انهيار مدرعة "النمر" هل يعيد الميدان إلى سلاح الجو "الإسرائيلي"؟
محمد جرادات*
زحفت مدرعة "النمر" كسيحة على الأرض، وهي مجرورة على مسرح المواجهة، هذا ليس في الشجاعية ولا رفح ولا جباليا، حيث صارت حلبة المسرح مألوفة بنسف المدرعات، بل هنا في جنين وطولكرم، حيث شمال الضفة الملتهب منذ ما قبل الطوفان، في مواجهة عشرات الاجتياحات الإسرائيلية.
قبل عام بالتمام كان ذهول "الجيش" "الإسرائيلي"، عندما طارت مدرعة "النمر" عن الأرض وتشظت، لأول مرة، وهي تحاول النزول في منحدر منطقة الجابريات المطل على مخيم جنين، بفعل عبوة ناسفة ضخمة حيّرت "جيش" الاحتلال ومنظومته الأمنية، وقد استقدم سلاح الجو ليشارك في عملية إنقاذ الجنود وسحب المدرعة المعطوبة مع عدة آليات فقدت القدرة على الحركة، واعترفت مصادر "الجيش" وقتها بإصابة سبعة من جنوده فقط.
خلال هذا العام، تكرر المشهد في تفجير المدرعات والجرافات والآليات، وانسحب المشهد من جنين إلى طولكرم وطوباس، حيث بلغ التنافس أوجه، والمحتل يحاول إحباط المقاتلين ومن خلفهم البيئة الحاضنة، عبر القدرة على طمس نتائج العمليات، حتى عندما اضطر إلى الكشف عن إصابة الأسيرة وفاء جرار إصابة خطيرة، وقد ربطها بتفجير كتيبة جنين مدرعة "النمر" في أيار/مايو الماضي، إذ كانت الأسيرة داخل المدرعة بعد اعتقالها من بيتها، وتجاهل الحديث عن أي إصابة بين جنوده، بما يخالف المنطق والعقل، إذ كيف يؤدي تدمير المدرعة إلى إصابة الأسيرة وحدها دون الجنود، رغم أن تفجير العبوة، بحسب فيديو السرايا، أصابها في الجزء الخلفي، والأسرى عادة يتم وضعهم في الجزء الأمامي أو في وسط المدرعة وليس في ذيلها.
توزعت ضربات المدرعات بالعبوات، على فترات زمنية، في شمال الضفة، حتى جاءت الضربات الأخيرة، لتبث الذعر في أوصال "جيش" الاحتلال، خاصة عملية بأس جنين2 والتي ظهرت عبر البث الحيّ والمباشر، استدعى فيها الاحتلال ثماني من طائرات الأباتشي لتشارك في نقل الجرحى، والحديث يدور عن كمين مزدوج في سهل مرج بن عامر، قبالة مجموعة من المستوطنات "الإسرائيلية" الزراعية، المقامة داخل فلسطين المحتلة عام 48، وهي منطقة صعبة أمنياً على المقاتلين، إذ يصعب التحرك السلس فيها، وهي مكشوفة للطائرات المسيّرة التي تحوم هناك معظم الوقت، إضافة إلى سرعة تحرك الآليات "الإسرائيلية" في تلك المنطقة.
حفرت جرافة الـ D9 الأرض لتسهيل حركة المدرعات، ولكنها كانت ومن حيث لا تدري تعزز قوة انفجار العبوات المزروعة على عمق متر ونصف، وقد فشلت الجرافة في الوصول إلى هذا العمق، لكنها كانت قد أزالت أثقال التراب عن العبوات، انفجرت الأولى، وتأخرت الثانية حتى نزل الجنود ومعهم قائد قناصة نخبة وحدة غفير، وهو ما جعل الإصابات هائلة، ما اضطر رتل المدرعات إلى العودة من حيث أتى، ليفشل اجتياح جنين في تلك الليلة الحمراء، بما تم وصفه بحفلة صاخبة.
حاول "جيش" الاحتلال استعادة هيبة ردعه عبر ميدان متصل، وهو يعي أن مخيم نور شمس، قطعة من جنين، وإن بعد عنها مسافة 30كم، وما زال أهالي مخيم جنين في تداخل اجتماعي عميق مع نور شمس، منذ زحف أهل نور شمس من الداخل الفلسطيني عام 48 إلى جنين، واستقروا زمناً قبل أن ينتقلوا إلى طولكرم، وما زال التواصل السريع والدائم بين شباب المخيمين قائم بقوة، لذا بادر المحتل إلى قصف نور شمس واغتيال القائد في السرايا سعيد الجابر، وقد اغتر المحتل فسارع إلى اقتحام المخيم بمدرعاته وآلياته، الذي لا تزيد مساحته على نصف كم مربع، ليجد عبوة ضخمة بانتظاره مزقت مدرعة "النمر"، وقد أصبحت "ملطشة" لأيادي شباب الكتيبة.
هذا التسارع الزمني لانهيار المدرعات عبر عدة بؤر جغرافية، وإن متقاربة عبر شمال الضفة، "جعل قيادة جيش الاحتلال في ما يسمى المنطقة الوسطى يضربون رؤوسهم بالحائط"، بحسب تعبير صحيفة "يديعوت أحرونوت" "الإسرائيلية"، لأجل ماذا يضربون رؤوسهم بالحائط؟ تجيب الصحيفة؛ "بحثاً عن حلول لتهديد العبوات الناسفة في مخيمات الضفة الغربية، بعد أن أدى هذا التحدي إلى مقتل جنديين في فارق أيام معدودة في مخيمي جنين ونور شمس"، وهو تحدٍ وصفه موقع "عبري لايف" "الإسرائيلي" بالتحوّل المشابه لما يجري في غزة وجنوب لبنان.
تصاعدت غارات سلاح الجو "الإسرائيلي" ضد نور شمس، بعد نجاح العبوات في تهشيم هيبة مدرعة "النمر"، وقد نجحت للمرة الثانية على التوالي، في اغتيال أربعة من شباب الكتيبة، يأتي تكثيف غارات سلاح الجو، وهو ربما يبحث عن هدف زخم في جنين وطوباس والفارعة، ليهاجمه في أي لحظة، إضافة إلى ما يجري في نور شمس، لتحقيق جملة من الأهداف العاجلة:
أولاً: استعادة هيبة الردع، في ظل التقاط سلاح المدرعات الأنفاس، خاصة قدرة سلاح الجو على تحقيق ضربات دقيقة، رغم فشل هذا السلاح في نجدة المدرعات قبل عام في أول ضربة قوية ضدها في جنين، حتى إن أول طائرة أباتشي وصلت ميدان القتال أصيبت واضطرت إلى الهبوط في سهل مرج بن عامر.
ثانياً: تحقيق رغبة إعلام الاحتلال وكبار المستوطنين وأهالي الجنود، بعد أن علت أصواتهم تطالب بتجنيب الجنود الخطر على الأرض في شمال الضفة، والعمل عبر سلاح الجو.
ثالثاً: المحافظة على وتيرة إشغال المقاتلين بالأمن الشخصي، عبر الهجمات المتضافرة والدائمة، فما دام سلاح المدرعات يتعثر بفعل العبوات، يمكن لسلاح الجو أن يملأ الفراغ، لضمان تعزيز استراتيجية الحرب في الضفة، والتي أعلن عنها بشكل رسمي منذ السابع من أكتوبر.
ينجح سلاح الجو الإسرائيلي في فرض معادلات معينة في كل حروبه، وخاصة في الضفة الغربية، عبر تحقيق أهداف موضعية حادة، ولكنه يعجز عن تنفيذ خطة عمل دائمة تمنع توسع قدرات المقاتلين، وتنوع أدواتهم القتالية، وحتى بسط نفوذهم المعنوي وربما الميداني، رغم وجود أجهزة أمن السلطة التي تحاول احتواء هذا النفوذ، بل مواجهته أحياناً خاصة في طوباس، ما يجعل المنظومة الأمنية "الإسرائيلية" عرجاء في مدى التصدي للعمليات، رغم تراجعها الحاد في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48، كنجاح مؤقت لهذه المنظومة.
فشل سلاح المدرعات يدفع المنظومة الأمنية "الإسرائيلية" إلى الخشية من انهيار هذا النجاح في محاولة تثبيته كإنجاز نوعي في منع العمليات الكبرى في عمق الكيان "الإسرائيلي"، خاصة إذا علمنا أن ست عبوات ناسفة قد نجحت في ضرب الآليات في آخر اجتياح لجنين، بحسب الناطق باسم السرايا أبو حمزة، وليس فقط كمين السهل، فقد انتشر فيديو لتفجير قوي ضد آلية عسكرية قرب مسجد الشهيد محمود طوالبة، وفي الاجتياح السابق أحصت وكالات الأنباء تسع عشرة عبوة قوية أصابت المدرعات والآليات، وكان أصداء انفجارها ينتشر حتى أرياف منطقة جنين، ليس بعيداً عن مستوطنات العمق "الإسرائيلي"، بما يمثل خطراً محدقاً يؤرق هذه المنظومة ويجعل كل نجاحاتها في مهب الريح.
* المصدر: موقع الميادين نت
* المقال يعبر عن رأي الكاتب