منصة "إكس" (X ) تقدم فروض الطاعة للصهاينة من جديد
زهراء الحسيني*
لا يبدو مستغربًا قرار منصة "إكس" (X ) الأخير بحظر حساب الإمام السيد علي الخامنئي الناطق باللغة العبرية، وإن عادت وفتحته لاحقًا؛ بل هو قرار يأتي في سياق تأكيد المؤكد. فالمنصة، وإن بدت ساحة للتعبير عن الرأي بهوامش واسعة أحيانًا ما يتيح حيزًا للتعبير السياسي أكثر من منصات "ميتا"، إلا أنها في نهاية المطاف منصة أميركية تعبر عن القيم والمصالح الأميركية. وفي وصف أكثر دقة؛ هي تعبر عن قيم الأميركي الجمهوري الأبيض. فهمها أعطت من هوامش تعود، وفي مستوى معينن لتتماهى مع الصهيونية العالمية، فثمة خطوط حمراء لا تستطيع التغاضي عنها طوعًا.. أو حتى كرهًا.
هذا ما رأيناه في بداية الحرب على غزة، وبعد استنفاد الأكاذيب الصهيونية المتعلقة بأحداث 7 أكتوبر/تشرين الثاني رصيدها، وتراجع مفعولها، ومع قصف مستشفى المعمداني الذي شكّل أول محطات التحولات الكبرى في الرأي العام العالمي على وسائل التواصل، يومها تصدرت الوسوم المتعلقة بالحدث قوائم "الترند" في معظم دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا..
مع مرور الدعاية الصهيونية بأقسى نكباتها؛ كان لا بدّ للوبي الصهيوني أن يبدأ تفعيل وسيلتَيه الأشهر للضغط، الترغيب والترهيب ولما كانت نتائج الأولى أقل بكثير من المتوقع وباءت بفشل ذريع، كان لا بد من الضغط على المنصات لممارسة المزيد من التضييق على الرواية الفلسطينية وكل ما يتعلق بالمقاومة ومحورها، ليصل الأمر بشركة "ميتا" إلى حظر حسابات الإمام الخامنئي الرسمية عن منصاتها في آذار الماضي 2024.
بعد ذلك؛ بدأ الضغط على منصة "إكس" (X ) ومالكها "إيلون ماسك" الذي اتهم بالمساهمة في نشر المحتوى الفلسطيني. والمقصود بالمساهمة هنا هي مجرد نشرها المحتوى والحسابات الداعمة للسردية الفلسطينية، خصوصًا بعد تغريدته عن اليهود، والتي اتُهم على إثرها بمعاداة السامية لتسارع شركات كبرى داعمة للكيان المؤقت بسحب إعلاناتها عن المنصة.. لنرى بعدها "ماسك" حاجًا إلى الكيان المؤقت في جولة داعمة، تضمنت زيارة إلى أماكن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول ليعيد فيها إحياء الرواية الصهيونية الكاذبة عن قطع رؤوس الأطفال..
لقد كانت إحدى المشهديات التي زيفت والتُقطت الصور لإيلون ماسك قربها مشهد سرير طفل فيه بقايا رصاصات ثبت كذبها باعتراف "إسرائيليين". ومع أن ماسك ظل محافظًا على هامش لا يظهره متماهيًا كليًا مع الصهاينة إلا أن مسألة الرأي العام "الإسرائيلي" تحديدًا تمثل خطًا أحمرَ لا مجال للتسامح فيه. وتوضع خطوة منصة "إكس" (X ) الأخيرة في سياق التعتيم الذي يمارَس تجاه الجبهة الداخلية "الإسرائيلية".
هي مفارقة تستحق التأمل وتشير إلى ازدواجية المعايير الأميركية المنادية بحرية الرأي والمزايدة فيه على كثير من الدول المناهضة لسياساتها، لكن حين يصل الأمر إلى الكيان المؤقت يصبح التعتيم الإعلامي وحظر الأخبار عن الجمهور، ومنعهم من استماع الحقيقة والرأي الآخر، وسجن عدد من "مستوطني الكيان المؤقت" بسبب تغريدة أو منشور أمرًا مسكوتًا عنه؛ بل تدعمه المنصات التابعة للسياسة الأميركية.. ويمنع لحساب رسمي للإمام الخامنئي أن يغرد بالعبرية لكن يسمع لحسابات "إسرائيلية" أن تغرد وتهدد لبنان وغزة بالعربية، وتنشر صور إخلاء لمباني فيها .. ولتبك الديمقراطية في الزاوية..
تضع هذه الضغوط المنصات وصناع المحتوى الداعم للمقاومة تحت ضغط دائم، وهم يبتكرون دومًا حلولًا لمناورة هذه السياسات المجحفة. إلا أن الواقع يفرض نفسه في نهاية المطاف، فأرض منصات التواصل أرض أميركية وهي أرض العدو، ومهما بلغت الهوامش يبقى الناشط مرهونًا للمزاج الأميركي و"غنوجته" "إسرائيل".
إذ لطالما أُطلقت دعوات لمقاطعة هذه المنصات في سبيل الضغط على صناع القرار فيها، لكن ثمة آراء أخرى أيّدت فكرة الحضور الضاغط المتكاتف لإحداث تأثير على الرأي العام في ظل غياب منصات بديلة تطال الشرائح المرجوة.
لكن هل من الصحيح التعامل على قاعدة أن السيادة الأميركية على منصات الرأي هو قدر لا مفر منه، وأن أي حلول ممكنة تندرج تحته مثل خيارات المقاطعة من دون وجود بدائل؟
بالإفادة من فكر وثقافة صاحب الحساب المحظور الإمام الخامنئي والتجربة التي رسخها المتمثلة بثقافة الاقتدار وإنتاج العلم والتكنولوجيا، وطموح سماحته الرفيع على هذا الصعيد، فقد أسس لرؤية تضمن الاضطرار لتعلم اللغة الفارسية للحصول على مواد العلم الخام في المستقبل غير البعيد. وتاليًا؛ لماذا لا نستمد من هذا الطموح أن يصبح لدينا منصات تواصل اجتماعي متنوعة بجودة منافسة تحمل في قيمها وسياساتها القيم الإنسانية والإسلامية الأصيلة، وتنقل في تحول ذكي من ردّ الفعل إلى الفعل، كما أوصى الإمام الخامنئي- دام ظله- في بداية النهضة الرقمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
كما لا يعني التحول الذكي عزلة رقمية عن العالم؛ بل يشكل جاذبًا للناشطين على امتداده. إن أول خطوة على هذا الطريق تبدأ من داخل النفوس وتحريرها من تنصيب الولايات المتحدة ملكًا أوحدًا على عرش التكنولوجيا.. وأن الاقتراب من منافسته مستحيلة. وأن ثقافة الاستهلاك قدرنا الذي لا بد منه، ولنبدأ ببناء مجتمع يفكر بإنتاج التكنولوجيا الرقمية وعدم الاكتفاء باستهلاكها.
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ـ العهد الاخباري