"ديمونة" أقرب من يافا
السياسية || محمد محسن الجوهري*
لا تنقص رجال الرجال الجرأة أو الشجاعة لضرب أي أهداف حساسة في الكيان الصهيوني، حتى لو كلف الأمر قصف مفاعل ديمونة النووي في صحراء النقب، والقضية بالنسبة لليمن هي مسألة إمكانيات لا أكثر، ولكن بعد استهداف يافا المحتلة المسماة "تل أبيب"، والتي تبعد عن مفاعل ديمونة بأكثر من 90 كم شمالاً، فإن حدوث الكارثة النووية مسألة وقت، وحسب.
وطائرة "يافا" التي قصف "يافا" المحتلة خلطت الأوراق، وحملت دلالات كثيرة جداً، ومضمونها أبعد بكثير من ضرب مبنىً بشارع بن يهودا، بعد أن حلقت على صحراء النقب متجاوزةً مفاعلها النووي، بنحو 100 كم، معلنةً في الوقت ذاته بأن الإرهاب النووي للكيان الصهيوني قد ارتد على نفسه، وأن اليهود سيكتوون، قبل غيرهم، بذلك الخطر الوجودي الذي لطالما هدَّد العرب، وضمن للكيان التفوق العسكري لعقودٍ طويلة.
وبما أن الواقع بعد طوفان الأقصى، أثبت أن الأمن المطلق لـ"إسرائيل" مجرد أسطورة وحرب إعلامية، فإن الدفاعات الصهيونية ستعجز عن حماية المفاعل في ديمونة، كما عجزت في أكثر من مناسبة في حماية سماء المغتصبات اليهودية في فلسطين المحتلة، وما عملية يافا الأخيرة إلا عيِّنة على العجز الإسرائيلي، وفسل دفاعاتها الجوية.
أضف إلى ذلك، أن الهجمات اليمانية لا تتوقف، ولها نفس طويل جداً في الحرب، ويشهد لها الجانب السعودي الذي أخفق من قبل في حماية مطاراته ومنشئاته النفطية، ما يعني أن اليمنيين مستمرون إذا ما قرروا قصف ديمونة، فسيفعلونها مهما أخذ الأمر من جهد ومحاولات، ولن يتوقف القصف حتى تحدث الكارثة الكبرى، والانفجار العظيم الذي يخشاه اليهود، ويعلمون أنه قادمٌ لا محالة.
وعن نتائج الانفجار، وتداعياته على الكيان والمنطقة، فإن تفجير ديمونة يعني زوال مناطق شاسعة من الأرض العربية بمن فيها، وأول الضحايا سكان مدينة ديمونة البالغ عددهم نحو أربعين ألف نسمة، جميعهم من العاملين في المفاعل وعائلاتهم.
كما سيمتد أثر ذلك على المنطقة الممتدة من النقب حيث ديمونة، وحتى يافا (تل أبيب) شمالاً على الساحل، وهي المنطقة التي يسكنها نحو خمسة ملايين إسرائيلي، بحسب الإحصائيات الرسمية للكيان الصهيوني، أي أن ثلثي الصهاينة على الأقل سينتهون بفعل التفجير النووي.
أما عن تأثير ذلك على العرب، فإن مفاعل ديمونة يبعد عن قطاع غزة بأقل من ثمانين كيلومتر، وهي مسافة قريبة نسبياً، وسيتضرر سكان القطاع بشكل كبير، ولكن ما حجمَ ذلك الضرر بالمقارنة مع يتعرضون له اليوم، بعد أن قصفت "إسرائيل" المدنيين هناك بأضعاف قنبلة هيروشيما النووية.
وهنا نذكّر بتصريحات لخبراء في السلاح النووي الإسرائيلي، حذروا فيها من قرب حدوث كارثة في مفاعل ديمونة بسبب تداعيات داخلية في بنيته التحتية.
ويقول الرئيس التنفيذي السابق لهيئة الطاقة الذرية بـ"إسرائيل" عوزي إيلام: "إن النظام المركزي المفاعل ديمونة لا يمكن استبداله والاستغناء عنه، والوعاء الصلب الضخم الذي يوجد فيه جوهر المفاعل، يوما ما لن يكون آمنا بما فيه الكفاية، وحركة اليوترونات تؤدي فعليا إلى رد فعل نووي كامل، إذ تطير في جميع الاتجاهات، وصحيح من حين لآخر يتم فحص المفاعل وحالة انثقابه، لكن في النهاية، في وقت ما، سيأتي الشخص الذي سيقول كفى".
ولا ننسى التصريح الشهير لموردخاي فعنونو عام ١٩٨٦، أحد التقنيين السابقين في ديمونة، والذي كشف فيه أن المفاعل عرضة للدمار بعد خروجه من الخدمة في تلك المرحلة، مؤكداً أن ديمونة لم يعد صالحاً للعمل بعد عشرين سنة من تأسيسه، وقد كلف ذلك التصريح اعتقال فعنونو لخمس عشرة سنة، بتهمة إفشاء الأسرار النووية في الكيان الصهيوني.
يشار إلى أن "إسرائيل" أنشأت مفعل ديمونة في أواخر الخمسينيات بدعمٍ فرنسي، وبدأت العمل فيه منذ العام ١٩٦٤، وتنتج منه طاقة نووية تكفي لصنع عشر قنابل نووية كل عام.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب