عام على "طوفان الأقصى".. كيف تبدّلت معادلات الصراع والحرب مع "إسرائيل"؟
شرحبيل الغريب*
سنة كاملة مضت على عملية طوفان الأقصى التي نفّذتها كتائب القسام فجر السابع من أكتوبر، الهجوم الأضخم في تاريخ الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، الذي شكّل صدمة كبيرة وفقدان السيطرة الأمنية وانهيار وسقوط فرقة غزة في "جيش" الاحتلال "الإسرائيلي" بكاملها، ومعها تحطّمت أسطورة "الجيش" والأمن "الإسرائيلية"، وضربت إرادة البقاء للكيان "الإسرائيلي" أجمع وجعلته يعيش سيناريوهات الانهيار، وكشفت هشاشته كياناً أوهن من بيت العنكبوت لم يعد قادراً على حماية نفسه من دون الاستعانة بأميركا والغرب، مرة يستجدي السلاح وأخرى يستجدي الحماية.
سنة مضت على الحرب الأطول التي تخوضها المقاومتان الفلسطينية واللبنانية ضد "إسرائيل" شلّ فيها الأمن القومي والاقتصاد، تكبّدت خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة في جنودها وعتادها، فيما ارتفع معدل الهجرة المعاكسة هروباً من نار الحرب على جبهتين، وبدت "إسرائيل" تعيش واقعاً معقّداً يرافقه فشل كبير في تحقيق أهداف الحرب أو حسمها لصالحها أو إخضاع حركة حماس وتحرير الأسرى بالقوة العسكرية، أو إعادة سكان مستوطنات شمال فلسطين إلى مستوطناتهم.
في الجانب الآخر من الصورة ، لا يزال حزب الله يبدع في تشكيل جبهة إسناد عسكرية على مدار عام مليء بالأحداث قدّم خلاله أغلى ما يملك، سماحة الأمين العام لحزب السيد حسن نصر الله شهيداً على طريق القدس، لكنه ورغم الفاتورة الكبيرة التي دفعها، نجح في فرض استراتيجية العناد والندية خلال المواجهة المستمرة مع "إسرائيل"، ورسم معالم جديدة ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة برمّتها، عنوانها المواجهة الشاملة باتت خياراً مطروحاً على الطاولة إذا ما تجرأت "إسرائيل" أكثر، والشرق الأوسط الجديد الذي يسعى نتنياهو إلى فرضه في المنطقة مصيره الفشل.
تمرّ الذكرى السنوية الأولى لمعركة طوفان الأقصى، نستذكر فيها مشاهد البطولة والقوة والإقدام والإرادة الصلبة منقطعة النظير التي لم يشهدها العقل الفلسطيني ولا العربي من قبل، أثبتت مقاومة الشعب الفلسطيني أنها بإمكاناتها المتواضعة قادرة أن تفعل، فكسرت هيبة "جيش" زعم أنه لا يقهر وأثبتت أنها قادرة على تسجيل الانتصار وحسم المعركة لصالحها في الضربة الأولى، كما كشفت العجز والفشل الأمني "الإسرائيلي" في عدم قدرة "إسرائيل" على حماية جنودها وجبهتها الداخلية، كما سلبت منها عنصر المباغتة والمفاجأة التي لطالما تفاخرت به وقدرتها على شن الحروب الخاطفة.
شكّلت معركة طوفان الأقصى انعطافه تاريخية لمرحلة جديدة من الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، وبعد عام حافل بالأحداث، جدير أن نتوقّف على جملة من تداعيات ونتائج معركة طوفان الأقصى وما أفرزته من واقع جديد على المنطقة:
ـ شكّلت حالة المشاركة والإسناد في معركة طوفان الأقصى تطبيقاً عملياً لمفهوم وحدة الساحات للمرة الأولى كشكل من أشكال التعاون والتنسيق المشترك لإدارة المواجهة مع "إسرائيل" على جبهات مختلفة، بدأت من غزة ثم تمدّدت في جبهة لبنان وحزب الله، ثم تطوّرت مع تطوّر الأحداث، وشاركت فيها أطراف أخرى من محور المقاومة كاليمن والعراق وصولاً إلى المشاركة الاستراتيجية لطهران وتنفيذها الضربة الإيرانية الصاروخية التي ضربت فيها أهدافاً وقواعد عسكرية إسرائيلية بما يقارب مئتي صاروخ كرد أولي على سياسية الاغتيالات والتغوّل "الإسرائيلي" على الشعبين الفلسطيني واللبناني.
مع اشتداد وتيرة المواجهة واحتمالات توسّعها كل لحظة، بات عنوان الحياة في "إسرائيل" وباعتراف كثير من القيادات السياسية والأمنية "الإسرائيلية" أن "إسرائيل" تعيش أياماً صعبة لم تمرّ عليها من قبل، وهذه الأيام الصعبة جعلت المستوطنين بمختلف توجّهاتهم يعيدون حساباتهم تجاه استمرارية البقاء في كيان بات فيه الأمن مفقوداً والمستقبل مجهولاً، إذ أشارت آخر استطلاعات الرأي التي نشرتها هيئة البث "الإسرائيلية" حديثاً أن 86% من المستوطنين يرفضون العودة والسكن في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة والتي تعرف باسم مستوطنات غلاف غزة، فيما "إسرائيل" باتت عاجزة عن إعادة سكان مستوطنات الشمال بفعل نيران حزب الله وضرباته المتواصلة، أما قناة كان "الإسرائيلية" فقالت إنه وبعد عام من الحرب غادر 14% من المستوطنين "إسرائيل" بلا عودة، و36% أصبحوا يدرسون ذلك.
ـ ساهمت طوفان الأقصى في زيادة تفكّك الجبهة الداخلية "الإسرائيلية" وزيادة حدة الانقسامات، إذ إنه ونتيجة ضربات المقاومتين الفلسطينية واللبنانية زادت هواجس القلق وأثارت تساؤلاً حول عدم قدرة وعجز حكومة نتنياهو عن توفير الأمن الشخصي لهم ، فيما أدت إلى تصاعد حدة الانقسامات سياسياً واجتماعياً وعلى مستويات أخرى.
ـ تعيش "إسرائيل" بعد سنة كاملة من الطوفان عزلة دولية غير مسبوقة وملاحقات قضائية في المحافل الدولية، وقادتها باتوا ملاحقين كمجرمي حرب من جراء جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي ارتكبته "إسرائيل" في قطاع غزة، ما أدى إلى تزايد الدعوات في الأوساط الدولية لفرض عقوبات على "إسرائيل".
ـ أثبتت طوفان الأقصى أنها أعادت روح المقاومة لدى الأجيال الفلسطينية والعربية، وثبّتت حقّ الشعب الفلسطيني أمام شعوب العالم الحرة، وأعادت شعلة المقاومة المسلحة كخيار رئيسي لدحر الاحتلال "الإسرائيلي" وتحقيق التحرير في وقت كانت أطراف عربية عديدة تهرول نحو التطبيع مع "إسرائيل".
أثبتت طوفان الأقصى أن المقاومة الفلسطينية قادرة على فرض نفسها وكلمتها والتأثير في موازين القوى في المنطقة، وهو ما زاد من استعداد الشعب الفلسطيني للتضحية والصمود رغم كبر وحجم الضغوط التي يواجهها.
ـ أدت معركة طوفان الأقصى إلى تصويب البوصلة العربية نحو القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمة، فيما انعكست تداعياتها بتراجع واضح وكبير في مشروع التطبيع وأحرجت بعض الدول التي كانت تتجه نحو التطبيع وجعلتها تراجع مواقفها، رغم حال الخذلان العربي المتفرج على جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وجعلت بعض الدول تعيد التركيز والحديث عن ضرورة إيجاد حل للقضية الفلسطينية بعد تصدّرها الطاولة الدولية من جديد.
ـ نجحت طوفان الأقصى في تأجيج الرأي العام العالمي بالوقوف على جرائم حرب الإبادة الجماعية التي تتعرّض لها غزة طيلة سنة كاملة، وهذا انعكس بشكل واضح على المواقف الشعبية والرسمية في مستوى العالم، ما جعل عدداً من الدول تعترف بدولة فلسطين للمرة الأولى في تاريخ الصراع.
يدخل طوفان الأقصى عامه الثاني، و"إسرائيل" تتخبّط بعدما تكبّدت سلسلة من الخسائر الكبيرة، وباتت عالقة في غزة وفشلت في حسم الحرب لصالحها، تتجه إلى لبنان كجبهة ثانية في انحراف واضح عن أهداف الحرب الرئيسية وهو ما يعدّ هروباً بعد الفشل، لكن المؤكد في مسار نتنياهو الجديد أن "إسرائيل" تتجه نحو التورّط في الجبهة الشمالية وبدأت تدفع فاتورة حساب عالية في محاولات التوغل برياً، وكل الحسابات تشير إلى أن نتنياهو لن يخرج في وضع أفضل من حربه مع حزب الله عام 2006، أما الشرق الأوسط الجديد الذي يتحدث عنه فلن يتحقّق في ظل صمود المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وغزة وبيروت أثبتتا للعالم أجمع أن القوة قادرة أن تفرض موقفها في معادلات المنطقة.
ما لم تستوعبه "إسرائيل" ومن يحكمها الآن، وبعد عام من طوفان الأقصى، أن "إسرائيل" لم تعد "إسرائيل" بن غريون، وأن "إسرائيل" الآن هي كالطاعن في السن الذي لا يستطيع التعمير كثيراً، وأن الضربات التي تعرّضت لها في طوفان الأقصى على مدار سنة كاملة ضربت إرادة البقاء كركن أساس من أركان الوجود لشعب تم تجميعه من دول الغرب وإيهامه أن هذه أرض الميعاد، ليكتشف بعد 75 سنة أنه فاقد الحاضر ولا يملك ضمان المستقبل ويعيش هزيمة أبدية، فقد تبدّدت أحلامه ومشاريعه وتترسخ الصورة أكثر من أي وقت مضى، وهذا وصف دقيق ذهب إليه الكاتب "الإسرائيلي" في صحيفة معاريف، درور رافائيل، والذي قدّم توصيفاً دقيقاً لواقع "إسرائيل" وهي تخوض حرباً مع حماس وحزب الله، فقال: "كل "إسرائيلي" يتجوّل مع ثقب أسود في قلبه منذ عام وحتى الآن، لا حاجة لتذكير "الإسرائيلي" بما يمرّ به، الإسرائيليون يعيشون الألم والخسائر، النازحون في الشمال والجنوب، عالقون بعيدون عن منازلهم ، المختطفون ما زالوا في أنفاق غزة، وألم القتلى لم يهدأ".
ويضيف الكاتب: "أيّ شخص يتابع يرى يومياً قطاراً على وشك الاصطدام بجبل، بلداً انتحارياً، قادة ملهمين مهووسين بالثورة القانونية، "إسرائيل" بلد تعهّد مواطنوها بعدم المغادرة، لكنهم أنشأوا مستعمرات في قبرص وتايلاند وبورتوريكو على ساحل المحيط الأطلسي.
طوفان الأقصى كتب في السابع من أكتوبر قبل عام بداية نهاية كيان الاحتلال "الإسرائيلي"، ومثل هذه الحالة التي سجّلها الكاتب "الإسرائيلي"تشير إلى أن "إسرائيل" تعيش مع الواقع الصعب والمعقّد خطر التفكّك، تحديداً بعد الفشل في تحقيق الأهداف في غزة ولبنان، فالطوفان لم يهدأ بعد ومؤشرات اتساع رقعة الصراع مع التلويح بضرب إيران كبيرة وهذا سيفتح الباب على مصراعيه لمشهد جديد في المنطقه، ويمكننا القول بعد سنة من الطوفان إن كل ما أنجزته "إسرائيل" على مدار عام يعدّ تكتيكياً لا استراتيجياً سيتلاشى ويتبخّر ولا يبنى عليه.
طوفان الأقصى شبح سيظل يطارد "إسرائيل" ويتسبّب في هزيمتها بعزلتها التي تمرّ بها، ولن ينتهي هذا الشبح إلا بزوال حتمي لهذا الكيان "الإسرائيلي" الغاصب.
* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب