"Peoples Dispatch": الشهيد السيد حسن نصر الله.. الرجل الذي هزم "إسرائيل"
الكاتب: فِيجاي براشاد*
موقع "Peoples Dispatch" ينشر مقالاً للكاتب والمؤرخ الهندي فِيجاي براشاد، يتحدث فيه عن الشهيد السيد حسن نصر الله، وكيف كان قائداً ساند غزة وسوريا، ودعا إلى التعايش في لبنان، وهزم "إسرائيل" مرتين.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
اغتالت "دولة" الاحتلال الإسرائيلي قائد المقاومة اللبنانية السيّد حسن نصر الله في الأسبوع الماضي باستخدام 80 قُنبلة زنة كلّ واحدةٍ مِنها 2000 رطل، دمّرت 6 مبان سكنية، على خلفية رفضه وقف جبهة المُساندة والهجمات على شمال فلسطين المحتلّة، حتّى يتوقّف إطلاق النار في غزّة، وتتوقّف "إسرائيل" عن الإبادة الجماعية بحقّ الفلسطينيين.
لقد اغتيل نصر الله، لأنّه لم يلن في دعمه لفلسطين. وعلى النقيض من معظم الزعماء العرب الآخرين، قاد نصر الله القتال ضدّ "إسرائيل" وهزمها مرّتينِ. الأُولى، حين أُجبرت على الانسحاب من لبنان في عام 2000، والثانية، حين عجزت "دولة" الاحتلال الصهيوني عن هزيمة حزب الله في عُدوان تمّوز في العام 2006. وفي النهاية استُشهد الرجل القائد الذي هَزم "إسرائيل"، وانضمّ إلى قافلة شُهداء المقاومة اللبنانية الطويلة.
في عام 2013، ومع تصاعد الحرب على سوريا، دخلت مع صديق إلى منطقة مُزدحمة في الضاحية الجنوبية لعاصمة لبنان بيروت، للاستماع إلى خطاب يُلْقيه السيّد حسن نصر الله، سيتناولُ فيه السبب وراء قرار حزب الله الهامّ دخول سوريا ومُساندة الدولة بمواجهة الهجمة العدوانية عليها. وقد خاطب قائد المقاومة الجمهور الكبير من خلال شاشة نُصبت في مكان الحفل، ولها مُماثل في الأحياء الأخرى من المدينة. والسبب خلف عدم حُضور نصر الله شخصيّاً هو أنّ "إسرائيل" كانت تستهدف اغتياله مُنذ تعيينه قائداً لحزب الله في عام 1992، وهو في الـ 32 من عمره.
بدأ الخطاب هادئاً حيث شرح السيّد نصر الله تعقيدات الحرب في سوريا، والمخاطر التي تُشكّلُها هجمات القوى الإرهابية على الشعب اللبناني بالقرب من الحدود مع الجارة الشقيقة. وقال إنّه إذا تسلّل هؤلاء من سوريا إلى لبنان، فإنّهم يستهدفون اللبنانيين كُلّهم بلا تفرقة بين طائفة ومذهّبٍ. وأضاف السيد نصر الله أنّ مُقاتلي الحزب مُضطرون إلى عُبور الحدود والقتال لحماية لبنان.
وفي وقت لاحق، ذهبت مع صحافي آخر إلى المناطق التي يدُور فيها القتال في سوريا، بين مقاتلي حزب الله والجماعات الإرهابية. وقد تحدّث رجال الحزب بأسلوب مُثير للإعجاب وبكثير من التقدير والتبجيل عن قائدهم، في ساحة الدفاع عن لبنان بوجه "الدولة" الصهيونية والقوى المعادية الأخرى.
كان الشهيد الصالح السيّد حسن نصر الله صادقاً بوعده، الثقة بما يقوله ليست حكراً على جُمهور المقاومة والمحازبين، بل إنّ جمهور الأعداء والخصوم يُصدّقون أيضاً كلامه أكثر مما يفعلون مع حكوماتهم رُبّما.
زجر الشهيد نصر الله لعنة الانقسامات الطائفية في لبنان، وآمن بالتعايش بين أبنائه، وتطوّع لحمايتهم بلا تفرقة مُوسّعاً أُفق المقاومة الإسلامية التي تدافع عن كلّ اللبنانيين خصوصاً وعن الأمّة عموماً، من خلال دورها الطليعيّ في محور المقاومة. وإذا ما تجوّلنا في مُدن وقُرى جنوب لبنان، فسوف يتبيّنُ لنا أنّ عُمق الدعم الاجتماعي الذي يحظى به حزب الله لا يتزعزعُ. ويعود ذلك لأنّ إيمان مُقاتليه وبراعتهم وصلابتهم هي التي أدّت إلى تمكين لبنان من إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بالقوّة، والذي بدأ عندما غزت "إسرائيل" لبنان في عام 1982، وتحرّرَ في العام 2000.
ولقد وُلد حزب الله في أثناء ذلك الاجتياح، وأظهر إلى جانب بأسهِ العسكري براعة وفطنة سياسية، فضلاً عن الشجاعة في مُواجهة الصهاينة والإرهاب. وقد كان الشهيد نصر الله قد تسلّم قيادة الحزب بعد أن اغتالت "إسرائيل" أمينه العامّ الشهيد السيّد عباس الموسوي في العام 1992. ولقد شرع نصر الله فوراً حينها بالتمسّك بنهج سلفه والسياسات التي استمرّت طوال 3 عقود وحتى اغتياله، ومن البديهي أن تستمرّ مع القيادة الجديدة.
ومن أخلاقيّات حزب الله في المواجهات مع "الجيش" الصهيوني أنّه لا يبادر إلى ضرب المواقع المدنية، إلا بعد توغّل "إسرائيل" في قتل المدنيين اللبنانيين. وحين تَقهقر "جيش" الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، أصدر حزب الله بياناً علنياً مفاده أنّه لن يستهدف أيّ شخص في لبنان كان قد تعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، ومارس أخلاقيّات راقية في سبيل تعافي لبنان وتماسكه من شوائب الاحتلال. وفي مدينة صور الساحلية اللبنانية، فجّر مجهولون عدداً من المطاعم التي تُقدّم المشروبات الكُحولية في أواخر العام 2012، ولقد ذهبت للتحدّث إلى بعض أصحاب هذه المطاعم، وأخبروني جميعاً أنّ أشخاصاً من حزب الله زاروهم وعرضوا دفع ثمن الأضرار، على الرغم من أنّ الهجمات لم تكن من بين أعضاء الحزب. ولقد قال الشهيد نصر الله آنذاك على الرغم من مُعارضته لاستهلاك الكحول، إلا أنّه لا يعتقدُ أنّ المجتمع اللبناني المتنوّع يجب أن يتوافق مع وجهات النظر الاجتماعية لأيّ مجموعة، بل يجب أن يتعلّم التسامح مع خُصوصيّات الجميع.
يرفض حزب الله الاتّهامات الصهيونية والاستعمارية الغربية له بمُعاداة السامية، وهو صادقٌ بقوله كما فعله، ومن الجدير ذكره أنّ الحزب بقيادة الشهيد السيّد نصر الله قد ساهم في إعادة بناء كنيس "ماغين أبراهام" في بيروت، باعتباره "مكاناً دينياً للعبادة، وترميمه مرحّباً به".
الشهيد السيّد نصر الله، قال خلال مُناقشة حول فلسطين في عام 2012 مع جوليان أسانج، إنّ "الحلّ الوحيد هو إقامة دولة واحدة على أرض فلسطين حيث يعيشُ المسلمون واليهود والمسيحيّون في سلام في دولة ديمقراطية. وأيّ حلّ آخر لن يكون قابلاً للتطبيق، ولن يستمرّ".
وعندما بدأت "إسرائيل"، بدعم من الولايات المتّحدة، قصف لبنان في عام 2006، حيث اعتُقد على نطاق واسع أنّ حزب الله سيدمَّر، لكنّه صمد في وجه الهجوم العاتي، وانتصر على "إسرائيل".
قبل سنوات، كان أصدقائي في الدول العربية يسألونني لماذا لا نستطيع أن نُنتج "هوغو تشافيز"، أي لماذا لا يكون لديهم زعيم يقف في وجه تدخّل الغرب واحتلال فلسطين. وفي أثناء عدوان تموز في العام 2006، قال لي هؤلاء إنّ نصر الله هو "تشافيزهم"، وأنّه تجسيد لجمال عبد الناصر. وحقيقة أنّ حزب الله لم يخسر المواجهة وتمكّن من الدفاع عن البلاد والعباد، فلقد أثبت لبقية الشعوب العربية أنّ هزيمة "إسرائيل" مُمكنة وقد حصلت بالفعل على أرض لبنان.
يُعزى هذا النصرُ جُزئيّاً إلى قُدرة الشهيد السيّد نصر الله على تحويل حزب الله من قُوّة عسكرية إلى مُجتمع مُقاوم ومُلتزم بالجهاد وبالنضال والصبر الطويل لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والهيمنة الاستعمارية على لبنان وعُموم المنطقة. وإنّ مُجتمع المقاومة هو الذي يُحدّد قُدرة وقُوّة حزب الله وليس الآلاف من الصواريخ، فهنا القُوّة الأساسية التي لا تفنى.
لقد حاول الإسرائيليّون اغتيال السيّدِ حسن نصر الله مرات عديدة خلال عام 2006، وقبله وبعده، لكنّهم لم ينجحوا. وقد أحدث اغتياله صدمة كبيرة في لبنان ومختلف أنحاء العالم، وذلك لأنّ الرأي السائد كان يزعم أنّه لا يمكن اغتياله. ولكنّ نصر الله كان رجلاً، والبشر يموتون بطريقة أو بأخرى. وقد طلب الصحافي روبرت فيسك من السيد نصر الله أن يشرح له ما يعنيه الاستعداد للاستشهاد، وفقاً لمقال كتبه في عام 2001، فقال له: "تخيّل أنّك في ساونا والجوّ حارّ للغاية، ولكنّك تعلمُ أنّ الغرفة المجاورة بها مُكيّف هواء، وكرسيّ بذراعين، وموسيقى كلاسيكية"، وبلا ريب كان هذا هو موقفه حين سقطت قنابل الحقد الإسرائيلي واستشهد.
الحزن على استشهاد السيد نصر الله يعمّ لبنان والأمّة. والأعلام السوداء ترفرف في لبنان وسوريا وإيران والعراق وغيرها.. سيتعافى حزب الله، ولكن لن يكون سهلاً مجيء خلف للشهيد السيّد حسن نصر الله، الزعيم العربي الوحيد الذي كان بوسعه أن يصدح بأنّه هزم "إسرائيل".
* المقال نقل حرفيا من موقع الميادين ويعبر عن وجهة نظر الكاتب