السياسية || محمد علي القانص*

صرح الجيش الأردني بعد هجوم الكيان الصهيوني المؤقت على المواقع العسكرية في العاصمة الإيرانية طهران، بأنه لن يسمح لأي طائرة عسكرية للأطراف المتصارعة بالعبور من أجواء بلاده.

من خلال هذا التصريح تحاول الأردن تقديم نفسها على أنها طرف محايد ولا علاقة لها بالأحداث التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً الحرب الدائرة بين محور الجهاد والمقاومة الذي يضم حركة حماس وحزب الله والقوات المسلحة اليمنية وإيران وفصائل المقاومة في العراق من جهة، وقوات الكيان الصهيوني المؤقت وحلفائه من الأوروبيين والأمريكيين من جهة أخرى.

يسعى النظام الأردني وقواته المسلحة منذ الغارة الأولى التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة إلى تقديم نفسه كمناصر مُخلص لمستوطني الكيان الصهيوني ومدافع أمين عن حدودها مع المملكة، ويتجلى ذلك في اعتراض منظوماته الجوية للطائرات المُسيرة والصواريخ الباليستية التي تطلقها حركات المقاومة في اليمن والعراق وإيران باتجاه الأراضي المحتلة بالإضافة إلى زيادة الرقابة على المعابر الحدودية مع الأراضي الفلسطينية لمنع وصول أي مواد إلى الجياع والمرابطين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فهذه مواقف تؤكد أن النظام الأردني يساند الكيان الصهيوني بشكل واضح، وهذا معروف للجميع، ولا ينكره إلا منافق أو عميل.

بالرغم من كل ذلك، إلا أن جبهة الأردن المساندة لشعب فلسطين وقضيته واعدة، كما وصفها المتحدث العسكري باسم كتائب القسام (أبو عبيدة) بدليل العمليات الفردية الفدائية التي استهدفت جنود الكيان المؤقت في عملية 8 سبتمبر 2024، التي نفذها الشهيد الأردني البطل ماهر الجازي، بمسدسه الصغير وحقق إصابات مباشرة في جنود الاحتلال، إذ أن مسدس الجازي يساوي بفاعليته وقوته طائرات وصواريخ ودبابات الجيوش العربية المتخاذلة.

ومن تلك العمليات أيضاً، عملية البحر الميت التي نفذها الشهيدان حسام أبو غزالة وعامر قواس، اللذان تسللا في 18 أكتوبر 2024 من الحدود الأردنية، اشتباكا مع جنود الاحتلال في منطقة "عين جدي" بالقرب من البحر الميت.

وقد أصدر الجيش الأردني آنذاك بياناً سريعاً ينفي فيه انتماء الشهيدين إلى القوات المسلحة الأردنية، ليثبت بذلك التزامه بعلاقة الولاء للقوى الصهيونية ويؤكد على كونه حليفاً لهم.

الكثير من القبائل والعشائر الأردنية لا تزال تحافظ على القيم والمبادئ والعادات والتقاليد العربية الأصيلة، التي تتضمن الحمية والفروسية والشجاعة التي فقدها الكثير من العرب نتيجة الغزو الفكري والثقافي الذي استهدف عقول الأجيال المتعاقبة منذ عقود طويلة.

كما حاول هذا الغزو، بالإضافة إلى ذلك طمس الهوية الإيمانية وثقافة الجهاد والاستشهاد، مستبدلاً إياها بمصطلحات الحرية الشخصية والحضارة والرقي والعلمانية وغيرها من المفاهيم الخاطئة التي أوصلت العرب والمسلمين إلى هذا المستوى من الانحطاط والضعف.

وبما أن الله سبحانه وتعالى أكد أنه سيتم نوره ولو كره الكافرون، فقد هيأ أوليائه من أعلام الهدى وأحفاد المصطفى -صلوات ربي عليه وعلى آله- لمناهضة المشاريع اليهودية وكشف أجنداتها الخطيرة والماكرة، ففي السبعينيات جاء الإمام الخميني (رضوان الله عليه) ليرشد الأمة ويثور على الظالمين والطغاة، ويؤسس مشروعه التصحيحي والتحذيري من مخططات الغرب مستنداً بذلك على الآيات القرانية والتوجيهات الربانية، وبدأ خطواته العملية الصحيحة في بناء الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتكون قوة إقليمية عظمى، تسعى لتحقيق هدف أساسي يتمثل في تحرير فلسطين ومقدساتها من الاحتلال الصهيوني، وهو ما تجلى من خلال دعم حركات المقاومة والجهاد في كل من فلسطين ولبنان، حيث تم الانتقال بهؤلاء من مرحلة المواجهة بالحجارة إلى مرحلة القتال باستخدام السلاح والصواريخ والطائرات المسيرة، وهذه حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها، ناهيك عن تأسيس الأمام الخميني ليوم القدس العالمي الذي يقام سنوياً في أخر جمعة من شهر رمضان.

ومؤخراً، جاء المشروع القرآني للشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) ليواصل مسيرة الحق ويحمل لواءها، ويطلق صرخته التي أرعبت الإسرائيلي قبل الأمريكي.

وامتد صداها إلى العالم كله رغم محاولات الغرب والصهاينة القضاء على هذا المشروع بقتل السيد حسين، إلا أنهم فشلوا، وأراد الله أن يتم نوره فقد اصطفى فينا السيد العلم/ عبدالملك بن بدر الدين الحوثي -حفظه الله- لمواصلة المشوار وتحقيق أهداف المسيرة القرآنية التي تبدأ بالولاء لأولياء الله وتنتهي بمواجهة أعداء الله وتحقيق النصر لقضايا الأمة الإسلامية والعربية، وخير شاهد على ذلك المواقف التي تصدرها القوات المسلحة اليمنية ضد قوى الاستكبار العالمي، أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا، ومن سار في فلكهم واتبع سياساتهم.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب