زيف الانسحاب الإماراتي من اليمن
أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة سحب قواتها من اليمن, بيد أن وراء هذه التصريحات تكمن رغبة ملحه في إيجاد استراتيجية جديدة للخروج من حرب لا نهاية لها، والتي لن تخلو من التوترات مع الحليف السعودي.
بقلم: هيلين لاكنر*
باريس, 28 اغسطس 2019(موقع” orientxxi-اوريان 21″ الفرنسي, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)
أنصار الحركة الانفصالية الجنوبية في مدينة عدن / 10 أغسطس 2019
مرة أخرى، عملت الأحداث العسكرية الدائرة في اليمن إلى إعادة تصدر الوضع الحاصل في البلد قائمة الإعلام الغربي:
“انسحاب القوات الإماراتية من اليمن, والقتال الدائر في العاصمة المؤقتة عدن بين القوات الانفصالية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وبين القوات الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها من قبل المجتمع الدولي, بالإضافة إلى “عمليات إطلاق جماعة الحوثي لصواريخ على المواقع الاستراتيجية في المملكة العربية السعودية”.
كل هذه الأحداث التي تجري في اليمن تنامت على خلفية التوترات المتزايدة والمواجهات الخطيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وحلفائها في منطقة الخليج العربي من جهة وإيران من جهة أخرى, ومع ذلك، فالوضع في اليمن يختلف في الواقع إلى حد ما عن ما هو ظاهر عليه.
إستراتيجية أبو ظبي:
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها دولة الإمارات العربية المتحدة عن رغبتها في إنهاء تدخلها العسكري في الصراع الدائر في اليمن, حيث كان العالم في يوليو المنصرم على موعد مع إعلان انسحاب معظم قواتها ومعداتها العسكرية، لاسيما من محافظة الحديدة التي أصبحت مدينتها الرئيسية ومركز الاهتمام الدولي منذ منتصف العام 2017, حيث سيتم تخصيص القتال اللاحق لمختلف الجماعات اليمنية -المتنافسة في كثير من الأحيان- والسودانيين المنتشرين هناك.
فهذه المناورة السياسية الإماراتية لا تخلو من أي مشاركة:
اولاً، على الأقل حتى الوقت الراهن، هو أن التحالف الذي تقوده السعودية قد تخلى عن فكرة استعادة السيطرة على مدينة الحديدة الساحلية, وربما جعلها في نهاية المطاف “عاصمة مؤقتة” أخرى للبلد.
ثانياً, توقف القتال في الحديدة في نهاية العام 2018, وذلك بفضل جهود الأمم المتحدة الرامية لمنع تفاقم الأزمة الإنسانية التي كان من المتوقع بأن تكون كارثية.
ثالثاً, لأسباب سياسية فقط, إذا كان اتفاق السويد الموقع نهاية العام 2018 بين وفد جماعة الحوثي وبين وفد حكومة هادي، تحت رعاية الأمم المتحدة, يجعل من الصعب للغاية على التحالف استئناف العمليات العسكرية مطلع يناير من العام 2019, وبالتالي عمل مجلس الأمن على إقرار بعثة دولية مصغرة لدعم اتفاق الحديدة.
كانت الإستراتيجية العسكرية للتحالف في السابق تكمن في الاستيلاء على مدينة الحديدة لإنهاء حالة الجمود التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات.
ويتطلب هذا التخلي نهجاً جديداً لم ينبثق بعد من كلا الجانبين, القيادة السعودية أو داخل حكومة هادي, وبالتالي, فإن الانسحاب الرسمي لدولة الإمارات العربية المتحدة هو دعوة واضحة وصريحة لهذه الإستراتيجية الجديدة, وعلى أية حال، يمكن للإمارات العودة في أي وقت إذا قرروا ذلك.
الأزمة في مدينة عدن “العاصمة المؤقتة”:
في 1 أغسطس 2019, تسبب الهجوم الصاروخي المزدوج الذي شنه الحوثيون بطائرة مسيرة وصاروخ باليستي والذي استهدف حفل تخرج ضباط في معسكر الجلاء الواقع غرب العاصمة المؤقتة عدن, إلى تدهور الوضع في المدينة بسرعة وذلك وفقاً لنمط نزاع مماثل في يناير من العام 2018.
إن المجلس الانتقالي الجنوبي (CTS) ليس أكثر من فصيل انفصالي إقليمي واحد من بين العديد من الفصائل الأخرى.
ومع ذلك، وبفضل الدعم السياسي والعسكري والمالي الكبير الذي توليه دولة الإمارات العربية المتحدة لهذا الفصيل منذ إنشائها في مايو 2017, فقد كان له تأثير دولي متزايد في عدن وما حولها.
أسفر الهجوم الحوثي على معسكر الجلاء عن سقوط عدداً من القتلى والجرحى بينهم شخصيات عسكرية مرموقة تنتمي إلى قوات “الحزام الأمني”، الجناح المسلح للمجلس الانتقالي الجنوبي, حيث أدى الهجوم، الذي تم اعتباره على أنه هجوم “شمالي” على الجنوب، إلى العديد من المضايقات والنهب والتخريب… ضد المئات من سكان الشمال يعملون هناك، كما أعقب هذا الهجوم هجوم مسلح من التيار الانفصالي على وزارات حكومة هادي وقصرها الرئاسي.
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد يومين من هذه الأحداث، كان قائد قوات الأمن في عدن لا يزال صديقاً وحليفاً مقرباً لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي! وليكون واضحا:
كان الصديق الشخصي لرئيس المجلس الانتقالي هو قائد قوات الأمن التابعة لحكومة هادي في الوقت الذي هاجمت فيه قوات الحزام الأمني قوات قائدها الرسمي، حيث تمت إزاحته من منصبه بعد الاستيلاء على المدينة من قبل قوات المجلس الانتقالي, ولذلك ليس من المستغرب أن يسيطر الانفصاليون على القواعد العسكرية في مدينة عدن.
وبعد أن رفع أنصار المجلس الانتقالي أشارة النصر عشية عيد الأضحى، عمل المجلس على تعزيز قبضته من خلال الدعوة إلى مظاهرة شعبية حاشدة لدعم استقلال الجنوب في 15 أغسطس الجاري, وبالرغم من كل ذلك, لم يجرؤ المجلس الانتقالي على إعلان الانفصال, نظراً لكون التحالف السعودي الإماراتي يدعم صراحة “وحدة وسلامة اليمن”.
أكد الإجتماع الطارئ الذي عقد في مكة للقادة الإماراتيين ونظرائهم السعوديين في 12 أغسطس هذه السياسة المشتركة، في حين رأى الرئيس هادي أن ما قام به المجلس الانتقالي لا يختلف عن الانقلاب الذي قام به الحوثيون في صنعاء في العام 2015.
أما بالنسبة للقادة المجلس الانتقالي الجنوبي، فقد برروا أفعالهم بطريقة ملتوية:
ولتأكيد الولاء للمصالح الإماراتية، زعم المجلس الانتقالي أن حزب الإصلاح المقرب من جماعة “الإخوان المسلمين” كان المسؤول عن هجوم 1 أغسطس الذي استهدف معسكر الجلاء بمدينة عدن, وهذا بمثابة تأكيد يتحدى المنطق إلى حد ما في حين أن الحركة تتعارض بشكل كلي مع الحوثيين وجزء أساسي من حكومة هادي.
ومن جانبها, ترى دولة الإمارات، أنه في حال أيدت أو لم تؤيد الاستيلاء على عدن، أن أهدافها الاستراتيجية قد تعززت, إذ تتسم سياستها بكراهية جماعة الإخوان المسلمين التي أدت في اليمن إلى عداء لا يتزعزع تجاه حزب الإصلاح, ولهذا السبب يختلفون عن حليفهم السعودي، الذي يؤيد مشاركة الإصلاح في الحكومة كما يرى أنها أساس القبلية في أقصى شمال البلد، في حين أن أبو ظبي لا ترى سوى العنصر المخزي لجماعة الإخوان المسلمين.
كما أختار صنع القرار في دولة الامارات تشجيع القضاء على العديد من مؤيدي حزب الإصلاح من قبل حلفائهم الجنوبيين، إذ لا يخفى نشاط الإماراتيين على الأقل في محاربة حزب الإصلاح كما كانوا في كفاحهم ضد متطرفي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQPA) وتنظيم الدولة الإسلامية (EI)، ناهيك عن الدعم الصريح والواضح الذي توليه للجماعات السلفية وغيرها من الأحزمة الأمنية.
وتحت ضغط من الإماراتيين والسعوديين، بدأت القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بسحب قواتها من بعض المؤسسات المدنية التي استولت عليها في مدينة عدن.
أدت الأحداث التي شهدتها مدينة عدن في الآونة الأخيرة إلى سقوط أكثر من أربعين مدنيينا, بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية وانعدام الأمن لآلاف السكان المدنيين الشماليين والجنوبيين على حد سواء, فهذه الأحداث يجب أن تنعكس آثارها على المدى القصير, ومن المتوقع أجراء تعديل وزاري في حكومة هادي.
ومن الواضح أن التعديل الوزاري، الذي كان مقررا منذ أن قدم وزير الخارجية استقالته في أوائل يونيو المنصرم، سيطرح العديد من المشاكل.
من الوارد أن تعزز عمليات المجلس الانتقالي في عدن والمحافظات الأخرى رغبة دولة الإمارات العربية المتحدة في تهميش الإصلاح داخل الحكومة.
لم يتحدى المجلس الانتقالي على الرغم من “الانقلاب” سلطة الإمارات بإعلان الاستقلال الجنوب رغم مطالب مؤيديها الشعبيين, إذ يعتمد المجلس الانتقالي الجنوبي كثيراً على دولة الإمارات العربية المتحدة لدرجة لا تسمح له بالمخاطرة، حيث تعتزم دولة الإمارات الحفاظ على علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية, دون المطالبة بانسحاب قوات المجلس الانتقالي، حيث تدعم القيادة الإماراتية الدعوة السعودية لعقد قمة طارئة لبحث الأوضاع في المدينة والتي تأخرت بسبب المواجهات العسكرية بين مؤيدي حكومة هادي وقوات الانتقالي في المناطق الشرقية من محافظة عدن وفي محافظات أبين وشبوة وكذلك الشروط غير المنسقة التي تطلبها الأطراف المتنازعة للمشاركة.
الهجمات الحوثية على المملكة العربية السعودية:
شهدت الأشهر الأخيرة، ارتفاع معدل الهجمات التي يشنها الحوثيين على الأراضي السعودية بشكل متزايد, لدرجة أنها كان شبه يومية, كان معظم هذه الهجمات تتم عن طريق طائرات بدون طيار, استهدفت المناطق الجنوبية للمملكة, بالإضافة إلى المطارات والمنشآت النفطية.
تكمل هذه الضربات التصريحات الحوثية عن النوايا الحسنة، حيث يقول الحوثيون إنهم على استعداد لوضع حد لهذه الهجمات شريطة أن يتخلى السعوديون عن غاراتهم الجوية على اليمن.
تركز بيانات أخرى على الموارد التقنية لجماعة الحوثي وقدرتهم على الوصول إلى الأهداف الإماراتية, كل هذا يحدث في الوقت الذي يواصلون فيه عمليات التوغل البري داخل الأراضي السعودية, مما يثبت ضعف قوات حرس الحدود السعودي, حيث يهدف الحوثيون من خلال الغارات الجوية للطائرات بدون طيار والتوغلات البرية إلى إقناع المملكة العربية السعودية بضرورة البدء بالمفاوضات.
يشير توقيت هذه العمليات إلى ارتفاع معدل التنسيق بين إيران وقدرة الحوثيين على خلق مشاكل إضافية للمملكة العربية السعودية في حالة تدهور الوضع في الخليج بشكل كبير, لفرض أكبر قدر من الضغط من الولايات المتحدة الأمريكية على إيران والمواجهات البحرية الأخيرة في وحول منطقة مضيق هرمز وخارجها.
الوحدة تحت التهديد:
جددت الأحداث الأخيرة في عدن النقاش الدائر حول التجزئة المحتملة لليمن والتي يتم تفسيرها غالباً “بالخصوصية” التي يتحملها الجنوب.
يحدد الانفصاليون الجنوب بأنه المنطقة التي كانت في الفترة ما بين 1967 إلى 1990, الدولة الاشتراكية الوحيدة في العالم العربي، حيث كانت تعرف آنذاك بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
ففي السابق، كانت هذه المنطقة، باعتبارها مستعمرة بريطانية، تتألف من حوالي 30 كياناً سياسياً مختلف، من دولة القعيطية الحضرمية أو سلطنة الشحر والمكلا الكبيرة في حضرموت إلى سلطنة يافع العليا, إلى جانب عدم وجود اتحادات قبلية كبرى مماثلة لتلك الموجودة في أقصى شمال البلد، فإن هذا التاريخ هو المبرر المعتاد لخصوصية الجنوب.
ينادي الانفصاليون إلى استعادة الدولة المستقلة داخل حدود جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً, بيد أن قدرتها على البقاء أمر مشكوك فيه:
يتجلى الافتقار في التماسك السياسي، ومن بين أمور أخرى، عدم قدرة الانفصاليين على الاتفاق على اسم لهذه الدولة المستقبلية بالإضافة إلى استخدامهم المستمر لعلم الديمقراطية الشعبية، على الرغم من حقيقة أن أيا منهم لا يدعي أي ولاء للاشتراكية.
إن الشطر الجنوبي المنادي للاستقلال مقسم بتعدد الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية، بما في ذلك الخصومات السياسية التي تعود إلى الفترة الاستعمارية والصراعات الداخلية المختلفة في الفترة التي امسك فيها الاشتراكيون بزمام الامور, ناهيك عن التنافس مع الدول المجاورة, وعلاوة على ذلك، فإن الموارد الطبيعية المحدودة موزعة بشكل غير عادل داخل المنطقة, بمعنى, إن إعلان الاستقلال الجنوبي سيؤدي بسرعة إلى اندلاع المزيد من الصراع.
وعلى الرغم من أن المنطقة الشمالية، التي عُرفت باسم الجمهورية العربية اليمنية, كانت عبارة عن كيان سياسي واحد لأكثر من قرن من الزمان، إلا أن الاهتمام بالانفصال الجنوب يخفي شقوقاً عميقة مماثلة في تلك المنطقة والتي تمثل تحدياً مماثلاً للوحدة.
وعلى الرغم من أن جماعة الحوثي تحكم قبضتها الحديدية في الوقت الحالي على المنطقة الشمالية بدعم من القبائل المناهضة للتحالف العربي، فإن هذا التماسك المؤقت يعتمد على عدو مشترك والمتمثل في المملكة العربية السعودية وحكومة هادي اللتان لن تنجوان في نهاية المطاف من العمليات القتالية, هنا أيضاً، تحكم الانقسامات والاختلافات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية قبضتها على سكان المرتفعات وسكان سهل تهامة الساحلي والمنطقة الشرقية القاحلة والمرتفعات الجبلية في جنوب إب وتعز.
لذا فإن تفكك البلد مقارنة بالصومال، هو احتمال حقيقي وسبب رئيسي لكون اليمن الفيدرالي حلاً معقولاً لتجنب إعادة إنشاء الدول الجزرية الصغيرة التي تفتقر للموارد، وهذا نموذج لم ينجح إلا في دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل رغبة أبو ظبي في تمويل الإمارات الفقيرة.
وفي اليمن، يستبعد نقص الموارد هذا الخيار (خيار التقسيم). ومع ذلك، تحتاج المناطق الفدرالية إلى تعريفها على أساس التماسك الاجتماعي والموارد والطاقات الاقتصادية، فضلاً عن التضامن السياسي، ولكن على حدود الإدارية للمحافظات البيروقراطية المحددة.
فشل الأمم المتحدة:
هذه التطورات مهمة فيما بينها، لكن لسوء الحظ من غير المرجح أنها ستعمل على إنهاء الحرب نهاية سريعة.
ومع اشتداد القتال بين الفصائل اليمنية هذا العام على جبهات كانت نائمة في السابق، كما هو الحال في جبهة الضالع، كما تراجع عدد الغارات الجوية السعودية شهراً تلو الاخر، حيث أن هذا التراجع قد يكون من المحتمل جراء الضغوط المتزايدة التي يمارسها الكونجرس الأمريكي والدول الأوروبية لوقف مبيعات الأسلحة إلى راس الحربة في دول التحالف العربي والمتمثلة في المملكة العربية السعودية.
كما يتم التقليل من التركيز الدولي على اليمن نظراً لان لدى الحلفاء الرئيسيين للتحالف أولويات أخرى:
الولايات المتحدة مع إيران، والمملكة المتحدة مع ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية ذات الاهتمامات المحلية المختلفة.
الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص ليسا للمرة الأولى على توافق مع الوضع والأحداث الحاصلة في اليمن, فبعد تجاهلها للعديد من القضايا الأخرى والتركيز بشكل شبه تام وحصري على الوضع في مدينة الحديدة الساحلية والوضع الإنساني لمدة عامين، فإنها تواجه الآن وضعا لم تعد فيه الحديدة تمثل الأزمة الرئيسية في اليمن.
تتأثر الاستجابة للأزمة الإنسانية بخفض التمويل لأن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لم تفي بالتزاماتهما، لكنهما يواجهان في الوقت نفسه مشاكل أخلاقية خطيرة مع تحويل الأموال والمساعدات، بما في ذلك من خلال موظفي الوكالات التابعة للأمم المتحدة.
وبدلاً من نقل الاهتمام إلى أحدث اندلاع صراع جديد في الجنوب، سيكون من الحكمة أن ينتهج سياسيو الأمم المتحدة نهجاً أوسع وتطوير إستراتيجية متوسطة طويلة الأجل تعمل بجدية على معالجة الأزمة اليمنية بجميع جوانبها.
استراتيجيات غير محددة:
لا تعني الإستراتيجية الجديدة المتبعة من قبل دولة الإمارات بالضرورة حدوث خرق في العلاقات العميقة التي تربط بين ولي العهد الإماراتي ونظيره السعودي، باعتبارهما الحاكمين الفعالين لدولتيهما، لكنها بدون ادنى شك أبرزت اختلافاتهما الاستراتيجية.
تسعى الإمارات العربية المتحدة من خلال سحب قواتها إلى مراجعة الإستراتيجية السعودية, سواء نجحت أم لم تنجح، يبقى أن نرى، لأن خيارات دول التحالف محدودة إلى حد كبير بسبب طبيعة وشرعية هادي وحكومته، التي تقيد أيضاً تصرفات الأمم المتحدة, وستكون الخطوات التالية هي عقد قمة طارئة في جدة والمقترحة لأجراء تعديل في حكومة هادي التي أضعفتها الأحداث الأخيرة، ولكن يبدو أن كلاهما قد تأخر.
إن الوضع الداخلي في اليمن هو صلب المشكلة, بغض النظر عن الطموحات التي تعتلي صناع القرار الإماراتي أو السعودي، إذ أن هناك ثلاث مجموعات سياسية رئيسية فقط في اليمن:
يسيطر أنصار الله على الجزء الشمالي من البلد, في حين أن حزب المؤتمر الشعبي العام التابع للرئيس السابق صالح مثل معظم الأحزاب اليمنية يعاني من التجزئة, فمنهم من بقي في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين, ومنهم من استقر في المنفى، ومنهم فصائل متحالفة مع الرئيس هادي, حيث شارك البعض من كبار قادته في الأشهر الأخيرة في مناقشات مع القيادتين السعودية والإماراتية, وقد يشكلون حضوراً أقوى في الحكومة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي والتي اتسمت حتى الآن بالضعف في تمثيل التعددية السياسية اليمنية والقوى الاجتماعية, كما لا يمكن إغفال الذكر عن حزب الإصلاح الذي لا يزال يمثل قوة سياسية متماسكة وهامة في اليمن، سواء أكان هذا مرحب به أم لا.
…………………………………………………………….
*هيلين لاكنر, باحثة مستقلة في الشأن اليمني عملت وعاشت لأكثر من خمسة عشر عاماً في اليمن, منها خمس سنوات في الفترة ما بين 1977إلى 1982 في اليمن الجنوبي, نشرت في العام 2017 كتاب بعنوان : اليمن في أزمة: الأوتوقراطية، الليبرالية الجديدة وتفكك الدولة, كما نشرت في العام 2019 كتاب تحت عنوان اليمن في الأزمة: الطريق إلى الحرب