بقلم: عدلين محمدي————–

ترجمة: أسماء بجاش –سبأ:————–

من المحتمل أن الصراع اليمني أدى إلى وقوع اليمن في شرك “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”, ومن جانبها, يبدو أن الأمم المتحدة غير قادرة في كثير من الأحيان على تهدئة الأوضاع في هذا البلد الذي تخلت عنه القوى العظمى لصالح المملكة العربية السعودية, كما يكشف الفشل الذريع للجيش السعودي المجهز تجهيزاً كبيراً عن أهمية النطاق الوطني في هذا الصراع.

وبطبيعة الحال, لا ينبغي التقليل من الخلاف بين الرياض وإيران, حيث أن دعم واشنطن للحرب التي تقودها الرياض في اليمن، على الرغم من عدم شعبيتها، يكمن بالتحديد في الرغبة في احتواء إيران, لكن الجهات الفاعلة اليمنية بعيدة كل البعد عن أن تكون سلبية.

في غضون بضع سنوات، شهدت الهياكلية الاجتماعية والسياسية في البلد تحولات كبيرة، كانت الجهات الفاعلة الرئيسية فيها يمنية في كثير من الاحيان, وفي فترة زمنية  قصيرة بشكل نسبي، يبدو أن القبائل اليمنية قد تحولت، وتم طرد الحكومة الرسمية، حيث آلت الامور في العاصمة صنعاء والمناطق الشمالية إلى أيدي التمرد الحوثي, في حين يسيطر الانفصاليون على الجنوب.

قبائل اليمن: بين الحياد والمرونة:

كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح، عضو في الاتحاد القبلي الكبير لقبائل حاشد, حيث كان معروفاً بقدرته على استغلال الحقيقة القبلية, ففي أحد المقابلات الصحفية, صرح الرئيس صالح لأحد الصحف السعودية في العام 1986, قال فيها “أن الدولة هي جزء من القبائل والشعب اليمني هو تجمع من القبائل”, وفي ظل حكم صالح فأن قبائل حاشد لا مفر منها.

 

يبدو أن كل شيء قد انتهى, في حين يبدو أن مقارنة الوضع مع سوريا مغرٍ, ففي سوريا، كانت الدولة قوية – مركزية وسلطوية- والقبائل ضعيفة نسبيا، حيث ظهرت هذه القبائل في الأخير في الحرب كعنصر رئيسي في نسج علاقات القوى المختلفة: بين دمشق وداعش, وبين داعش والميليشيات الكردية وبين القبائل ودمشق.

وفي اليمن، من الواضح أن الحكومة تهيمن عليها القبائل، إذ يتم الآن إخضاعها من قبل جهات فاعلة تنوي تدجينهم: الحوثيون في الشمال والانفصاليون في الجنوب.

يعتبر الحوثيون في الشمال هم الرابح الأكبر في هذا الصراع, وعلى عكس ما يقال في كثير من الأحيان، لم تكن إيران التي كان دعمها المادي أقل وضوحاً من الدعم السياسي هي التي سمحت للتمرد الحوثي بالانتصار، ولكن العضوية المحلية، ولا سيما العضوية القبلية هي التي ساعدت في ذلك.

في غضون سنوات قليلة، ووفقاً لجميع المتحاورون اليمنيين، انتقل الحشد بالكامل تقريباً إلى الجانب الحوثي، بنشاط العضوية الكاملة والتحالف.

كيف يتم تفسير مثل هذا التكوين؟

أولاً:  ساعد التحالف الهش بين التمرد الحوثي والرئيس السابق صالح الذي اغتاله الحوثيون بعد تحول طائش في نهاية العام 2017 على جذب القبائل إلى  صفوف التمرد.

ثانياً: مكنت النجاحات العسكرية والسياسية لجماعة الحوثي من تعبئة موارد مالية كبيرة تساعد أيضاً على جذب القبائل.

ثالثاً: يتمتع الحوثيون بهالة دينية – سياسية كونهم ورثة نبي الاسلام, حيث تجعلهم يقفون طليعة المقاومة الوطنية ضد عدو خارجي والمتمثل بالمملكة العربية السعودية, فزعيمهم، عبد الملك الحوثي، يتمتع بلقب “السيد”، الذي من المفترض أن يكون من نسل النبي محمد.

يرأس اتحاد القبائل عائلة الأحمر المنحدرة من قبيلة حاشد,  حيث بقي الشيخ صادق الأحمر في العاصمة صنعاء, إلا انه تم تحييده من قبل جماعة الحوثي, إذ سمح له بالبقاء في صنعاء، ولكن ليس للعمل السياسي, في حين يعيش شقيقه الأصغر حميد في المنفى في مدينة اسطنبول التركية, وبالرغم من كونه أحدى  شخصيات حزب الإصلاح, الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين، و احد قادة انتفاضة 2011, إلا انه لا يزال يحافظ على علاقات غامضة مع السعوديين, ففي الوقت الذي لا يُقدر فيه صناع القرار في الرياض قربه من جماعة الإخوان أو من حزب الإصلاح، لكن الاتصالات بينهم لم تنقطع.

وفي الجنوب، يتبنى الانفصاليون الذين يسيطرون على المنطقة, وذلك بفضل الدعم الإماراتي, خطاباً مشابهة لموقف الحوثيين, وعلى الرغم من خلافاتهم, يعتبر الانفصاليون أنفسهم أعضاء في منظومة التحالف العربي الذي اخذ على عاتقه مهمة محاربة الحوثيين.

يتفق الحوثيين في حقيقة الأمر مع نظرائهم الانفصاليين عند نقطة التعبئة القبلية عندما يكون ذلك ضرورياً, وفي الوقت نفسه  يعملون على تعزيز مبدأ الدولة الحديثة الموروثة بشكل جزئي من الفترة الاشتراكية لتأطير دور القبائل.

يسود الخطاب المتمركز حول التمثيل في الشمال والجنوب على حد سواء, حيث يبدو أن القبائل محكوم عليها بالخضوع للدولة (الحوثيين أو الجنوبيين), لكن لا ينبغي لنا أن نتكلم على عجل عن ضعف القبائل, نظراً لتكيفها مع كل المكونات السياسية, حيث أنها تدعمهم بمحض إرادتها.

شكوك حول مستقبل الدولة في اليمن:

الدولة اليمنية كما عرفناها قبل اندلاع الصراع و الانتفاضة الشعبية التي جابت البلد في العام 2011 ليست سوى شيء من الماضي.

تعاني السلطة الرسمية للرئيس هادي من الضعف والوهن, على الرغم من الدعم الدولي والرعاية التي توليها الرياض لهذا النظام, إلا أن الرئيس هادي أصبح شخص غير مرحب به في صنعاء الواقعة تحت سيطرت الحوثيين، ولا في عدن الخاضعة لحكم الانفصاليون الجنوبيون الذين أصبحوا في موقع قوي, وفي المقابل, تم إجبار الحكومة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي بالتظاهر بالحكم من فنادق الرياض.

يعاني الحزبين الرئيسيين في اليمن من صدع عميق, حيث ينقسم حزب المؤتمر الشعبي العام بين مؤيد للرئيس هادي وبين أنصار الرئيس السابق صالح, في حين ينقسم اليوم حزب الإصلاح الذي كان على رأس الانتفاضة الشعبية في العام 2011, بين مؤيدي للحوار مع الرياض والحرب الشاملة ضد الحوثيين والمتمثل في تيار حميد الأحمر، وبين أنصار الحوار مع الحوثيين ورفض العملية العسكرية السعودية مثل توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام في العام 2011.

اللاعبان الرئيسيان  اللذان يسيطران على اليمن اليوم هما: جماعة الحوثي في الشمال على الرغم من الخطاب الذي لا يزال نقابياً, والمجلس الانتقالي في الجنوب.

بعبارة آخرى، يهيمن على اليمن مجموعتان من المتمردين تدعمهما قوى إقليمية في تراجع: إيران الدعم الرئيسي للحوثيين والإمارات العربية المتحدة التي سحبت قواتها من اليمن, تدعم المجلس الانتقالي.

يقدم الحوثيون أنفسهم كممثلين رسميين للدولة اليمنية، مستندين في ذلك على أساس قوة نجاحاتهم, فخطابهم هو خطاب المقاومة الوطنية التي تمثل كل اليمن, حيث كان قرار تعيين سفير لهم في طهران بمثابة غزو شرعية الدولة.

أما في الجنوب، يحلم المجلس الانتقالي الجنوبي بالاستقلال, إذ أن الإعلان الأحادي الجانب عن استقلال جنوب اليمن دون موافقة أبو ظبي والذي لا يخفي طموحاتها في السيادة البحرية يبدو غير مرجح, ففي غياب الاستقلال، يمكن للانفصاليين الحصول على نظام كونفدرالي.

تصدع محور الرياض-أبو ظبي:

على الصعيد الإقليمي، يمكن القول أن اليمن سيكون مسرح نصر محور المقاومة المدعوم من طهران, حيث تمكن الحوثيون في الواقع من الوقوف في وجه الجارة السعودية بالرغم من محدودية وسائلهم والتي تعتبر أكثر تواضعا من تلك التي يمتلكها التحالف العربي بقيادة الرياض.

وبالنسبة للسعوديين، لا يختلف الحوثيون عن حزب الله بالنسبة لإسرائيل, فالمملكة العربية السعودية لا تريد مقاومة مسلحة على حدودها, وعلى غرار حزب الله، فإن الحوثيون قادرون  على المقاومة وإنشاء بعض الدعم في الداخل.

إن الموازنة العمومية لمحور الرياض – أبو ظبي تعتبر أكثر من مختلطة, فبعد الفشل المرير في سوريا، وفشل الانتخابات في لبنان والفشل الجديد اللاذع في اليمن، يجد رجل هذا المحور في ليبيا، المشير خليفة حفتر، نفسه اليوم في ورطة.

من المؤكد أن حلفاء واشنطن الرئيسيين في المنطقة – إلى جانب إسرائيل- يعكفون على مضاعفة  الحملات.

ابقت الإمارات العربية المتحدة في اليمن على مجال للمناورة, إذ اختاروا تقديم الدعم والاعتماد على الانفصاليين في الجنوب بدلاً من تقديم الدعم للقوة الرسمية لهادي, وذلك لضمان الانفتاح على خليج عدن.

وفي هذه الحالة، تعتبر الجغرافيا هي صاحبة الكلمة الفصل, فدولة الإمارات  ليس لديها حدود مشتركة مع اليمن, لذلك لا يوجد تهديد مباشر للحوثيين عليها, في حين أنها تتعارض مع إيران في حالة اندلاع صراع مسلح, وبالتالي فإن لديها الفرصة، جنباً إلى جنب مع حلفائها الجنوبيين، التي اتهمت إيران بدعمها قبل بضع سنوات لغزو أسواق بحرية جديدة.

 

يمكن لروسيا التي تتمتع بعلاقات جيدة جداً مع الجميع تقريباً وتتشاطر بعض الطموحات في البحر الأحمر مع دولة الإمارات، أن تلعب دور الوسيط في السلطة, وفي الوقت الذي تعترف فيه موسكو بقوة هادي والمصالح السعودية، فإن لديها علاقات جيدة مع الحوثيين والجهات الفاعلة الجنوبية, حيث تعود هذه العلاقات الموروثة في بعض الأحيان إلى الفترة التي ساد فيها النظام الاشتراكي.

إن  محور واشنطن-الرياض هو العقبة الرئيسية أمام السلام في اليمن, وبدون السعوديين والولايات المتحدة الأمريكية الراعية لهم, لن يمنع إجراء الحوار أي شيء بين الممثلين الذين يمسكون بالأراضي اليمنية – الحوثيين و المجلس الانتقالي الجنوبي- خاصة وأن الجهات الراعية لهما -طهران وأبو ظبي- يعرفان كيفية مناقشة الوضع عندما تملى الظروف.

ومع ذلك، من السابق لأوانه الحديث عن التقارب بين إيران والإمارات العربية المتحدة، إذ يبدو أن أبو ظبي لا تزال مرتبطة بتحالفها مع الرياض.

 

(موقع “ميديل اس أي- middleeasteye”البريطاني النسخة الفرنسية)