الالغاء الإسرائيلي لاتفاق فك الاشتباك في الجولان المحتل
السياسية || عصري فياض*
في الحادي والثلاثين من أيار من العام 1974، وقعت كلٌّ من سوريا والكيان الإسرائيلي اتفاق ما يسمى فك الاشتباك بين الجيش العربي السوري وجيش الاحتلال الصهيوني في جنيف بحضور ممثل هيئة الأمم المتحدة وكلاِ من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية بعد سبعة أشهر من وقف اطلاق النار بين سوريا والكيان الذي تلى حرب تشرين سنة 1973، وذلك اعتمادا على القرار الأممي الذي يحمل الرقم 338 الصادر عن مجلس الأمن في الثاني والعشرين من أكتوبر من العام نفسه.
وقد نُفذ هذا الاتفاق برعاية وإشراف هيئة الأمم المتحدة والذي كان جوهرة هو ايجاد منطقة عازلة خالية من السلاح بين الجيشين بإدارة سورية وأممية والسماح بحضور مدني سوري فيها، كذلك تخفيف متفق عليه في العتاد والعدة والسلاح من قبل الجيشين لمسافة تمتد من 20 إلى 25 كم من جهتي المنطقة العازلة، وقد احترام الجانبان الاتفاق إلى حد كبير، مما أسفر عن بقاء هذه الجبهة الاكثر هدوء منذ ذلك الحين مع أن حالة العداء لم تنتهي بين الجانبين.
اليوم وبعد الذي جرى ويجري في سوريا، قام الاحتلال الإسرائيلي الذي تشير كل المؤشرات والمتابعات وجود الأصابع الإسرائيلية والأمريكية فيما جرى ويجري بالتعاون مع تركيا ومباركة المنظومة الغربية ضمن خطة تغيير وجه المنطقة، أو ايجاد شرق أوسط جديد والذي جاء تأكيدا على لسان نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال بعد ساعات من تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر، وتكراره ابان العدوان الواسع على لبنان كهدف من اهداف الحرب التي دامت نحو ستين يوما كمؤشر أول، والتحضير له في اجراء عملية فتح طرق في حقول الالغام الموجودة على خط الجبهة في الجولان من قبل جيش الاحتلال في عز العدوان على لبنان الامر الذي حيَّر وقتها المراقبين.
ولم يستطيعوا ربط ذلك الفعل ميدانيا في ما يجري في لبنان كمؤشر ثان، إلا أن تكشف الامر بعد سقوط النظام في سوريا، والتهديد الواضح والصريح لبشار الأسد في كلمة نتنياهو فور اعلان وقف النار على الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة كمؤشر ثالث، واعتبار دويلة الاحتلال هي المستفيد الأول مما جرى ويجري في سوريا، فقام الاحتلال بإلغاء اتفاق فك الاشتباك واحتلال منطقة واسعة من جنوب غرب سوريا بعمق وصل إلى 17 كم في بعض الأماكن لتصل مساحة المنطقة التي احتلتها إسرائيل حديثا من أرض الجولان المحررة ما مساحته 225 كـم (مساحة المنطقة العازلة منها 100 كم مربع)، أي بزيادة 125 خارج المنطقة العازلة لتضاف لمساحة الجولان المحتل اصلا منذ العام 1967 والبالغة 1200 كم مربع والتي ضمها الكيان رسميا في كانون أول من 1981 العام، وأقر الرئيس الأمريكي دولاند ترامب في ولايته الأولى أنها جزء من "اسرائيل".
وهذه المنطقة المحتلة حديثا لها قيمة استراتيجية بالغة حيث أنها تضم مرتفعات جبل حرمون وجبل الشيخ الذي يعتبر عين "اسرائيل" حسب تقييم وزارة حرب الكيان لما يوجد فيها من قمة جبل حرمون التي ترتفع عن سطح البحر 2800 م وتعتبر مطلة على مناطق واسعة من الجولان والعاصمة السورية دمشق ومنطقة غرب درعا، وتوازي مرتفع جبل الجرمق في شمال فلسطين المحتلة الذي توجد عليه قاعدة جبل "ميرون" العسكرية الاستراتيجية.
لذلك ما قامت به إسرائيل من احتلال وتوسع في الاراضي العربية السورية، وما متوقع أن تقوم به خاصة بعد ما أعلن "هرتسي هليفي" رئيس أركان جيش الاحتلال أن سوريا الآن أصبحت نطاق اشتباك يومي لجيشه ذا مغزى هام وعميق، بمعنى أن الكيان يريد الآن اقتسام حصته من "الكعكة" السورية لضمان عدم تشكيل هذه القلعة ــ أي سوريا ــ أي خطورة أمنية عليه مستقبلا، هذا من جهة ومن جهة أخرى لتقابل التوغل التركي في شمال سوريا والذي يتوسع هو ايضا في مناطق شمال حلب وشرق دير الزور ليشكلا معا فكيّ كماشة.
ويشكل مع القوات الكردية المسيطرة على شرق الفرات بحماية من القواعد الأمريكية الجهة التي تعتبر الاكثر مسالمة لـ"اسرائيل" والاتراك في الشمال حذوة حصار شديدة لسوريا، وأداة تحكم في مستقبلها وخيراتها، وتحكم السيطرة على خطوط التواصل بين العراق وسوريا ولبنان لمنع نقل الأسلحة من جمهورية إيران الإسلامية والمقاومة الإسلامية في لبنان.
الهدف من كل ّ ذلك هو الامساك بأنفاس هذا البلد الذي اقض أمنها، ووقف في وجه سياساتها زمنا طويلا، يضاف إلى ذلك قيامها ــ أي إسرائيل بشن هجمات واسعة النطاق على أهداف ومخازن الجيش العربي السوري وأسلحته البالستية والهامة مثل منظومته الدفاعية "اس 300 " الروسية ومراكز الأبحاث العسكرية، ولا استبعد قيامها باغتيال العلماء السوريين الذين تعتقد أنهم سيشكلون خطرا على أمنها مستقبلا، بهدف اضعافه لأبعد حد، وجعله دولة فاشلة غير قادرة على رفع رأسها، تمهيدا لربطها بالعصر الإسرائيلي التطبيعي عبر عربة "ابراهام" التي يراد لها عبور كل البلدان العربية والإسلامية لصالح الكيان.
إن احتلال "اسرائيل" لمساحات إضافية من الأراضي السورية لا يعتبر توسعا لأرض محتلة فقط، بل احتلال بمعاني وأهداف أعمق وابعد، وهو خطوة عملية باتجاه تحقيق حلم "اسرائيل " الكبرى في ظل حكومة اليمين المتطرفة، وهذه هي الخطورة الابلغ التي يجب أن توقظ فينا الوعيّ الكامل، وخاصة الشعب العربي السوري الغارق في دوامة الحالة التي وصل اليها، والالتفات لما يجري في جنوبه وجنوبه الغربي من تمدد "إسرائيلي" شهيته لا تتوقف عند حد ولا تضاريس. ووضع الخطط العملية العاجلة للتصدي له واحباطه.
* المادة الصحفية نقلت من موقع قناة العالم بتصرف