هل سيخسر ترامب في بازار التغير الشرق اوسطي ؟
السياسية – متابعات :
فاز الرئيس الامريكي دولاند ترامب ليكون الساكن السابع والاربعين في البيت الابيض لأربع سنوات قادمة، فاز وقد بدى هذه المرة اقل انفعالا، واكثر دبلوماسية، وأوسع وعدا في اجراء التغيرات التي يعتزمها في الداخل والخارج، اما في الداخل فحسب تصريحاته ستكون مهاماته الاولى قوة امريكا، وتقدم اقتصادية لجهة تخفيف التضخم، ودعم المنتوج الصناعي المحلي امام المستورد الصيني، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، اما خارجيا فقد وضع عنوانا كبيرا مفاده وقف الحروب، كل ذلك سيعالجه بمكيال الصفقات التي يعتقد أنه بالإمكان تحقيق النجاح به في كل زمان ومكان.
ومن هذه الحروب التي تحوي قصده حروب المنطقة العربية ومنطقة الشرق الاوسط، او بالأحرى العدوان الاسرائيلي المتواصل والدائر الان في على جبهات فلسطين ولبنان واليمن وايران والعراق وسوريا، ولا اعرف كيف سيطفئ ترامب هذه الحروب مع تمسكه بسياساته الداعمة لدولة الاحتلال والمؤيدة لها في كل المجالات؟؟ ولا اعرف كيف سيتمكن ترامب في التعامل مع عظيم التغيرات والتناقضات التي جرت على الساحة الدولية على مبدأ فن التعامل مع الواقع الذي تغير ولم يعد كمان كان، بل انه ينتج كل يوم وكل ساعة احداثا جديدة متسارعة تنقله من حالة الى اخرى؟؟
ولنضرب لترامب المنتشي بالفوز بأرواق شعب امريكي لا يهتم بغالبيته العظمى لمشاكل العالم الخارجي الا بنسبة لا تتجاوز 10%، بينما أكثر ما يعنيه هو الشأن الداخلي الاقتصادي والصحي والتنمية والازدهار ومحاربة التضخم والاسعار وكبح جماع الديون الولايات المتحدة ذات الارقام الفلكية، نسوق له مثال الحرب العدوانية التي تشنها اسرائيل على غزة، كيف سيرغم صديقه الحميم بنيامين نتنياهو على وقف اطلاق النار والقبول بصفقة المفاوضات عبر الوسطاء دون ان يحقق نتنياهو كل شعاراته الكبيرة التي رفعها في بداية الحرب؟ وهل يضمن ترامب في حال انصاع نتنياهو لطلبة ان الا تتفتت حكومة التطرف وينهار ائتلافه الحاكم؟
وكيف سيقنع ترامب نتنياهو ان يكتفي بما جرى لغاية الان، وينقله الى خانة الخاسر المنهزم الخائب والاخير يحاول ان يبني مجدا شخصيا في تاريخ اساطيره المبتدعة كمنقذ "للشعب اليهودي"، ودولته المزعومة " اسرائيل" ؟ وكيف سيغلق ترامب الصراع الفلسطيني والعربي مع الاسرائيلي جوهر الصراع في المنطقة؟ هل عبر مشروعه الفاشل صفقة القرن؟ ام عبر "افيون" حل الدولتين ؟
وفي لبنان، المواجهة المتصاعدة بين دولة الكيان والمقاومة الاسلامية اللبنانية التي برغم زخرفة الحالة السياسية الناتجة عنها ومحاولة تحقيق وقف العدوان عبر حل سياسي إلا أن الميدان هو الماسترو الفاعل الذي يرسم النتيجة والمآل، هذا الميدان الذي يميل لصالح المقاومة، والذي يعلب الوقت فيه لصالح المقاومة بعد ان نفذ بنك الاهداف الاسرائيلية، واصطدم عدوانه المتعجل والذي استخدمت فيه كل الته الهائلة اصطدم باستراتيجية المقاومة القائمة على اعادة التقاط الانفاس، والتدرج المدروس في التصدي والمواجهة، والتدرج في رفع وتيرة ايلام العدو المنهك حتى يصرخ ويذعن، ويتخلى عن اهدافه التي تتكسر مع مرور الزمن على وطئه هول وتراكم الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية والاجتماعية، فهل سينقذ ترامب هذه الحالة لإسرائيل ويوقف نزيفها، ويجبرها على القبول بالأمر الواقع، والاذعان لربط مسألة ايقاف النار بين لبنان وقطاع غزة، والتخلي عن الخيالات الحالمة لنتنياهو في بسط السيطرة على منطقة واسعة من جنوب لبنان، واطلاق يد "إسرائيل" في مواصلة العمل في لبنان، بل ودفع الولايات المتحدة وحلفائها ليكونوا حراسا على حدود لبنان البرية والبحرية والجوية حتى لا ينفذ السلاح من الخارج لمقاومته الاسلامية ؟
وهل تقبل المقاومة ــ مهما كان الثمن ــ بشروط اسرائيل بحقها وبحق لبنان وسيادته الكاملة؟
قطعا لا يمكن، لذلك تحقيق الحلم الامريكي هنا صعب للغاية، الا اذا اجبر ترامب صديقه نتنياهو على القبول والاذعان لشروط المقاومة وهذا يعني هزيمة اسرائيل هزيمة صريحة وجلية.
في الملف اليمني كذلك، لن يكون هناك مجال لوقف المساندة للشعب الفلسطيني مالم تتوقف الحرب العدوانية على غزة ويرفع الحصار عنها مهما بلغت التضحيات. وسيبقى البحر الاحمر ميدان مواجهة، وخانقا للاقتصاد الاسرائيلي ومضرا بالاقتصاد الغربي والامريكي حتى تقف العدوان على غزة.
أما مع ايران فمعضلة ترامب اعظم واقسى، فايران اليوم التي تحضر لتوجه ضربة لـ"إسرائيل" ردا على عدوان الاخيرة عليها قبل اسابيع، ايران اليوم رسمت وترسم من خلال الوعد الصادق 1 والوعد الصادق 2 والوعد الصادق 3 الموعود في أي لحظة استراتيجية اليد العليا والطولى في مواجهة "إسرائيل"، فجردة الحساب التي قدمتها ايران للرد على الاعتداءات الإسرائيلية في الحرب الخفية والتي تمثلت في اغتيال بعض علماء المشروع النووي والهجمات على مراكز هذا المشروع والتفجيرات في داخل المدن والبلدات الايرانية عبر عملاء لهم صلة باجهزة مخابرات اسرائيلية والعدوان على السفارة الايرانية في دمشق، جاءت في الوعد الصادق 1 في ابريل الماضي، والرد على اغتيال القائدين اسماعيل هنية والسيد حسن نصر الله جاء في الوعد الصادق 2،واصبح العالم يثق بوعود ايران في الرد على الاعتداءات الاسرائيلية ويترقبها، بل يضبط ساعته عليها، بمعنى يرى فيها التغيير الابرز للحالة الشرق اوسطية، والتطبيق الفعلي للشعارات التي ترفعها ايران بوضوح ودون مواربة، وما ترامب الا عدو لايران، إن لم يقم بمهاجمتها عسكريا لأنه يعرف مآلات ذلك الفعل، فإنه يتوعدها بزيادة خنق اقتصادها من خلال حزم عقوبات جديدة، أو تقديم عرض لاتفاق نووي جديد سترفضه ايران قطعا لان اول اولوياته سيكون التخلي عن المشروع الصاروخي المهدد لإسرائيل ومصالح الويلات المتحدة في المنطقة. اضافة لمحاولة يائسة سيكررها ترامب تتمثل في ثنيّ ايران عن دعم حلفائها في محور المقاومة.
هذه الملفات الاربع، وبعد الذي جرى في المنطقة بعد السابع من اكتوبر، لا تنجح معها الصفقات الترامبية، لان المنطقة اختلفت الان كثيرا عما سبق، التغيير في المنطقة ذاهب الى ابعد مدى لرسم واقع إتخاذ المواجهة مع العدو الاسرائيلي وافشال اهدافه ومشاريعه بل تحطيم عنجهيته وصلفه والانتصار عليه هدفا استراتيجيا، بل وربما دفع الولايات المتحدة لبداء مراحل التخلي عن هذا الكيان شيئا فشيئا، والوصول لمرحلة رفع الغطاء عنه في مقياس الربح والخسارة التي تحكم جوهر الصفقات التجارية والسياسية ايضا.
من اجل ذلك الخسارة هي الاقرب لمشروع ترامب ، لان طبيعة البازار السياسي في منطقتنا قد تغيرت الان بفعل المواجهة المتواصلة والواعدة بين محور المقاومة و"اسرائيل".
*عصري فياض
* المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من موقع قناة العالم