السياسية || محمد محسن الجوهري*

يتهم العالم الغربي المسلمين بالإرهاب، وحاول وصمهم بتهم مختلفة، منها الإجرام والقتل، وسائر الصفات الشنيعة التي لا تمت للأمة الإسلامية بصلة، لكن الغرب يتبناها لخدمة المشروع اليهودي، ولحرمان المسلمين من الدفاع عن بعضهم البعض، في حال قرروا التدخل ووقف الإبادة الجماعية بحق أهالي غزة.

ومن أشكال ذلك الدعم، ما نراه في مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها، حيث تسعى تلك البرامج - عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي - إلى حجب أي منشور يتهم "إسرائيل" بإبادة المسلمين حتى لو كانت حقيقة، فيما يترك لليهود الحق في الحديث عن جرائم الحركات الإسلامية حتى لو كانت وهمية، وما نراه في غزة دليل آخر على عبثية الغرب وازدواجية معاييرهم الإنسانية وكأنهم يرون بأن لليهود الحق في إبادة المسلمين في غزة وغيرها بذريعة الدفاع عن النفس، فيما الدفاع الفعلي عن النفس هو إرهاب، عندما لا يكون في صالح الكيان الصهيوني.

ومن مشاهد ذلك الدعم، أننا نرى الغرب يصنف حماس حركةً إرهابية، في الوقت الذي أبادت "إسرائيل" عشرات الالاف من الأبرياء منذ أكتوبر الماضي، إلا أن ذلك كله لا يهز للغرب شعرة ولا يحرك في إنسانيتهم قيد أنملة، والسبب أن الغرب المسيحي يتشارك مع اليهود العقائد الإجرامية التي تؤمن بأن غير العبرانيين ليسوا بشراً، ويجوز إبادتهم واستعبادهم.

ورغم أن الدكتور عبدالوهاب المسيري، اعتبر في كتابه الشهير "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" أن الانحياز الغربي لليهود و"إسرائيل" مجرد ظاهرة استعمارية استيطانية إحلالية" برعاية "الولايات المتحدة التي ترى في إسرائيل "قاعدة عسكرية وحضارية وأمنية للغرب وأن المصالح الاستراتيجية الغربية (الأمريكية)، هي التي تحدد القرار الأمريكي وأن الضغوط الصهيونية - من خلال اللوبي أو الإعلام- ذات أهمية ثانوية"، إلا أن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، فالغرب يتبنى كتاب "العهد القديم" الذي هو من مؤلفات اليهود، ويتشارك مع اليهود في الإيمان بقدسيته، رغم ما يحويه من تحريف يجيز لليهود الحق في إبادة غيرهم من البشر خاصة المسلمين، ويصف فيه أن اليهود هم شعب الله المختار وأن غيرهم من الشعوب مجرد أمم هائمة لا ينبغي أن تحظى بمزايا راقية أو باحترام.

وحتى تتأكد أن الحرب اليوم على غزة هي حربٌ دينية وأن الغرب شريك أساسي في كل جرائم اليهود، علينا مراجعة الكتاب المقدس المشترك بين الفئتين والذي ينص على التالي:
يحرم الكتاب المقدس لليهود والمسحيين (العهد القديم) على اليهود الاختلاط مع الشعوب الأخرى لأن هذه الشعوب نجسة وحقيرة، وهي عبارة عن حيوانات بصورة بشر، وبما أن العبرانيين هم شعب الله المختار فلا يجوز للمختارين أن يختلطوا مع الأنجاس. ولهذا فإن التوراة ترسم سبب خلق الله للشعوب الأخرى: وهو تسخيرها للهزائم أمام بني "إسرائيل".
أما مستويات التعامل مع الشعوب الأخرى، حسب النصوص التوراتية فتنحصر بالتالي:
(1- القتل: يفضل رب بني إسرائيل قتل الشعوب الأخرى والتخلص من نجسهم ودنسهم. وقد أمر الرب مرارا بني إسرائيل بالقضاء المبرم على الآخرين حسب نصوص التوراة. فمثلا أمر الرب جيش العبرانيين عندما دخل أريحا في زمن يهوشع بن نون أن يحرم كل نفس حية فيها (يحرم يعني يقتل). أمرهم الرب بأن يقتلوا الناس جميعا بمن فيهم النساء والأطفال، وأمر بقتل الحيوانات والبهائم وحرق الزرع وهدم البيوت.
وتتفاخر التوراة بأن جيش العبرانيين قام بقتل سكان بلدة عاي التي كانت تقع بين أريحا ورام الله والبالغ تعدادهم حينئذ -وفق التوراة- 12 ألف نسمة. وفي مواقع عدة أشارت التوراة إلى أن الرب يأمر بالقتل والذبح.
2- الطرد: الأفضلية الثانية عند رب التوراة تتمثل بطرد الناس من الأماكن التي يتواجد فيها العبرانيون. وجود الشعوب الأخرى بين العبرانيين يؤثر سلبا على العبرانيين فيصيبهم بالدنس والنجس، ولا يجوز أن تبقى شعوب قذرة بين المختارين المباركين والمقدسين. ثم من المحتمل أن تغوي الشعوب الأخرى شعب الله المختار فيتحولون عن عبادة الرب ويقعون بالمعصية والآثام. الشعوب الأخرى ضالة، وتعمل دائما على إيقاع الآخرين بالضلال.
3- الاستعباد: يأمر الرب باستعباد الشعوب الأخرى إن لم يكن الطرد ممكنا. تقول التوراة لشعب الله المختار إن الرب سيجعل الشعوب الأخرى خدامهم وسيدعهم يستعملونهم كما يشاؤون وفق أهوائهم.)

الكارثة أن البعض لا يزال يؤمن بأن الغرب يناصر الحرية والعدالة وحقوق الإنسان وغير ذلك من القيم النورانية المعلنة في دساتيرهم، لكنهم في الواقع يتبنون المنهج اليهودي الذي يحرم على غيرهم الحق في الحياة، بدليل ما نراه اليوم من جرائم إبادة بحق الشعب الفلسطيني المسلم، والتي يتشارك في ارتكابها كل دول الغرب، ويقدمون كل أشكال الدعم العسكري واللوجستي للكيان الصهيوني، كما يمنعون أي حديث عن تلك الجرائم بل ويحرفون بوصلة العداء تجاه الفلسطينيين، ويتهمونهم بخلاف الحقيقة تماماً، ويشاركهم في ذلك العبث المستغربين من أبناء جلدتنا، ممن انخدعوا بالغرب، وصاروا يقلدونه في كل تفاصيل حياتهم.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب