القضاء على حياة الفلسطينيين. وبحسب التقرير، فإنّ "إسرائيل ارتكبت، وما زالت ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة".
ومع قيام منظمات أخرى، بما في ذلك الأمم المتحدة و"هيومن رايتس ووتش"، بدق ناقوس الخطر بشأن الأعمال العسكرية الإسرائيلية، وإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، يصل التقرير في وقت يتزايد النقاش الدولي حول الأبعاد القانونية والأخلاقية للحرب.
ومن أجل توضيح نتائج التقرير وتداعياته، تحدثتُ مع نادية دار، الرئيسة التنفيذية للشؤون الاستراتيجية والتأثير في "منظمة العفو الدولية" في الولايات المتحدة والمشرفة على أنشطة المناصرة والاتصال الخاصة بالمنظمة في الولايات المتحدة. وفي حديثنا، شرحت كيف تم إجراء التحقيق، وردّت على الاتهامات الإسرائيلية، بما في ذلك تنصّل فريق "منظمة العفو الدولية" الموجود في "إسرائيل" من بعض هذه الاتهامات.
- هلّا حدثتنا عن الأسلوب الذي اتبعته لكتابة هذا التقرير؟
إنه تحقيق مفصّل للغاية، والأحدث من بين أكثر من عشرة تقارير صادرة عن "منظمة العفو الدولية" منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، وقد استندت الأدلة المذكورة في هذا التقرير جزئياً إلى هذه التقارير السابقة. كما أجرينا ما يزيد على 200 مقابلة، واستخدمنا الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية، وتحققنا منها باستخدام تحديد الموقع الجغرافي، وجمعنا البيانات الموحدة من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى العاملة على الأرض. بعد ذلك، قمنا بفحص الأدلة المتوافرة لدينا ضد جريمة الإبادة الجماعية الدولية، المنصوص عليها في اتفاقية الإبادة الجماعية، وهي المعيار القانوني الذي تم وضعه في عام 1948. وقد خلصنا إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية ارتكبت وما زالت ترتكب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة. ويتعيّن وضع حد لما يحصل على وجه السرعة.
- ما الحالات المحددة التي ساهمت أكثر في استنتاجاتك؟
لقد وثّقنا بالتفصيل 15 غارة جوية وقعت في الفترة ما بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و20 نيسان/أبريل 2024، قُتل خلالها ما لا يقل عن 334 مدنياً، بينهم 141 طفلاً ومئات الجرحى. واكتشفنا أدلة على استخدام أسلحة أميركية في بعض تلك الهجمات. وفي نيسان/أبريل، دمرت غارة جوية إسرائيلية منزل عائلة في حي الجنينة شرقي رفح، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أجيال من الفلسطينيين، بما في ذلك 16 طفلاً أثناء نومهم. وقُتل أكثر من 42 ألف فلسطيني منذ تشرين الأول/ أكتوبر، من بينهم أكثر من 13 ألف طفل، وسجل عدد الصحافيين والعاملين في الأمم المتحدة الذين قتلوا خلال هذه الحرب أكبر رقم في تاريخ الصراعات الحديثة. وما وصفناه في تحقيقاتنا عن الهجمات العشوائية ليس سوى جزء بسيط من الدمار الحاصل.
- ما التحديات اللوجستية التي واجهتها في الوصول إلى الأشخاص والتحقق من رواياتهم وتحديد الأدلة التي يمكن تضمينها في التقرير، خصوصاً في ظل مقتل الكثير من الصحافيين والعاملين الميدانيين؟
لدينا عامل ميداني في غزة كان بمنزلة مُخبر مذهل مكننا من القيام بهذا المستوى من الأبحاث الموثوقة في غزة. كما أننا نملك مختبراً لأدلة الأزمات، وقد أجرينا أكثر من 200 مقابلة. إلا أنّ عرقلة حرية الصحافة، وعدم السماح للمؤسسات الإعلامية بالعمل في قطاع غزة، والعدد الهائل من العاملين في الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني، والصحافيين المحليين الذين قتلوا أيضاً في غزة، جعل هذا العمل خطيراً للغاية.
لقد كانت عملية إعداد هذا التقرير معقدةً وصعبة، إلا أنّه لم يكن من المستحيل بالنسبة لنا إنجاز هذا البحث. ونحن واثقون من نتائجه، ونأمل أن يأخذ الناس وصنّاع القرار على وجه الخصوص هذه النتائج على محمل الجد.
يستشهد التقرير بتصريحات 22 من كبار المسؤولين الإسرائيليين كدليل على نية ارتكاب إبادة الجماعية. لكن "إسرائيل" تقول إنّ هذه التصريحات لا ترتبط بشكل مباشر بالسياسة.
لقد حددنا من خلال تحقيقاتنا نيّة التدمير، وهي عتبة أساسية لمعيار الإبادة الجماعية، ولكن ليس من خلال البحث في التصريحات المرتبطة بالإبادة الجماعية فحسب، بل قمنا بتحليل أكثر من 100 تصريح لمسؤولين حكوميين وعسكريين إسرائيليين - وليست العبارات التي يتم تداولها على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي فحسب - الذين يمتلكون سلطة اتخاذ قرارات بشأن سلوك العسكريين، ثم نظرنا في كيفية تكرار هذه التصريحات وتفسيرها من قبل الجنود الإسرائيليين على الأرض في غزة، وكيفية ترجمة تلك التصريحات في ساحة المعركة؛ وهذا أمر مهم للغاية. إلا أنّ التصريحات ليست الطريقة الوحيدة التي أثبتنا من خلالها نية "إسرائيل" المحددة للقضاء على الفلسطينيين بصورة فعلية في غزة.
تنقسم الأفعال المحظورة بموجب الاتفاقية إلى خمس فئات، ووجدنا أنّ الحكومة الإسرائيلية موضع تجريم في ثلاث منها: قتل الأفراد، وإلحاق الأذى النفسي والجسدي الجسيم بهم، وتعمّد إخضاعهم لظروف من شأنها أن تؤدي إلى القضاء عليهم بصورة كلية أو جزئية. إلا أنّ النقطة التي أود حقاً التركيز عليها هي منع تقديم المساعدات والخدمات الأساسية إلى غزّة وعرقلتها، الأمر الذي أدّى إلى خلق مزيج قاتل من سوء التغذية، والجوع، والمرض. والفلسطينيون يعيشون في حالة من الرعب، ليس بسبب التهديد بإلقاء القنابل عليهم كل ليلة فحسب، بل بسبب افتقارهم إلى العلاج الطبي والغذاء والماء أيضاً. ويُعد نمط السلوك أمراً مهماً بالنسبة لنا لتحديد نية "إسرائيل" هنا، بدءاً من الهجمات العشوائية المتكررة والنزوح المتكرر إلى ظروف غير آمنة وغير صحية، وصولًا إلى الهجمات المتكررة على البنية التحتية المدنية والحرمان المتكرر من وصول المساعدات الضرورية وعرقلتها.
- هلّا أوضحت لنا كيف تفرقين بين الاستخفاف بحياة المدنيين والنية في القضاء على حياتهم، خصوصاً في السياق القانوني؟
نحن لا نتجاهل حقيقة أنّ الحكومة الإسرائيلية أعلنت عن أهداف عسكرية في غزة تتمثل في القضاء على حماس والعودة الآمنة للرهائن. فتلك هي الأهداف العسكرية والنوايا العسكرية. إلا أنّ النية لارتكاب الإبادة الجماعية يمكن إثباتها إمّا كوسيلة لتحقيق هذا الهدف العسكري أو كهدف قائم بذاته. في المعيار القانوني الخاص بالإبادة الجماعية، قد تكون هناك نية مزدوجة، أو قد تكون وسيلة لتحقيق الهدف العسكري المزمع.
- مع اقتراب موعد تولي إدارة ترامب السلطة، هل تعتقدين بأنّ هذا التحوّل السياسي سيؤثر في كيفية تقبّل المجتمع الدولي لهذا التقرير أو فهمه؟
هذا تقرير دولي، وليس تقريراً خاصاً بالولايات المتحدة. لقد ضغطنا على إدارة بايدن خلال الأشهر الـ14 الماضية لكي تأخذ انتهاكات حقوق الإنسان على محمل الجد وتتوقف فوراً عن نقل الأسلحة إلى الحكومة الإسرائيلية. ونأمل أن يرفع هذا التقرير درجة الإلحاح على مستوى العالم، ويحثّ إدارة بايدن وكذلك إدارة ترامب القادمة على عدم السماح باستمرار هذا الوضع في غزة.
نحن نعتمد سياقات قانونية مختلفة في كل بلد نعمل فيه، ونُعد أكبر وأقدم منظمة حقوقية. وبحكم نوع العمل الذي نقوم به، فإننا نصدر تقارير محرجة للكثير من القادة السياسيين. وقد صدقت كلّ من الولايات المتحدة و"إسرائيل" على اتفاقية الإبادة الجماعية. وبالتالي، فإنّ الولايات المتحدة ملزمة بموجب القانون الدولي بمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. إلا أننا ما زلنا نشعر بقلق بالغ إزاء رؤية نقل الأسلحة؛ والولايات المتحدة تخاطر صراحةً بالاشتراك في الإبادة الجماعية من خلال مواصلة ما تقوم به.
هناك قضية مرفوعة أمام محكمة العدل الدولية تقدمت بها دولة جنوب أفريقيا متهمة "إسرائيل" بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. إلا أنّ الإبادة الجماعية ليست مدرجة في لائحة التهم الموجهة إلى "إسرائيل" في الوقت الحالي. لذا، يتعين على مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن ينظر بشكل عاجل في إضافة جريمة الإبادة الجماعية إلى تحقيقاته الجارية في الجرائم المنسوبة التي ارتكبها مسؤولون إسرائيليون، ويجب على الدول أن تبذل كل ما في وسعها لاحترام أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة.
- جاء في رد فرع "منظمة العفو الدولية" في "إسرائيل" على نتائج التقرير ما يلي: "في حين أنّ القسم الإسرائيلي لمنظمة العفو الدولية لا يقبل الاتهام بأنّ إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، استناداً إلى المعلومات المتوافرة لدينا، إلا أننا نشعر بالقلق إزاء ارتكاب جرائم خطيرة في غزة، ويجب التحقيق فيها". كيف تردين على ذلك؟
من المخيب للآمال بشدّة أن بعض أعضاء "منظمة العفو الدولية" في "إسرائيل" اختاروا أن ينأوا بأنفسهم عن هذا التقرير وعن استنتاجاته. إنه بحث قائم على الأدلة ومحايد وأخلاقي. وهذا هو جوهر كل ما تقوم به "منظمة العفو الدولية". وهو أمر نأخذه على محمل الجد ونفخر به. وقد مر هذا التحقيق الخاص بمرحلة تحليل وبحث قانوني واسعة النطاق، ومراجعة داخلية واسعة النطاق على أعلى المستويات، وعُرض على خبراء قانونيين دوليين ومن الخارج. وبالتالي، تتمسك منظمتنا بهذا التقرير وهذا البحث ونتائجه.
* نقلته إلى العربية: زينب منعم
* المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من الميادين نت