بقلم: سيد حسن

(موقع “أجورافوكس” الفرنسي – ترجمة: محمد السياري – سبأ)

أخيراً ها هو قد أقبل اليوم الذي تصبح فيه المملكة العربية السعودية غير قادرة على السيطرة على زمام الأمور في الحرب التي أعلنتها على الأراضي اليمنية منذ بضع سنين؛ ومن الواضح أنه لم تعد لديها القدرة الدفاعية اللازمة للتصدي ومواجهة الأسلحة الصاروخية الجديدة التي حصلت عليها الميليشيات الحوثية في اليمن بدعم من الحليف الإيراني.

ومن المؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الأسلحة سوف تشكل مصدر تهديد حقيقي على المواقع الاقتصادية الحيوية التي يتمتع بها السعوديون؛ ويتضح ذلك من خلال الهجمات الأخيرة التي كانت مدمرة وحاسمة:

حيث قامت طائرات بدون طيار أطلقها المتمردون الحوثيون من الأراضي اليمنية بمهاجمة موقع ضخم لاستخراج النفط والغاز الطبيعي يقع في قلب الصحراء الشاسعة بالمملكة، الأمر الذي تسبب في اندلاع ما وصفته السلطات السعودية بـ”حريق محدود” وذلك على أثر الهجوم الثاني الذي أستهدف قطاع الطاقة الحيوي بالموقع…

وبالرغم من التكتم الملحوظ إزاء ذلك في بادئ الامر من قبل السلطات السعودية، إلا أنها ما لبثت أن قامت بإطلاق اعتراف رسمي بالواقعة وإن جاء ذلك متأخراً بعد عدة ساعات من الإعلان الذي صرح به الناطق العسكري الرسمي باسم الجماعة الحوثية، يحي سريع، والذي كشف فيه عن بيان مصور يؤكد بأن المتمردين قد تمكنوا من أطلاق 10 طائرات بدون طيار محملة بقنابل فتاكة لتستهدف بنجاح تام الموقع المذكور في إطار عملية تعد من أهم العمليات التي قاموا بتنفيذها منذ بداية الحرب وحتى اللحظة؛ وفي السياق ذاته ذهب هذا الاخير مهدداً إلى التأكيد على حقيقة أنهم بصدد الإعداد والترتيب لتنفيذ هجمات جديدة وعلى المدى المنظور.

ليس من المبالغ فيه حين يقال بأن الهجمات الأخيرة كانت بمثابة عامل فعال في الكشف عن وجود فشل كبير وتدهور حقيقي في صفوف ودفاعات قوات التحالف التي تقودها المملكة العربية السعودية.

ومن المعلوم أن منطقة “شيبة” التي تضم موقع الحقل النفطي المذكور اعلاه تقع على بعد ما يقرب من 1200 كيلومتر من الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون؛ ومن غير الممكن هنا ان نتجاهل الابعاد والمنحنيات التي تكمن في هذه الجزئية دون تسليط الضوء على بعض منها وبالأخص الدلالات الاقتصادية التي لا تقل اهمية عن غيرها في هذا الإطار:

الطائرات اليمنية الحربية المسيرة

ففي الواقع تعد المسافة الممتدة بين الموقع النفطي المذكور آنفاً والأراضي التي يسيطر عليها المتمردون في اليمن كدليل قوي ونافذ على القدرات الصادمة والتقنيات اللافتة للنظر التي تحظى بها الطائرات الحربية المسيرة عن بعد والتي يحوز عليها الحوثيون.

وقد أكد المحققون التابعون لمنظمة الأمم المتحدة تلك الحقيقة مشيرين إلى أن طائرات الدرون الحديثة التي يمتلكها الحوثيون – والتي ازاحوا عنها الستار مؤخراً في ظل الحرب التي تقودها السعودية وحلفاءها على اليمن – قد يصل مداها إلى 1500 كيلومتر على الاقل.

ومن هذا المنطلق, من البديهي أن تغدوا حقول النفط السعودية ومحطة الطاقة النووية الإماراتية قيد الإنشاء ومطار دبي الدولي في مرمى ومتناول تلك الجماعة البسيطة التي تسيطر على جزء لا يستهان به من الاراضي اليمنية.

فضلاً عن ذلك وعلى العكس من الطائرات بدون طيار المتطورة التي تستخدم الأقمار الصناعية ليتم التحكم بها عن بعد، يرى العديد من الخبراء المختصين في هذا المجال أنه من المحتمل أن تكون طائرات الدرون الحوثية مبرمجة لضرب الهدف المنشود وفق خطوط الطول والعرض المحددة سلفاً ومن غير الممكن التحكم بها مرة اخرى بمجرد أن تصبح خارج نطاق الجهاز المتحكم بها عن طريق موجات الراديو.

ومن المرجح أن تكون تلك الطائرات قد حوت من التقنيات المتطورة ما جعلها قادرة على التخفي في نطاق رادارات العدو، الامر الذي منحها إمكانية مهاجمة بطاريات صواريخ باتريوت السعودية وكذلك القوات المتمركزة في نطاقها.

لقد سلطت تلك الهجمات الضوء على حقيقة لطالما كانت مستبعدة، ألا وهي أن أهم مواقع السعوديين أصبحت من الآن فصاعداً عرضة للمخاطر والتهديدات. ولذلك فإن البعد الاقتصادي لتلك المخاطر يزيد من عجز الموازنة في المملكة العربية السعودية بنسبة 7٪. ومما لا شك فيه أنه في حال استمرار الضربات الجوية التي تقوم بتنفيذها الطائرات السعودية ضد الحوثيين سوف يشكل ذلك مزيداً من التكاليف الإضافية التي بالتبعية ستثقل كاهل النظام السعودي؛ الامر الذي قد يؤدي إلى تهديد بقاء الدولة السعودية. ومن هنا يمكننا القول بأن الكرة أصبحت في ملعب الحوثيين ولم يعد الاقتصاد السعودي في مأمن من التبعات.

من ناحية أخرى، تلك الطائرات المسيرة عن بعد والصواريخ التي يستخدمها الحوثيون هي نسخ من النماذج الإيرانية التي تم تجميعها في اليمن بمساعدة خبراء تابعين لحزب الله اللبناني.

ومنذ بضعة أيام، قام وفد ممثل عن جماعة الحوثيين بزيارة رسمية إلى العاصمة الإيرانية، طهران. وفي إطار ذلك، أعلن المرشد الاعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، بشكل رسمي ودون سابقة تذكر أن الحوثيين كانوا يتلقون الدعم اللازم من قبل إيران منذ بداية الحرب…

وفي تقرير مصور عرض على القناة التلفزيونية الإيرانية المحلية بشأن اللقاء الذي جمعه بالناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي، محمد عبد السلام، قال خامنئي: “يتوجب علينا أن نقدم كل ما يلزم من الدعم لثورة الرجال والنساء المؤمنين بوطنهم وحقهم في الحياة… ولسوف ينجح الشعب اليمني في إرساء قواعد حكومة ثابتة الخطى وواسعة الافق”.

وذكرت وكالة الأنباء شبه الرسمية، فارس، أن خامنئي، وفي أول لقاء له مع ممثل كبير للحوثيين، دعا أيضاً إلى “الاستمرار بكل ما يمكن من قوة في المقاومة والتصدي للمؤامرات التي تحيكها الحكومة السعودية والتي تهدف إلى تقسيم اليمن أرضاً وشعباً”؛ كما اضاف قائلاً: “لا بد لليمن من أن يضل متحداً ومتماسكاً وأن يتمتع بكامل سيادته؛ وبغض النظر عن التنوع الديني والعرقي الموجود في هذه المنطقة، يبقى الحوار الوطني ضرورة ملحة لسلامة اليمن ووحدة أراضيه”.

من زاوية أخرى، حملت زيارة طهران دلالات واضحة على أن الحوثيين لم يعودوا تلك الحركة المعزولة ولم يعد هنالك من لا يعترف بها: حيث شرع العديد من المسؤولين الإيرانيين والبريطانيين والفرنسيين والألمانيين والإيطاليين وكذلك حركة أنصار الله اليمنية في تبادل وجهات النظر حول أمكانية التوصل  إلى تسوية سياسية بشأن الحرب المستمرة منذ زمن في هذا الشطر من شبه الجزيرة العربية.

ولإنجاح ذلك الأمر تم عقد اجتماع الاسبوع الماضي في وزارة الخارجية الإيرانية في طهران بحضور عدد من الوفود والممثلين عن الجانب الإيراني وحركة أنصار الله وكذلك عن الدول الأوروبية الأربع المذكورة آنفاً.

وفي إطار ذلك قدم المندوبون وجهات النظر والمقترحات التي تميل إليها حكوماتهم بشأن تطورات الاوضاع في اليمن، بما في ذلك التطورات السياسية ومتعلقات الصراع الحاصل على الارض بالإضافة إلى الوضع الإنساني السائد في البلاد…

وفي السياق شدد المندوبون على ضرورة التركيز على وضع حد فوري وحاسم للحرب مؤكدين على قناعاتهم وإيمانهم العميق في الوسائل والطرق السياسية كونها من وجهة نظرهم الحل النهائي والأمثل للقضاء على جميع مظاهر الازمة الحاصلة.

لطالما كان من الجلي منذ البداية أن تلك الحرب التي أشعل فتيلها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على الاراضي اليمنية في مارس 2015 بعيدة كل البعد عن أي أمكانية لتحقيق أي شكل من أشكال النصر فيها.

أما الآن وقد أضحت ملامح الصورة أكثر لم يعد هنالك مجال للشك بأن تلك الحرب خاسرة بامتياز. ومن المسلم به جدلاً أن الولايات المتحدة الأميركية وكذلك هي الحال بالنسبة لأوروبا لن يحركوا ساكناً في سبيل مجرد المحاولة لإنقاذ الحليف السعودي من هذا المأزق الحقيقي.

ومن المؤسف أنه ما من وسيلة أو تقنية قادرة على توفير أي نوع من الحماية ولو بشكل مقبول للتصدي لمثل تلك الهجمات. ومن هذا المنطلق يمكننا القول بأن اليمن البائس الفقير قد تفوق على المملكة الثرية.

ومن المرجح أنه سيتعين على الجانب السعودي تقبل ضرورة اللجوء إلى خيار التفاوض حول التسوية السياسية لإحلال السلام. الأمر الذي يفضي استدلالاً إلى ضرورة ملحة تتمثل في أن مطالب الجانب اليمني المتعلقة بميزانية أعادة بناء اليمن سوف ترتقي بما يتناسب ومستوى الدمار الذي خلفته الحرب، وبعبارة أوجز، سوف تكون ميزانية الاصلاحات المطلوبة في غاية الضخامة. وعلى الأرجح أن الخيارات التي كانت متوفرة أمام السعوديين بهذا الخصوص قد تصبح شبة معدومة. وعليه، لن يكون أمامهم سوى القبول بتلبية كل ما سيتطلبه الأمر للوصول إلى تسوية مرضية للحوثيين في المقام الأول.

ومن منظور آخر، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد تحصلت على المعلومات الاستخباراتية اللازمة للانتقال إلى خطوة الانسحاب من الساحة اليمنية في الأشهر القليلة الماضية. وقد كان هدفهم الرئيس من تلك الحرب غير العادلة يتمحور وبصورة خاصة حول فرض سيادتهم على ميناء عدن. وكانت عملية التحالف مع القيادات الانفصالية في جنوب البلد، والتي باتت تسيطر في الوقت الراهن على مدينة عدن، الخطوة التي وفرت لها كل الضمانات اللازمة لاستمرار سيطرتها على الميناء الاول والرئيس في البلد. ولم يعد أمامنا هنا سوى الانتظار لنرى كم من الوقت سيتمكنون من الاحتفاظ به طالما وأن المرشد السامي للثورة الإيرانية يرفض جملةً وتفصيلاً أي أمكانية لتقسيم اليمن.

وفضلاً عن كل ما سبق، من المحتمل أن يكون لتلك الهجمات الحوثية على الموقع النفطي السعودي بعد آخر أكبر من ذلك الذي أعلن عنه في نهاية الحرب القائمة على الأراضي اليمنية؛ إذ أن قيام الحليف الإيراني بتزويد أنصاره في اليمن بمجموعة من الطائرات المسيرة القادرة على بلوغ مدى 1500 كيلومتر يحمل دلالة قوية جداً على أن حلفائه في لبنان وسورية والعراق قد كان لهم قصب السبق في الوصول إلى مثل تلك التقنيات الحديثة

وتبعاً لذلك، سوف يتعين على كلٍ من إسرائيل وتركيا الأخذ بجميع الاحتياطات اللازمة لتجنب خسارة الكثير والتعامل بما يتناسب ويصب في مصافي مصالحها الخاصة.

وليست القواعد الأميركية في الخليج الفارسي وأفغانستان بمنأى من العواقب التي قد تترتب على ذلك، بل ويتحتم عليها أن تكون في حالة تأهب قصوى تحسباً لأي طارئ؛ وليست الحقيقة الكامنة خلف تلك التهديدات بالأمر السري، فما لدى إيران لا يقتصر على القوة الصاروخية الباليستية القادرة على مهاجمة تلك القواعد وشل قدراتها بدرجة كبيرة، بل هي أيضاً تحوز على طائرات بدون طيار تحوي تقنيات وتكنولوجيا حديثة وسرية, بحيث تصبح أمامها أنظمة الدفاع الصاروخي والجوي الأميركية عديمة الفائدة إلى حد ما.

وتظل الإمارات العربية المتحدة، بفضل أنظمة الدفاع الجوي الروسية من نوع “بانتسير أس-1” والشاحنات الألمانية من نوع “مان” التي تقوم بنقلها، الدولة الخليجية الوحيدة التي تمتلك بعض القدرات الكفيلة بإخراج تلك الطائرات عن نطاق السيطرة الإيرانية. ولعل ذلك يكون دافعاً حقيقياً امام البنتاغون للتحلي بالرغبة الشديدة في امتلاك بعضاً من تلك التقنيات.

لقد كان استخدام الولايات المتحدة الأميركية لطائرات الشبح المسيرة عن بعد للتجسس على المواقع الإيرانية الخطأ الذي مكن طهران من القبض عليها وتحليلها واستنساخها. وبالرغم من ضخامة برنامج تصنيع طائرات الدرون في إيران وقدمه، إلا أنها بلا شك قد استفادت للغاية من التكنولوجيا التي قدمتها لها واشنطن من غير قصد. وقد أسهمت جميع الحروب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط – في أفغانستان عام 2001، في العراق عام 2003، في لبنان عام 2006، في سورية عام 2011، في العراق عام 2014 وفي اليمن عام 2015 – في الرقي بالمستوى الحربي لإيران وحلفائها.

وفي الأخير علينا أن ندرك جيداً بأن في ذلك درس ينبغي أخذه بعين الاعتبار والاستفادة منه. ولكن على ما يبدو أن واشنطن لا زالت تفتقر إلى القدرة اللازمة لاستيعاب ذلك والتعامل معه بكل مسؤولية.