السياسية:


موقع "ذا إنترسبت" الأميركي ينشر تحقيقاً للكاتبة أكيلا لايسي، تحدّث فيه عن كيفية تأثير إنفاق منظمة "أيباك" السياسي على توازن القوى في الكونغرس.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:


لعقود من الزمن، حظيت لجنة الشؤون العامة الأميركية "الإسرائيلية" "أيباك" بحضور فعّال ومؤثر في الكابيتول هيل، حيث عملت خلف الكواليس للضغط على السياسيين وموظفيهم لدعم "إسرائيل". إلا أنه قبيل الانتخابات النصفية لعام 2022، اتخذت "أيباك" قراراً من شأنه أن يغيّر بشكل أساسي غايتها ومعالم السياسة الأميركية.

وبعد 60 عاماً من الضغط القائم على القضايا، اختارت "أيباك" للمرة الأولى الإنفاق بشكل مباشر على الحملات الانتخابية. ومع تدفّق ملايين الدولارات من المانحين المخلصين، وبينهم أصحاب المليارات من الحزب الجمهوري والمتبرّعون الأسخياء للرئيس السابق دونالد ترامب، تبنّت "أيباك" استراتيجية جديدة. وستستخدم أموالها الطائلة للإطاحة بأعضاء الكونغرس التقدميين الذين انتقدوا انتهاكات "إسرائيل" لحقوق الإنسان وتلقيها مليارات الدولارات الأميركية من التمويل العسكري.

وبعد مرور عامين فقط من بدء ضخ الأموال في الحملات الانتخابية، أصبحت "أيباك" واحدة من أكبر الجهات الخارجية المنفقة في انتخابات الكونغرس. وقد قام موقع "ذا إنترسبت" بتوثيق نفوذ "أيباك" من خلال تغطية السباقات الفردية، إلا أنه لم يسبق من قبل أن تم تحليل التدفّق الهائل لأموال "أيباك" بشكل إجمالي. ويستخدم هذا المشروع سجلات من لجنة الانتخابات الفيدرالية مقدّمة من لجنة العمل السياسي الفيدرالية التابعة لمجموعة الضغط "أيباك"، ومشروع " United Democracy Project" التابع لها، لإحصاء الأموال التي تمّ إنفاقها باسم "إسرائيل". فأين توزّع هذه المجموعات أموالها، وما هو تأثير تلك الأموال على ميزان القوى في الكونغرس؟

ولم ترد المنظمة على طلب التعقيب على هذا الموضوع.

الصورة الشاملة

عندما طرحت "أيباك" استراتيجيتها الجديدة في الدورة الانتخابية لعام 2022، حققت نجاحاً سريعاً. فقد هزمت مجموعة الضغط ومجموعة أخرى مؤيدة لـ"إسرائيل"، الأغلبية الديمقراطية من أجل "إسرائيل"، النائبين أندي ليفين، ديمقراطي من ميشيغان، وماري نيومان، ديمقراطية من إلينوي، اللذين كانا صريحين في انتقادهما للتمويل العسكري الأميركي غير المشروط لـ"إسرائيل". وكانت الحملة الموجّهة لهزيمة ليفين عبارة عن دفعة كبيرة من جانب "أيباك" لقمع الانتقادات الموجّهة لـ"إسرائيل" حتى من أعضاء الكونغرس اليهود.

وقبل دورة 2024 وفي خضمّ الغضب الشعبي المتزايد بشأن الحرب "الإسرائيلية" على غزة، أصدرت " أيباك " بياناً جريئاً جاء فيه أنها من خلال مشروع " United Democracy Project" التابع لها ولجنة العمل السياسي التابعة لـ"أيباك"، ستنفق 100 مليون دولار على الانتخابات، أي نحو سدس ما أنفقته المجموعات الخارجية على الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

تجدر الإشارة إلى أنها قليلة هي انتخابات الكونغرس التي لم تشارك فيها "أيباك" هذا العام. ومن بين 469 مقعداً مرشحاً لإعادة انتخابه هذا العام، أنفقت "أيباك" أموالاً على أكثر من 80% منها: 389 سباقاً بالإجمال. وتسعى المنظمة إلى التأثير للحصول على 363 مقعداً في مجلس النواب و26 مقعداً في مجلس الشيوخ.

ومن بين 389 مرشحاً موّلتهم "أيباك"، لم يخض 57 منهم الانتخابات التمهيدية. وفي الانتخابات التمهيدية التي أجريت، لم يكن يواجه نحو 88 مرشحاً أي خصم.

إنّ حجم ميزانية الحملة الخاصة بـ"أيباك" يدل على أنّ بإمكانها انتقاء واختيار السباقات التي من المرجح أن تنجح فيها، ما يعزز صورتها كصانعة ملوك ونفوذها بين المرشحين والأعضاء، ويزيد في الوقت نفسه من تكلفة انتقاد السياسة الأميركية تجاه "إسرائيل".

تمويل الحزبين

يُعدّ النهج الذي تتبعه "أيباك" في تعاملها مع الإنفاق الانتخابي نهجاً مشتركاً بين كلا الحزبين. فقد قامت المجموعة بتمويل المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين على حد سواء. ودعمت لجنة العمل السياسي التابعة لـ"أيباك" 233 مرشحاً جمهورياً بمبالغ إجمالية تزيد عن 17 مليون دولار، في حين حصل 152 مرشحاً ديمقراطياً على أكثر من 28 مليون دولار. وتقاسم ثلاثة مرشحين مستقلين هم: السيناتور جو مانشين من ولاية فرجينيا الغربية، وكيرستن سينيما من أريزونا، وأنغوس كينغ من ولاية ماين، ما يقارب 300 ألف دولار. ويشمل الإنفاق الذي لم يتضمنه هذا التحليل مساهمات لجنة العمل السياسي التابعة لـ"أيباك" التي تم استردادها في عام 2023 أو 2024 أو تلك التي ذهبت إلى لجان العمل السياسي والمنظمات السياسية الأخرى، مثل لجنة مجلس الشيوخ الجمهوري الوطني أو منصة جمع التبرعات الديمقراطية الوسطية غير الربحية " Democracy Engine".

بالإضافة إلى ذلك، قدّمت لجنة العمل السياسي التابعة لـ"أيباك" أكثر من 3 ملايين دولار للجان الحزبية والمنظمات من كلا الطرفين بما في ذلك اللجنة الوطنية لمجلس الشيوخ الجمهوري، ولجنة الحملة الانتخابية لمجلس الشيوخ الديمقراطي، وصندوق "Jeffries Majority Fund"، ومنصة "Democracy Engine".

لقد شاركت "أيباك" هذا العام في السباقات الانتخابية التي جرت في كل الولايات باستثناء ولاية أوهايو (على الرغم من أنّ المجموعة قامت بتمويل عدد من المرشحين في ولاية أوهايو في عام 2023). وكانت نيويورك وكاليفورنيا من بين الأماكن التي أنفقت فيها معظم الأموال، باعتبارهما وجهتين متوقّعتين للأموال الضخمة مع وجود اثنين من أكبر الوفود في الكونغرس. أمّا الولايات الاستثنائية مثل ميسوري وميريلاند، فقد دخلتا السباق في هذه الدورة عندما قام مشروع "United Democracy Project" بتحويل الأموال لدعم مرشحيه المفضّلين.

أما ولاية ميسوري، التي أنفقت فيها "أيباك" ثاني أكبر مبلغ على السباقات في هذه الدورة، فتملك ثمانية مقاعد فقط في الكونغرس، لكنها حصلت على أكثر من 11.7 مليون دولار من الإنفاق على سباق واحد فقط تنافس فيه ويسلي بيل المدعوم من المنظمة ضد النائبة كوري بوش، الديمقراطية عن ولاية ميسوري. وفي ولاية ميريلاند، التي تملك أيضاً ثمانية مقاعد فقط في الكونغرس، حصلت المرشحة المدعومة من " أيباك"، سارة إلفريث، على مبلغ 4.2 ملايين دولار من أموال المنظمة في هذه الدورة.

حتى الآن، حقّق الإنفاق تأثيره المنشود. إذ تقلّص عدد أعضاء الكونغرس المستعدين لدعم تكييف المساعدات لـ"إسرائيل" أو انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان مع زيادة "أيباك" إنفاقها الانتخابي واستهداف المرشحين والمشرّعين التقدّميين من خلاله.

السباقات الرئيسة

على الرغم من دعمها للمرشحين الجمهوريين أكثر من الديمقراطيين، أنفقت "أيباك" أكثر على مرشحيها الديمقراطيين المفضلين - وخاصة على بيل وجورج لاتيمير، اللذين دعمتهما المنظمة في الانتخابات التمهيدية ضد التقدميين البارزين وأعضاء الفريق بوش وجمال بومان، ديمقراطي من نيويورك.

إنّ المرشحين المدعومين من منظمة "أيباك" هم عادة مؤيّدون لـ"إسرائيل"، لكن نفوذهم يختلف عن نفوذ مشرّعين أمثال النائب ريتشي توريس، وهو ديمقراطي من نيويورك وأحد المستفيدين الرئيسيين من "أيباك" وأحد أعلى الأصوات المؤيدة لـ"إسرائيل" في الكونغرس؛ والنائب ريان زينكي، وهو جمهوري من مونت اقترح مشروع قانون "ترحيل" الفلسطينيين من الولايات المتحدة. وعلى المقلب الآخر، هناك مرشحون أقل حدّة مثل إلفريث المدعومة من "أيباك" ومشروع "United Democracy Project" والتي فازت في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في الدائرة الانتخابية الثالثة في ميريلاند، حيث لم يُطرح موضوع "إسرائيل" إلا نادراً في السباق وموقف إلفريث منه.

ومن خلال إنفاق مبلغ إضافي قدره 41.9 مليون دولار على النفقات المستقلة كالإعلانات وإجراءات التصويت من قبل لجنة العمل السياسي الكبرى، ومشروع "United Democracy Project"، قامت "أيباك" باستثمارات كبيرة في سباقين إضافيين لمجلس النواب. كما أنفق مشروع "United Democracy Project" ما يقارب النصف مليون دولار ضد المرشحة الديمقراطية كينا كولينز في الانتخابات التمهيدية الثالثة لها ضد النائب الحالي الذي حافظ على مقعده لثلاثة عقود داني ديفيس، ديمقراطي من إلينوي. علماً أنّ لجنة العمل السياسي الكبرى لم تنفق أي مبلغ على ديفيس أو أي مرشح آخر في السباق.

علاوة على ذلك، أنفق مشروع "United Democracy Project" نحو 167 ألف دولار ضد النائب توماس ماسي، الجمهوري عن ولاية كنتاكي، ولم يدعم مرشحاً آخر في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. وعلى الرغم من ذلك، فاز ماسي بنسبة 76% من الأصوات وسيخوض الانتخابات من دون منافسة معارضة في تشرين الثاني/نوفمبر.

ومن ضمن الخسائر التي تكبّدتها "أيباك" في هذه الدورة، مبلغ 5.1 ملايين دولار أنفقته في محاولة لهزيمة المرشح إلى الكونغرس في كاليفورنيا ديف مين في سباق لم تكن فيه "إسرائيل" قضية رئيسة. وبعد فوزه بالسباق، أيّدت لجنة العمل السياسي في مجموعة "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل" ديف مين في أيلول/سبتمبر.

الاستراتيجية والحلفاء

تتعدّى استراتيجية "أيباك" مجرد الإنفاق لدعم مرشحيها المفضّلين. ويتمثّل جزء كبير من نهجها في إنفاق مبالغ طائلة ضد المرشحين الذين تحول دون دخولهم إلى الكونغرس. فقد أنفقت المنظمة مبلغ 30 مليون دولار للإطاحة بعضوين من المجموعة التقدمية، وهما بومان وبوش؛ وعليه، تُعدّ هاتين الحالتين من أغلى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في التاريخ.

وقد تزامنت مشاركة "أيباك" للمرة الأولى في الإنفاق السياسي المباشر خلال دورة 2022 مع الإنفاق المؤيد لـ"إسرائيل" من قبل مجموعات مرتبطة بشكل وثيق مع المنظمة. وقامت لجنة العمل السياسي التابعة للتيار الرئيسي في الحزب الديمقراطي، وهي لجنة العمل السياسي الفائقة المدعومة من قبل ريد هوفمان، وهو أحد كبار المانحين الديمقراطيين والمؤسس المشارك لمنصة "لينكد إن"، بزيادة الإنفاق، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الدعم المقدّم من لجنة العمل السياسي التابعة لمجموعة "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل".

كما كان لكل من "أيباك" ولجنة العمل السياسي التابعة لمجموعة "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل" ولجنة العمل السياسي التابعة للتيار الرئيسي في الحزب الديمقراطي دور فعّال في التغلّب على السيناتور الديمقراطية نينا تورنر من أوهايو ومنعها من دخول الكونغرس في تلك الدورة.

ما الخطوة التالية؟

لقد أنفقت "أيباك" مبالغ طائلة في دورة 2024، إلا أنّه كان لديها أيضاً أهداف محددة للغاية، من بينها اجتذاب المرشحين ودعمهم لخوض الانتخابات ضد بوش وبومان. كما حاولت مجموعة الضغط وفشلت في اجتذاب منافس للنائب سمر لي، الديمقراطية عن ولاية بنسلفانيا، حسبما أفاد موقع "ذا إنترسبت"، وفازت بسهولة في انتخاباتها التمهيدية في نيسان/أبريل.

وأثبتت هجمات "أيباك" على بومان وبوش نجاحها في النهاية، بحيث خسر كل منهما في اثنتين من أغلى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في مجلس النواب في التاريخ أمام المرشحين اللذين حصلا على تمويل يفوق الـ29 مليون دولار من أموال المنظمة.

كذلك أثبتت "أيباك" قدرتها على ضخّ مبالغ طائلة من المال لطرد أعضاء الكونغرس والمرشحين المعارضين، وإبعاد السياسيين من أروقة السلطة ممن ليسوا مجرد منتقدين لسياسة الولايات المتحدة تجاه "إسرائيل"، بل أيضاً مؤيدي السياسات الاقتصادية والعسكرية والصحية وسياسات العمل التي تتعارض مع مصالح المانحين الأثرياء لمجموعات الضغط. وأظهرت "أيباك" أنها تتمتع بالقدرة على الوصول إلى كل مقعد في الكونغرس تقريباً. وعندما تطلق رصاصة، نادراً ما تخطئها. فما الذي ينتظرنا بعد؟

* المادة نقلت حرفيا من موقع الميادين نت ـ الكاتب: أكيلا لايسي ـ نقلته إلى العربية: زينب منعم