الحديث عن اليمن حديث عن الموت
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ليست جملة عابرة، بل حقيقة خلدتها الأدبيات التركية بشكلٍ متكرر، سّيِما في أغانيهم الفلكلورية (Yemen Türküsü) التي تكشف عن حجم المأساة العثمانية بعد أن قرر الباب العالي غزو الأراضي اليمنية ابتداءً من العام 1539، لتبدأ فصول دامية من الحروب الشرسة التي دامت حتى سقوط السلطنة العثمانية مطلعَ القرن العشرين.
للوهلة الأولى يبدو اليمن لقمةً سهلة، وأرضاً قابلة للاحتلال، هكذا اعتقد الحكام الأتراك في البداية، وقد خلَّد التاريخ مقولة الصدر الأعظم "خادم سليمان باشا" عام 1938، عندما قال: «اليمن بلد بلا حاكم، مقاطعة خالية، لن يكون احتلالها ممكنًا فحسب بل سهل وعندما نسيطر عليها، ستصبح أراضي الهند ترسل كميات كبيرة من الذهب والمجوهرات لإسطنبول».
ومن المفارقات العجيبة أن الأتراك غزوا اليمن بالمدفعية والسلاح الناري، وقاومهم اليمنيون بالسلاح الأبيض في البداية، قبل أن يتكيفوا مع ظروف المعركة، ويتمكنوا من سلب السلاح الجديد من الخصوم، وتفعيله على الفور ضد الأتراك، وكأن اليمنيين يملكون عشقاً فطرياً للسلاح، أياً كان شكله وتقدمه، وهذه سُنَّة مستمرة حتى اليوم.
وخلال الفترة ما بين 1538 و1547 أرسل العثمانيون ثمانين ألف جندي إلى اليمن، لم يعد منهم سوى سبعة آلاف جندي فقط، وقد وثَّق دفتردار مصر (الدفتردار أكبر منصب للشؤون المالية في الدولة العثمانية) "أحمد حلبي" تلك الحقبة بقوله: «ما رأينا مسبكًا مثل اليمن لعسكرنا، كلما جهزنا إليها عسكراً ذاب ذوبان الملح ولا يعود منه إلا الفرد النادر».
ولأن التاريخ يعيد نفسه، فالإمبراطوريات الكبيرة تغتر بنفسها وترى اليمن فريسة سهلة، وبمجرد أن يقترن اسمها باليمن، ويصبح اليمنيون جزءاً من تاريخها، فإنها تدشن بذلك نهايتها الدراماتيكية، وكأن البلاد اليمانية فخُ إلهي نصبه الله لإهلاك الطغاة في الأرض.
ومع ما نراه من جرائم للصهيونية العالمية بحق المسلمين في العالم كافة، وفي فلسطين على وجه الخصوص، فإن مكان اليمن الطبيعي يكون في مقاومة الغطرسة الغربية، ومناصرة المسلمين في غزة، ولنا في تحركنا هذا كل الحق وكل الشرعية، وبه نضمن النصر على أعداء الأمة، لأن المظلومية الإسلامية سر الانتصار إن تحركنا لنصرتها.
أما الحديث عن فارق السلاح بين اليمن والإمبراطورية الأمريكية، ففي ذلك ميزة لصالحنا، ويشهد التاريخ أننا السلاح الذي يتجه إلى نحور اليمن، يعود من جديد إلى نحر الغزاة، وما العدوان الأمريكي وقبل عدوان عملائه على اليمن، إلا فرصةً لامتلاك الأسلحة الأقوى والأعنف لكسر شوكة العدو، والشواهد على ذلك حيَّةً وراهنة، وتتجلى يوماً بعد آخر في الميدان، وعلى يد رجال الرجال من مجاهدي اليمن الأبطال.
وبالنسبة للحرب النفسية، فقد اعتاد الصهاينة أن يمارسوها بأشكالٍ مختلفة، لإخضاع الخصم قبل غزوه، ويرون بأن التهويل الإعلامي قد يرعب الجماهير ويدجنها، ويجعل منها فريسة سهلة الغزو، ومثل ذلك قد يحدث في مختلف بلدان العالم، باستثناء اليمن، فاليمانيون يستبشرون بأي حديثٍ عن المواجهة المباشرة مع الغرب الكافر، ويشهد على ذلك الساحات المكتظة كل أسبوع بالملايين من المجاهدين، والتي يرى فيها الغرب الموت لهيمنتهم العسكرية وغطرستهم التي طال أمدها على شعوب المنطقة والعالم.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب